مليونية استقلال جزائرية للمطالبة بتحول ديمقراطي

المحتجون يواصلون حراكهم تزامنا مع ذكرى استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي في وقت تتواصل فيه محاكمة المتهمين بالفساد.
حالة تأهب قصوى لرجال الشرطة مع تشديد الاجراءات الامنية
الجزائريون لا يهتمون كثيرا بتحذيرات قائد صالح
المحتجون يدعون السلطات الى تحويل دعوة عبدالقادر بن صالح للحوار الى اجراءات ملموسة

الجزائر - من المنتظر ان ينظم الآلاف من الجزائريين مظاهرات للمطالبة بتحقيق تحول ديمقراطي في البلاد تزامنا مع ذكرى استقلال البلاد من الاحتلال الفرنسي في الخامس من تموز/يوليو 1962.

وأطلق الجزائريون على المسيرات "مليونية الاستقلال" وذلك في محاولة لاستغلال تزامن الاحتفال ذكرى الاستقلال مع الجمعة العشرين لحراك 22 شباط/فبراير الداعية للتخلص من رموز النظام السابق والعمل على مكافحة الفساد الذي انتشر في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

ولاحظ شهود عيان حالة تأهب قصوى لرجال الشرطة، من خلال مختلف الشّوارع، حيث تنتشر الشّاحنات والحواجز الأمنية في مختلف النّقاط المؤدية لوسط العاصمة في اطار الاجراءات المشددة التي اتخذتها السلطات تحسبا لحدوث مسيرات كبيرة.

ويصر الجزائريون على مواصلة مسيراتهم رغم التحذيرات التي يطلقها الفريق أحمد قايد صالح، قائد أركان الجيش الجزائري بين الفينة والاخرى او حديثه المتزايد عن اتخاذ إجراءات لمكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين.

ويرى مراقبون ان الجزائريين لا يهتمون كثيرا بتصريحات قائد صالح ويظهر ذلك من خلال التظاهرات المتواصلة من مختلف الفئات الشعبية خاصة من الطلاب للدعوة الى تحقيق انتقال ديمقراطي.

وحاول قائد صالح الجنرال الذي أصبح بحكم الأمر الواقع الرجل الأقوى في البلاد توجيه تهم مختلفة للمحتجين فمرة يتهمهم بالولاء لجهات غربية لا تريد الخير للجزائر وبانهم طابور خامس ومرة اخرى يتهمهم بالسعي إلى "حماية الفساد من خلال تأجيل محاربته".

واستغل قايد صالح بدوره ذكرى الاستقلال لمهاجمة بعض الاطراف الداخلية الرافضة لتدخل الجيش في كل نواحي الحياة السياسية في البلاد.

الفريق أحمد قايد صالح قائد أركان الجيش الجزائري
قايد صالح تعهد بتطهير البلاد ممن أسماهم عبدة الاستعمار وأصنامه

