مفارقات يمانية

اليمنيون يكنون الأشياء بعكس أوصافها ويحاكمون الحاضر بفكر ماضوي.
المواطن والمسؤول ينتقد كل منهما الفساد ويشتكي منه وكأنه عدو خارجي
لوحاتنا الإعلانية في الشوارع اختزال تراجيدي مكثف وساخر للمشهد اليمني برمته

في اليمن تنحرف البوصلة من معالجة إشكاليات لخلاف شخصيات، لا يتم النظر لجذور المشكلات ويتم التركيز على وجهة نظر الآخرين حولها، لا نبت في أي معضلة قبل أن تستفحل وتمتلئ القلوب والنفوس، وتتحول لأزمة، يتم مراعاة أطراف الخلاف حولها، ومن يقف معهم دون الأخذ في الاعتبار إنهائها والفصل فيها، والعمل على عدم رجوعها قدر الإمكان، قضايانا تكن صغيرة ثم تكبر، وحلولنا تكن كبيرة ثم تصغر، أحزابنا حاكمة ثائرة معارضة في آن واحد، رئيس راحل ما استطعنا إقناعه بالخروج من الوطن، ورئيس مهاجر ما استطعنا إقناعه بالعودة للوطن.

لوحاتنا الإعلانية على واجهات المتاجر والمكاتب والعيادات اختزال تراجيدي مكثف ساخر، للمشهد اليمني برمته، محلات الحافي للأحذية والكوافي، معرض العريان للملابس الجاهزة، عيادة الكفيف لطب العيون، مركز الأصنج للأذن والأنف والحنجرة، مركز الأثرم لطب الأسنان، مكتب الخوان للمحاماة والاستشارات القانونية.

قد نجد الأب يؤيد السلطة الشرعية، والابن يتبنى موقف المليشيات الحوثية أو العكس، وكأن الحرب الدائرة خلاف أسري، حتى أسماء الأسر والقبائل جعلناها أسماء أمراض؛ لنرهب أعداءنا، ابتداء من بيت الأحول، مرورا بالأطرش فالأبرص فالأعرج إلى غير ذلك من الأسماء.

المواطن والمسؤول ينتقد كل منهما الفساد، ويشتكي منه، وكأنه عدو خارجي، بل إن المسؤول يرى أنه ضحية الفساد الأولى، نتحاور ثم نتقاتل، ثم نعود للحوار مرة أخرى، نتحدث كلنا باسم اليمن، ويبيد كل منا الآخر باسمه أيضا، ننظر للديمقراطية، ومرجعياتنا هي القبيلة والإملاءات الحزبية، نتحدث عن المستقبل، ونحن نحاكم الحاضر بفلسفة وفكر ماضويين، عفى عليهما الزمن، ونظل نحن - اليمانيين - لغزا يصعب فهمه، وفك رموزه، طالما بقيت حياتنا مليئة بالتناقضات، ورهينة تواطؤ الأضداد وصراع المصالح.