منطق المصالح ينتصر على توتر سياسي بين واشنطن والرياض

أكثر من 400 مشارك (شركات ورجال أعمال) من الولايات المتحدة سيحضرون منتدى مستقبل الاستثمار في السعودية هذا الأسبوع، في مشاركة هي الأكبر من دولة أجنبية على الرغم من التوتر السياسي بين واشنطن والرياض.
الرياض تستفيد من فوائض مالية لإيرادات النفط لدفع عجلة التنمية
قادة أعمال أميركيون يتجهون للسعودية للمشاركة في 'دافوس الصحراء'

دبي - لن يمنع الخلاف العلني بين الولايات المتحدة والسعودية الناشئ حديثا على خلفية قرار أوبك+ خفض انتاج النفط بنحو مليوني برميل يوميا على خلاف الرغبة الأميركية في زيادة الإنتاج، كبار المديرين التنفيذين في وول ستريت وقادة الأعمال الأميركيين من حضور منتدى للاستثمار يبدأ يوم الثلاثاء ستسعى خلاله المملكة لإبرام صفقات لتقليل اعتماد اقتصادها على النفط.

ويقود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خطة اقتصادية طموحة لتنويع مصادر الإيرادات من خارج قطاع الطاقة بينما تعتمد المملكة بشكل مفرط على مداخيل النفط في تغذية الموازنة وتمويل المشاريع الكبرى.

وكان الاعتقاد السائد أن التوتر بين واشنطن والرياض سيرخي بظلال ثقيلة على مؤتمر الاستثمار المعروف إعلاميا 'دافوس الصحراء'، لكن  الرئيس التنفيذي لمؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار ريتشارد آتياس توقع في تصريح لرويترز حضور أكثر من 400 مشارك من الولايات المتحدة هذا الأسبوع، مشيرا إلى أن تلك هي أكبر مشاركة من دولة أجنبية.

ويشارك في نسخة العام الحالي التي تعقد في الفترة من 25 وحتى 27 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، جيمي دايمون الرئيس التنفيذي لبنك جيه.بي مورغان، وجون ستودزينسكي نائب رئيس شركة بيمكو ومدير تنفيذي من بي.إن.واي ميلون كمتحدثين في المنتدى. وقال متحدثون باسم شركاتهم إن جميعهم ما زالوا يعتزمون الحضور.

كما أن مديرين تنفيذيين كبارا من غولدمان ساكس وبلاكستون وبريدجووتر أسوشيتس وبوينغ وفرانكلين تيمبلتون على جدول المؤتمر.

وأظهرت بيانات رفينيتيف أن جيه.بي مورغان حقق ما يقرب من 77 مليون دولار من رسوم الخدمات الاستثمارية المصرفية في السعودية العام الماضي بينما حققت غولدمان ساكس 42 مليون دولار. ولا يزال جيه.بي مورغان في الصدارة إذ جنى ما يزيد على 39 مليون دولار من تلك الرسوم حتى الآن هذا العام.

وقال عادل حمايزية المدير في هايبريدج للاستشارات والزميل الزائر في جامعة هارفارد "في الأغلب، لا أرى شركات أميركية تتجنب فعليا السعودية بسبب التوترات السياسية الأخيرة".

وتابع "الشركات الأميركية ستكون شريكا مهما في مجال الاستثمار السعودي وخطط النمو في القطاعات التقليدية وكذلك أيضا في القطاعات الأحدث ومنها السياحة والترفيه وإنتاج السيارات الكهربائية والتكنولوجيا وقطاع صناعات الدفاع المحلي الوليد".

وتعكس مبادرة مستقبل الاستثمار رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد السعودي للتنمية وتقليل اعتماد اقتصاد المملكة على النفط من خلال إنشاء صناعات جديدة توفر فرص عمل لملايين السعوديين وجذب رؤوس الأموال والكفاءات الأجنبية.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد تعهد بأن تواجه علاقات الولايات المتحدة مع السعودية "عواقب" بعد قرار مجموعة أوبك+ لمنتجي النفط هذا الشهر خفض الإنتاج المستهدف، وهو قرار قالت الرياض إنه لصالح استقرار السوق.