ودعا  قائد أركان الجيش الجزائري، الخميس، إلى تطهير البلاد ممن أسماهم "عبدة الاستعمار وأصنامه" وفاء لشهداء ثورة التحرير، في خمسينات القرن الماضي.
جاء ذلك في كلمة خلال حفل تقليد رتب لضباط سامين في الجيش بمناسبة الذكرى الـ 57 لاستقلال البلاد الموافق للخامس من يوليو/ تموز 1962.
وقال صالح، "كل من يؤمن بميثاق الشهداء الأبرار وبعهدهم الأزلي، سيسهم بصدق في مكافحة الفساد، ويشارك بوفاء وإخلاص في تطهير الجزائر من كل عبدة الاستعمار وأصنامه".
ولم يقدم صالح توضيحات أكثر حول من أطلق عليهم هذا الوصف، لكن بدا واضحا أنه يشير إلى لوبيات داخلية مازالت تمثل امتدادا للنفوذ الفرنسي في الجزائر، وتسمى إعلاميا "حزب فرنسا".
وجدد قايد صالح دعوته لمحاربة الفساد قائلا "فالعدل الحازم، والإنصاف العازم، هما السبيل الأمثل والأنجع نحو تطهير البلاد من الفساد والمفسدين على الرغم من المعارضة الشديدة المتعددة الأشكال".
وتابع "لقد نسي كل مفسد وكل عميل وكل من يتسبب في إلحاق الضرر بأرض الشهداء، بأنه طال الزمن أو قصر سينكشف أمره وسيخيب سعيه".
ويحقق القضاء الجزائري منذ أسابيع مع عدة مسؤولين ورجال أعمال مقربين من نظام بوتفليقة بتهم "فساد"، أودع بعضهم السجن فيما وضع آخرون تحت الرقابة القضائية.
وأفضت التحقيقات إلى سجن رئيسي الوزراء السابقين أحمد أويحيى وعبد الملك سلال، ووزير التجارة الأسبق عمارة بن يونس، وتم وضع عدد من الوزراء تحت الرقابة القضائية، وينتظر استمرار التحقيق مع وزراء ومسؤولين آخرين مستقبلا حسب بيانات للمحكمة العليا.

وأودع القضاء الجزائري، الجمعة، مدير الشرطة الأسبق، عبد الغني هامل، واثنين من أبنائه، الحبس المؤقت بتهم تتعلق بـ"الفساد".
وذكر التلفزيون الرسمي، أن قاضي التحقيق بمحكمة سيدي محمد بالعاصمة أمر بإيداع هامل واثنين من أبنائه الحبس المؤقت بسجن الحراش، بعد ساعات طويلة من التحقيق معهم في قضايا فساد.
وأضاف أن "القاضي أمر أيضا بوضع زوجة هامل تحت الرقابة القضائية فيما يتواصل التحقيق مع اثنين آخرين من أبنائه في نفس القضايا".
والخميس، مثل هامل وأفراد عائلته، بذات المحكمة للتحقيق معهم في تهم نهب العقار والثراء غير المشروع رفقة عدة محافظين (ولاة) سابقين ومسؤولين بوزارة السكن.
وهامل، جنرال في الجيش الجزائري قاد الشرطة من عام 2010 وحتى يونيو/ حزيران 2018، وعرف بقربه من الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.
وأقيل "هامل" من منصب مدير عام الشرطة مباشرة بعد تصريحات أدلى بها بخصوص باخرة الكوكايين أو ما عرف محليا بقضية "البوشي"، وتأكيده على أنه يملك ملفات بخصوص تلك الحادثة.
ويتابع هامل في قضية الكوكايين أيضا كما سبق أن استمعت له محكمة تيبازة غرب العاصمة، في قضايا نهب عقارات رفقة أحد أبنائه.

مدير الشرطة الأسبق عبد الغني هامل
حبس مدير الشرطة الاسبق واثنين من أبنائه بتهم فساد

والأربعاء، قال الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، في خطاب موجه للشعب أن البلاد تشهد "عملية تطهير واسعة لأجهزة الدولة وتجديد تأطيرها".
وتابع أن هذا "يتزامن مع مكافحة صارمة لآفة الفساد وتبديد الأموال العامة، تضطلعُ بها بجدية عدالةٌ تمارس اليوم كامل مهامها وصلاحياتها".

ودعا بن صالح مساء الأربعاء إلى حوار "تقوده شخصيات وطنية مستقلة" ولا تشارك فيه الدولة أو الجيش وذلك بهدف "أوحد" هو تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال.

وأكد بن صالح أنّ الحوار "ستتمّ قيادته وتسييره بحرية وشفافية كاملة من قبل شخصيات وطنية مستقلّة ذات مصداقية"، مشيرا إلى أن "الدولة بجميع مكوّناتها، بما فيها المؤسسة العسكرية، لن تكون طرفاً في هذا الحوار وستلتزم بأقصى درجات الحياد طوال مراحل هذا المسار".

