منطق اللامنطق في لبنان وسوريا

اقصى ما يستطيعه "حزب الله" هو تحويل لبنان الى فنزويلا أخرى.
لا يمكن الحصول على دولار واحد من دون إصلاحات في العمق في لبنان
حزب الله يظنّ ان رياض سلامة والنظام المصرفي يمكن استخدامهما في المواجهة بين واشنطن وطهران
تركيا دخلت الشمال السوري ولن تخرج منه، مثلما دخلت قبرص صيف 1974 ولا تزال فيها

اقلّ ما يمكن قوله عن الوضع في اللبناني انّه كارثي. هناك بلد انهار اقتصاديا في ظلّ غياب قيادة سياسية قادرة على فهم ما يدور في الداخل او في المنطقة او في العالم. قيادة سياسية تقف متفرّجة على احراق وسط بيروت، كما حصل مساء يوم الجمعة.

في ظلّ الفراغ السياسي الذي يعاني منه لبنان، استطاع "حزب الله" وضع يده على الثورة الشعبية التي اندلعت في السابع عشر من تشرين الاوّل – أكتوبر 2019، وهو يريد استخدامها خدمة لمآربه.

يعتقد الحزب، ومن خلفه ايران التي يهمّها انقاذ النظام السوري، ولا شيء آخر غير ذلك، انّ لبنان ورقة وانّ هذه الورقة يمكن ان تستخدم في الحملة التي تشنّها "الجمهورية الإسلامية" من اجل التخلّص من العقوبات الأميركية. هذا ما يفسّر ذلك التركيز على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعلى النظام المصرفي اللبناني. يظنّ "حزب الله" ان رياض سلامة والنظام المصرفي يمكن استخدامهما في اطار المواجهة الإيرانية – الأميركية، وهي مواجهة كشفت مدى هشاشة وضع الاقتصاد في "الجمهورية الإسلامية".

هناك منطق اللامنطق يسود في لبنان. منطق اللامنطق هذا يسود في سوريا أيضا حيث معاناة حقيقية من فقدان الدولار. وصل منطق اللامنطق في لبنان الى درجة ان الثوّار باتوا في خدمة "حزب الله".

يوم السبت الماضي في السادس من حزيران – يونيو، قمعت عناصر من "حزب الله" الثوار في شوارع بيروت وكانت تنادي "شيعة، شيعة، شيعة". يوم الخميس في الحادي عشر من حزيران – يونيو، كانت هذه العناصر نفسها تنادي "اسلام ومسيحي، يلعن امّ الطائفية". كان مطلوبا الّا يطالب احد في لبنان بنزع سلاح "حزب الله". حدث ذلك. فجأة، صارت كلّ الطوائف والمذاهب اللبنانية في صفّ واحد بمجرّد الرضوخ لما يطالب به "حزب الله"، أي بوضع لبنان في خدمة النظام السوري من جهة والسكوت على سلاحه من جهة اخرى.

كان كافيا ان يوافق رياض سلامة على ضخّ كمّية من الدولارات في السوق، كي لا تعود اقالته واردة، على حد تعبير رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، وهو ايضا رئيس حركة "امل" التي تشكّل مع "حزب الله" ما يسمّى "الثنائي الشيعي". سيذهب قسم لا بأس به من ايّ دولارات يضخّها المصرف المركزي اللبناني الى سوريا بطريقة او باخرى.

نفّذت حكومة حسّان دياب، التي يبدو ان نهايتها صارت قريبة، توجيهات "حزب الله". طوقت رياض سلامة بأربعة نواب له، على رأسهم شخص شيعي في موقع النائب الاوّل لحاكم مصرف لبنان. بموجب القانون المعمول به، يحلّ النائب الاوّل مكان الحاكم في حال استقالته او اقالته. صار هناك سيف مصلت على رياض سلامة الذي لا يزال "حزب الله" يعتقد انّه يهمّ الاميركيين في حين ان واشنطن غير آبهة في الوقت الحاضر بلبنان كلّه!