وكان هذا الخلاف هو أحدث واقعة تلقي بظلالها على منتدى 'مبادرة مستقبل الاستثمار' الذي يعقد سنويا والذي لم يبلغ المطلوب في العامين الماضيين بسبب مقاطعة غربية بعد الضجيج الذي أثير عقب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018، ثم جائحة كوفيد-19 في 2020، ليخرج بصورة مختلفة تماما عن دورته الأولى في عام 2017 التي وصفتها الرياض بأنها "دافوس الصحراء".

وتحسنت الأمور في 2019 بعد أن هدأت تبعات مقتل خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول واجتذب المنتدى أسماء كبرى من شركات في قطاعات المال والدفاع والطاقة لها مصالح إستراتيجية في المملكة، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، لكنه لم يسفر إلا عن تدفقات أجنبية متواضعة نسبيا.

وما زال حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة أقل من المستهدف، على الرغم مما تشهده المملكة من تحركات في قطاعات جديدة مع انفتاحها على آفاق جديدة. وبالتزامن مع حصول بوينغ على عقد دفاعي بقيمة 80 مليون دولار العام الماضي، أعلنت شركة فيديكس عن خطة استثمارية بقيمة 400 مليون دولار لمدة عشر سنوات في المملكة، أكبر اقتصاد في العالم العربي.

وبلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة في النصف الأول من العام 15.3 مليار ريال (4.07 مليارات دولار)، أي تقريبا خمس حجم الاستثمارات التي دخلت المملكة في عام 2021 البالغة 19.3 مليار دولار، والتي تضمنت استثمارات بقيمة 12.4 مليار دولار في البنية التحتية لشبكة أنابيب النفط التابعة لعملاق النفط أرامكو.

وهذا الرقم يقل كثيرا عن هدف المملكة لعام 2030 البالغ 100 مليار دولار سنويا في إطار إستراتيجية وطنية تهدف إلى الوصول بالاستثمار الأجنبي المباشر إلى ما يعادل ستة بالمئة تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.

ولا يزال الغموض يسود البيئة التنظيمية والضريبية بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التشغيل ونقص العمالة المحلية الماهرة، حتى بعد أن أعطت الرياض مهلة للشركات لتأسيس مقرات إقليمية في المملكة بحلول عام 2024 وإلا ستواجه خسارة عقودها الحكومية المربحة.

وقال جاستن ألكسندر مدير شركة جالف إيكونوميكس والمحلل المتخصص في الشأن الخليجي لدى غلوبال سورس بارتنرز "ظلت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إما ثابتة أو منخفضة... أقل حتى من واحد بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. كما لم تحقق بعض الأسماء البارزة التي ضخت استثمارات نجاحات كبيرة، حتى بعد حصولها على دعم حكومي".

وهذا ما جعل الحكومة السعودية وصندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادي) يحاولان الوفاء بالوعود التي قطعها ولي العهد بتنويع موارد الاقتصاد ، بمساعدة من الفوائض المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط.

وأدى تدهور الآفاق الاقتصادية العالمية وتقلبات سوق النفط إلى زيادة المخاطر أمام متابعة الحكومة تنفيذ رؤية 2030، والتي تتضمن مشروعا بقيمة 500 مليار دولار لبناء منطقة اقتصادية ضخمة عالية التقنية على البحر الأحمر تسمى نيوم تهدف في نهاية المطاف إلى استيعاب تسعة ملايين شخص.

وقال نيل كويليام الزميل المشارك بمركز تشاتام هاوس للأبحاث "لا تستطيع الحكومة تحمل دفع عجلة التنمية الاقتصادية إلى أجل غير مسمى، لكن في الوقت الحالي لا يوجد بديل حقيقي لأن الشركات المحلية غير مؤهلة للعب هذا الدور فيما لا يزال الاستثمار الأجنبي المباشر مخيبا للآمال".