وكانت الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة رفضت دعوة أولى إلى الحوار أطلقها بن صالح قبل أقل من شهر من أجل الوصول إلى توافق على تنظيم انتخابات رئاسية ونظمت تظاهرات حاشدة طالبت برحيل كل رموز النظام قبل الدخول في أي حوار حول الانتخابات.

وكانت الانتخابات الرئاسية مقررة مبدئيا في الرابع من تموز/يوليو ورفضها المحتجون، لكنها ألغيت بسبب عدم وجود مرشحين. وبينما تنتهي مهلة التسعين يوما الني حددها الدستور للفترة الانتقالية خلال أيام، أكد بن صالح أنه سيبقى في منصبه حتى انتخاب رئيس جديد.

بن صالح "خرج"

وتنتظر أحزاب المعارضة والمجتمع المدني والمراقبون كيف سيستقبل الشارع هذا الاقتراح وكيف سيجسد عمليا لأنه لم يطرح أي اسم للحوار حتى الآن.

وقال الموقع الالكتروني "كل شيء عن الجزائر" إن الدعوة الجديدة التي اطلقها بن صالح يمكن أن تواجه بالرفض "إذا لم تسارع السلطات في إعلان إجراءات ملموسة للتهدئة".

وقال علي (47 عاما) الذي يعمل في مصرف "سأخرج الجمعة كما أفعل منذ أربعة أشهر حتى انتخاب رئيس شرعي. حققنا هدفا كبيرا: بن صالح لن يقود الحوار، لقد +خرج+ وإن بقي في المنصب".

سأخرج الجمعة كما أفعل منذ أربعة أشهر حتى انتخاب رئيس شرعي

وسيشكل اليوم اختبارا لحركة الاحتجاج أيضا بعد دعوة إلى تظاهرات "حاشدة" أطلقها المحامي الشهير والمدافع عن حقوق الإنسان مصطفى بوشاشي والدبلوماسي والوزير السابق عبد العزيز رحابي وشخصيات أخرى.

وستعقد أحزاب سياسية وممثلون عن المجتمع المدني السبت اجتماعا بعنوان "منتدى الحوار الوطني"، قال رحابي لوكالة الأنباء الجزائرية إنه يهدف إلى "وضع آليات للخروج من الأزمة والذهاب في مهل معقولة باتجاه تنظيم" انتخابات رئاسية ديموقراطية.

افرجوا عن المعتقلين

ومن المطالب الأخرى للمحتجين الكف عن اعتقال المتظاهرين، بحسب عالم الاجتماع ناصر جابي الذي شارك في الدعوة إلى التظاهر.

ورحب الرئيس الانتقالي بالطابع السلمي للحركة و"بضبط النفس" الذي تتحلى به "قوات الأمن"، لكن عمليات توقيف المتظاهرين والتحذيرات التي يطلقها رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح تضاعفت.

ويرى المحتجون وبعض المراقبين أن الرئيس الموقت ليس صاحب السلطة الفعلي، بل أنها بيد الفريق قايد صالح الذي رفض مطالب الحركة الاحتجاجية. وعاد الجيش إلى قلب اللعبة السياسية بعدما دفع بوتفليقة إلى الاستقالة.

ودعت منظمة العفو الدولية السلطات إلى الإفراج "فورا وبلا شروط" عن المتظاهرين المعتقلين وإلى "احترام حقوق حرية التعبير والتجمهر والتجمع السلمي خلال التجمعات".

وقال موقع "كل شيء عن الجزائر" إن خطاب بن صالح لا يلبي مطالب المحتجين الذين يريدون وضع حد "لكم الأفواه ولتقييد الحريات".

وتظاهر طلاب الثلاثاء وهم يهتفون "افرجوا عن المعتقلين" وهو شعار انتشر على موقع تويتر في الدعوات إلى التظاهر.