يذهب منطق اللامنطق في لبنان الى حدّ اعتقاد رئيس الجمهورية ميشال عون ان في استطاعة مصرف لبنان التحكّم بسعر الدولار. هذا تبسيط للامور وجهل في الاقتصاد والسياسة في الوقت ذاته. هناك من لا يدري انّ لا شيء يحمي الدولار سوى الدولار. من اين سيأتي لبنان بالدولار لحماية سعر الصرف لعملته الوطنية... تجاه الدولار بالذات؟ هل يعي رئيس الجمهورية ومستشاروه الافاضل، ومعه رئيس الحكومة والوزراء، انّ "حزب الله" لم يترك منفذا يستطيع ان يدخل منه الدولار الى لبنان. هناك منافذ لخروج الدولار من لبنان، في حين ان مداخل العملة الاميركية الى لبنان باتت مسدودة. لم يترك "حزب الله" صديقا عربيا للبنان في وقت هناك عقوبات أميركية عليه وعلى كلّ من يتعامل معه. لا يمكن الحصول على دولار واحد من دون إصلاحات في العمق في لبنان. لو كان لبنان قادرا على مثل هذه الإصلاحات، لما كانت نتائج مؤتمر "سيدر" الذي انعقد في باريس قبل سنتين وثلاثة اشهر ومقرراته لا تزال في الثلاجة!

هناك مشكلة لبنانية اسمها الفراغ السياسي. هذا الفراغ يملأه "حزب الله" الذي اقصى ما يستطيعه تحويل لبنان الى فنزويلا أخرى. مثل هذا النموذج يجعل كلّ لبناني يحلم بالهجرة...

امتدّ منطق اللامنطق الى سوريا حيث لا يجد النظام ما يعالج به ارتفاع الدولار سوى استبدال رئيس الوزراء. تولّى حسين عرنوس وزير الموارد المائية مهمات رئيس الوزراء مكان عماد خميس الذي "اعفي" من موقعه. ما الفارق بين عرنوس وخميس؟ كيف يمكن لعرنوس الذي كان في حكومة خميس ان يصنع أي فارق من ايّ نوع؟

مثلما يعاني لبنان من الفراغ السياسي، هناك أيضا فراغ تعاني منه سوريا. هذا عائد بكلّ بساطة الى غياب ايّ وعي لدى اركان النظام الى ما هو عليه واقع الحال. هناك بلد اسمه سوريا انهارت عملته على نحو مخيف قبل بدء تنفيذ "قانون قيصر" الأميركي ابتداء من السابع عشر من الشهر الجاري. اذا كان الدولار اختفى من السوق السورية قبل دخول "قانون قيصر" حيز التنفيذ، فما الذي يمكن توقّعه بعد ايّام قليلة؟

لا يوجد، بين اهل النظام في سوريا، من يريد مواجهة الحقيقة والواقع المتمثلين بان النظام انتهى. لعلّ آخر دليل على ذلك، حلول الليرة التركية مكان الليرة السورية في الشمال السوري. دخلت تركيا الى الشمال السوري ولن تخرج منه. دخلت الى قبرص صيف 1974 ولا تزال فيها بعدما احتلت 35 بالمائة من مساحة الجزيرة على الرغم من ان القبارصة الاتراك، الذين تدّعي حمايتهم، لا يشكلون سوى نسبة 18 بالمئة من السكّان!

من اين سيأتي الدولار الى سوريا. يمكن الاتيان ببعض الدولارات من لبنان بالاعتماد على "حزب الله"، ولكن ما الذي سيحدث غدا او بعد غد؟ لا وجود لايّ منطق لدى النظام السوري، خصوصا عندما يتعلّق الامر بمواجهة النقص في الدولارات. حسنا، اذا كان هذا النظام عاجزا عن التعاطي مع واقع الاحتلالين الاسرائيلي والتركي ويعتبر الوجودين العسكريين الروسي والإيراني شرعيين، كيف يفسّر الخلافات داخل العائلة الواحدة، أي بين رامي مخلوف من جهة وبشّار الأسد وزوجته أسماء وشقيقه ماهر من جهة أخرى؟ هل من تفسير آخر غير ان هذا النظام انتهى بشكل خلاف ذي طابع عائلي على الثروة؟

في عالم منطق اللامنطق، ان في لبنان او في سوريا، لا مفرّ من العودة الى بعض المنطق. بعض المنطق يقول ان السعي الى التصالح مع الدولار يحتاج الى اكثر من الفراغ السياسي والشعارات التي يطلقها "حزب الله" وما يشبه "حزب الله".