منك نتعلم يا تونس

المناظرات الرئاسية في تونس إيذان بحقبة تاريخية جديدة.

أصبح الانسان العربي يخاف أن يفرح لأن كل فرح يجلب معه بلاء غير متوقع، والتجارب تشهد على ذلك، فقد فرحنا عند فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة مصر ثم خاب الأمل عندما شوهدت قطر تسرح وتمرح في مصر وتأخذ القطع الأثرية من متاحف مصر، بعضها مشتريات وبعضها عطايا ودخلها السلطان أردوغان وكأنها ولاية عثمانية، ثم زج بمرسي بالسجن، وفرحنا عندما نجحت ثورات الربيع العربي وما لبثنا أن دخلنا في غياهب الحزن عندما انتشرت التنظيمات الإرهابية تحرق وتذبح وتسبي ورأينا آلاف الأطفال من ثمرات السبي وجهاد النكاح مرفوضين من قبل الجميع ولا تقبل بهم أرض ولا سماء، وصار المرء يخاف أن يفرح لأن الرياح قد تأتي بما لا تشتهي السفن.

كانت المناظرات الرئاسية في تونس إيذانا بحقبة تاريخية جديدة، لأن تونس هي التي شجعت العرب المظلومين على الثورة على أنظمة الحكم التي لم تلب طموحات شعوبها، فمشت الدول العربية على خطا تونس، وعانت ما عانت وبعضها لا يزال يعاني، وهذه المناظرات كشفت عن الكثير من ثقافة الشعب التونسي التقدمية والتواقة الى ديمقراطية تجعل الحكم منصبا لخدمة الشعب، واذا فشل، فإنه لن ينتخبه مجددا، مما يعني أن الحاكم سيبذل أكثر من طاقته ليحقق مطالب الشعب، وهذا ما تريده الشعوب العربية، ألا وهو حاكم لهم لا عليهم.

تونس رائدة في كل شيء، في العلم والحضارة والتقدم والانفتاح والشجاعة والإقدام والانضباط والتغيير السلمي، وفيها وجدت أقدم جامعة في العالم الاسلامي وهي جامعة الزيتونة، وعندما تتحدث مع مواطن تونسي، تسمع المنطق والأسلوب المباشر مما يعكس مستوى ثقافيا رفيعا، وهي قائدة العرب في شتى المجالات ومنها نتعلم ولها ندعو لها بالنجاح والازدهار والثراء، فهي تستحق منا انحناءة فخر واعتزاز، ومع ذلك، فإننا نرجو تونس أن تتوخى الحذر وتبذل أكثر من طاقتها لإنجاح هذه الخطوة الجبارة، لأن هناك الملايين تتابع تونس وتتعلم منها، وإذا نجحت خطوتها، فإن مستوى الوعي والروح الجمعية العربية ستحلق عاليا، ويتغير مفهومها عن القيادة وتبتعد عن المفاهيم التي عفا عليها الزمان وجلبت وبالا على العرب من فقر وجهل وإذعان وإحباط واستسلام كامل للقيادات وحاشيتها وأقاربها ونسائها وأنسبائها،، قيادات لا تختلط بشعوبها إلا للتصوير والبث في وسائل الإعلام، قيادات أكلت مال الشعوب وأفقرتهم وتركتهم يغامرون بالهجرة حتى لو كان الموت مصيرهم.

منك نتعلم يا تونس، فلا تخذلينا.