مغربيات يسبحن بحرية بعيدا عن الشواطئ

مضايقات مستمرة تطال النساء بالشواطئ رغم إقرار المغرب قانونا يكافح كل أشكال المضايقة والاعتداء والتحرش وسوء المعاملة والعنف.
التحرش يضيق على النساء بالشواطئ المغربية
حركات متطرفة تندد بارتداء ملابس السباحة
جدلية المساواة بين الرجل والمرأة تتأجج على شاطئ البحر

الرباط - يستقطب المسبح الكبير للرباط آلاف الزوار بينهم الكثير من النساء، إذ أنه يوفر إليهن هامش حرية ضيقت في الشواطئ المزدحمة، حيث أصبحن عرضة للتحرش لمجرد ارتدائهن ملابس سباحة.

وتأسف سناء (34 سنة) لكون "الاستجمام على الشاطئ لم يعد ممتعا بالنسبة لامرأة"، مضيفة "تعرضت للتحرش فقط لأنني كنت أرتدي ملابس سباحة ولحسن الحظ أنني كنت برفقة زوجي".

وتأتي سناء للمرة الثانية برفقة زوجها وأبنائهما الأربعة من مدينة مكناس (نحو 150 كيلومترا شرق الرباط)، للاستمتاع بالأجواء الرائعة في المسبح الذي افتتح مطلع يوليو/تموز 2019.

وتقول "الأمن هنا مضمون وحتى الكلمات البذيئة ممنوعة"، مشيرة إلى أنها لم تعد تستطيع "السباحة بكل حرية إلا في بعض الشواطئ المهجورة أو خارج المغرب".

ورغم ارتياحها لانعدام التحرش في المسبح الكبير للرباط، حيث يحرص أكثر من 60 حارسا مكلّفين من إدارة المسبح ورجال الشرطة على راحة الزوار، تفضل سناء عدم ارتداء لباس السباحة العادي "تجنبا لأنظار المتلصصين".

وتعج شواطئ المملكة المتناثرة على ساحلي البحر المتوسط والمحيط الأطلسي بآلاف المصطافين صيفا، لكنها باتت أقل جاذبية بالنسبة للنساء اللواتي يقلن إن "ارتداء ملابس السباحة العادية يكاد يكون مرادفا للعري وقلة الحشمة وسببا للتحرش خصوصا إذا كانت المرأة دون مرافقين ذكور".

وتوضح أستاذة علم الاجتماع سمية نعمان جسوس أن هذه الظاهرة بدأت تظهر في الشواطئ منذ التسعينات بسبب انتشار الأفكار السلفية المستوردة، لكن الرأي العام لم يأخذ الأمر بجدية ولم يقم بأي رد فعل، حتى أصبحنا اليوم لا نستطيع ارتداء ملابس سباحة.

وظهرت في السنوات الماضية دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي “للتنديد” بالفتيات اللواتي ينشرن صورهن بملابس السباحة. وأثارت هذه الدعوات موجة من الإدانات وتعليقات ساخرة، فيما أقدمت فتيات على مواجهتها بنشر مزيد من صورهن بملابس السباحة.

وتنزل بعض الفتيات بالرباط مياه المسبح الكبير بملابس عوم عادية في لحظات متعة لم تعد متاحة سوى في الشواطئ غير المأهولة مثلما أشارت الطالبة الجامعية أمل (18 سنة).

وتتمسك بالأمل في استعادة الفتيات حقهن الطبيعي في الاستمتاع برمال الشواطئ ومياه البحر بأي لباس.

ويجذب المسبح المطل على المحيط الأطلسي في منطقة شعبية بالعاصمة المغربية نحو 5000 زائر يوميا، بحسب أحد المشرفين على إدارته ، حيث لا يتعدى ثمن تذكرة الولوج عشرة دراهم (أقل من يورو واحد) في اليوم وهو جزء من مشروع "الرباط مدينة الأنوار عاصمة الثقافة" الذي حوّل العاصمة مع شريطها الساحلي إلى كورنيش أنيق.

ويلازم الشعور بالإحراج سيدات أخريات في المسبح الكبير، إذ يتحدثن عن مسترقي النظر.

وتقول خديجة (50 سنة) التي فضلت تمضية معظم الوقت مستلقية فوق أريكة بلاستيكية مغطية جسدها برداء أبيض "لا أفهم لِمَ يركزون النظر في أجساد النساء".

وتضيف المغربية التي جاءت من فرنسا لتمضي عطلة الصيف في الرباط "إنه أمر جد محرج".

وتستطرد رفيقتها ليلى (36 سنة) "لا يدركون أن نظراتهم محرجة". وفضلت هذه الموظفة في إدارة عمومية هي الأخرى البقاء مستلقية تحت مظلة، وهي ترتدي سروال جينز وقميصا صيفيا قصير الأكمام.

ويحمّل كثيرون المرأة مسؤولية تعرضها للتحرش بدعوى أن مظهرها غير محتشم ولا يحترم العائلات. كما يقول أنور (32 سنة) القادم برفقة أسرته من مدينة طنجة (شمال) لاكتشاف المسبح الكبير.

وتسجل سمية نعمان جسوس أن "التقهقر بلغ حدا جعل النساء اللواتي يرتدين ملابس عوم عادية في الشاطئ عرضة للإدانة من طرف نساء أخريات".

وتشكل المساواة بين الجنسين في المغرب ومكانة المرأة في الفضاء العمومي محور جدل في المغرب بين الدعاة إلى مزيد من الحداثة والانفتاح، والمجتمعات المحافظة.

وأقر المغرب السنة الماضية بعد نقاشات محتدمة قانونا لمكافحة العنف ضد النساء يشدد العقوبات في بعض الحالات.

وجرّم القانون للمرة الأولى “بعض الأفعال التي تعتبر من أشكال المضايقة والاعتداء والاستغلال الجنسي أو سوء المعاملة".

وتؤكد سمية نعمان جسوس أن هذا القانون أرضية هامة جدا، لكنه غير كاف، داعية إلى التركيز على تغيير العقليات.