مناورة شرق المتوسط التركية

كل بذور الصدام متوفرة. اختلفت المواعيد فقط.
تركيا تشعل جبهات خامدة يقابلها مشاريع سلام عربي إسرائيلي
انقرة تصعد مع دول المنطقة عبر المشاكل والخلافات حول المناطق الاقتصادية الخالصة
تركيا عمدت الى نسج علاقات تبدو متناقضة وغير منسجمة لحماية مصالحها

ليست سابقة ان تطلق تركيا مناورات بحرية عسكرية في منطقة تتطلع على ان تكون مجالها الحيوي الذي يلبي طموحاتها التوسعية في المنطقة. لكن المناورات هذه المرة لها خلفيات ذات ابعاد مختلفة وموجهة الى اطراف يمكن ان تشعل مواجهات خطرة في منطقة هي الأشد حساسية، تشهد تنافسا محموما على موارد تعتبر صمام حياة الدول، ومدخلا معززا لحجز امكنة متميزة في النظام العالمي الذي يتكون حاليا.

المناورة التركية اليوم مع قبرص الشمالية موجهة بشكل مباشر الى اليونان في الشمال الشرقي للمتوسط ومن خلفها دولا تعتبر عصب الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو كفرنسا وألمانيا وغيرهما، والى كل من مصر وليبيا وفرنسا في جنوب المتوسط، وهي رسائل منتقاة وواضحة تتراق مع تنافس حاد لم تشهدها منطقة الشرق الاوسط في وقت تأكدت مسوحات وكشوفات موارد طاقة بكميات ضخمة وواعدة.

علاوة على ذلك، تستتبع هذه المناورة الرجوع الى بعض الوقائع، الاحتكاك التركي الفرنسي في شرق المتوسط في يونيو/حزيران الماضي، والذي استتبع أيضا بسلسلة من التحركات العسكرية في ليبيا بين الطرفين، علاوة على ادخال العنصر المصري في تصعيد التوتر في المنطقة، ما يعني ان انقرة تبحث في الأساس عن بيئة تصعيدية امنية عسكرية في المنطقة تستهدف من خلالها إمكانية استثمار أوراق رابحة، لتحقيق أوراق نفوذ في منطقة تعتبرها بعض القوى الدولية مربط خيلها ومجال تحركها وملعبها الاستراتيجي التي لا يمكن التخلي عنها ببساطة مطلقة.

وفي الواقع يعتبر التحرك التركي في هذا التوقيت لعبا في الوقت المستقطع من عمر المنطقة، ثمة تحضير لانتخابات رئاسية أميركية، جبهات خامدة فوق براميل متفجرات تنتظر ظروف التفجير يقابلها مشاريع سلام عربي إسرائيلي، وحراك امني سياسي غير مسبوق في المنطقة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر الدخول الفرنسي المستجد على المنطقة من البوابة اللبنانية بعد تفجير بيروت في الرابع من أغسطس/آب الماضي والذي اعاد خلط أوراق إقليمية وازنة أدت وستؤدي الى احتكاك عالي المنسوب بين فرنسا وتركيا في شرق البحر المتوسط.

وفي ظل هذه الأجواء المحمومة تستكمل تركيا بيئة التصعيد مع دول المنطقة عبر المشاكل والخلافات حول المناطق الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط، ذلك مع كل من قبرص اليونانية واليونان وسوريا، وتغذية المشاكل أيضا بين مصر وقبرص وبين الدول التي تتشارك في المناطق الاقتصادية الخالصة كلبنان وإسرائيل مثلا، الامر لذي أدى وسيؤدي الى المزيد من التوتير السياسي والامني غير المنضبط في المنطقة، الامر الذي سيعيد المنطقة الى المربع الاول في سياق البحث عن إعادة رسم خطوط النفوذ الجديدة حول مصادر الطاقة الواعدة في الشرق الأوسط. واللافت في هذا المجال أيضا، اعلان انقرة عن انها باتت دولة تتمتع بإمكانات طاقوية وهو امر له دلالات جيو سياسية حساسة في المنطقة، تسعى انقرة الى تكريسها ولو عنوة ودون وجه حق.

ولتأمين غطاء لهذه السياسات والمناورات العسكرية والسياسية التي تجريها انقرة، لجأت الى مجموعة تحالفات بمستويات مختلفة مع كل من إسرائيل وايران وروسيا، وعمدت الى نسج علاقات تبدو متناقضة وفير منسجمة شكلا، الا نها تتقاطع مصالح أطرافها على دول المنطقة، بحيث تتيح لها التوصل الى ترتيبات مقبولة وذات دلالات تلبي ما تحاول التوصل اليه.

في أي حال من الأحوال، ثمة حراك امني عسكري في المنطقة يشي ويؤسس الى جملة من المواجهات المرتقبة مع أطراف اقليميين ودوليين ذات قوى وازنة ومؤثرة، وفي وقع الأمر ان الطموح التركي عالي المنسوب في المنطقة، يكشف خبايا العودة للحلم العثماني وان بجلابيب وصور مختلفة لم تعد تخفى على احد، وسيكون مصيرها الفشل كما حدث سابقا للعديد من المشاريع التي ورطت تركيا دول المنطقة بها والتي أدت الى تدمير دول ومجتمعات وزهق أرواح ملايين البشر.