من الدولة الأكثر تورطا في الاحتباس الحراري؟

الغرب يتهم الصين بأنها أكبر منتج للانبعاثات السامة في العالم بل أكثر من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجتمعين، ومصادر ترى أن واشنطن تساهم في التلوث أكثر من بكين.
علماء يحذرون من زوال دول نتيجة الاحتباس الحراري
الاشكال يكمن أن التقارير البيئية تعطي قياسات مختلفة
وفيات في الصين جراء الاصابة بسرطان الرئة الناجم عن استنشاق الهواء الملوث
الحرب التجارية بين أميركا والصين أدت الى زيادة انبعاثات ثاني اكسيد الكربون
الدول النفطية الأكثر مساهمة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون

جذبت الفتاة السويدية غريتا تونبرغ ذات الستة عشر عاما انتباه العالم بطريقتها العفوية وهي تؤنب دول العالم على تدمير كوكب الأرض بالاحتباس الحراري في قمة الأمم المتحدة للمناخ في نهاية شهر سبتمبر/ايلول هذا العام، وتحدثت عن ضياع أحلام الصغار بسبب الضرر الذي ألحقته بعض الدول بالأرض، وهو خوف له ما يبرره، حيث أن جميع دول العالم لاحظت عن كثب التغيرات التي طرأت على المناخ والسيول التي تجرف البشر بشكل متكرر.

مسألة التغير المناخي أصبحت مسيسة جدا في عالم كامل الاستقطاب

 وفي برنامج ليلة السبت مباشر الذي تبثه إحدى القنوات الأميركية، قال أحد ضيوف البرنامج واسمه كولن جست أن التغير المناخي لم يعد يلفت اهتمام البشر لأنهم أدركوا أنهم سيموتون حتما، وشبه الوضع بالمدين الذي لا يملك المال لسداد دينه الضخم ويعرف أن مصيره السجن لا محالة. يأتي هذا وسط تحذيرات محمومة من الناشطين الذين يحاولون التوعية بالخطر الوشيك ووسط تنبؤات بزوال دول كاملة نتيجة الاحتباس الحراري. 
ومن الطبيعي أن يتساءل الانسان: هل فعلا يوجد احتباس حراري؟ 
بحسب دراسات وكالة ناسا للفضاء، فإن معدل درجة حرارة الأرض ارتفعت بقيمة 0.9 درجة مئوية منذ القرن التاسع عشر، وهذا الارتفاع هو عشر أضعاف معدل الارتفاع الذي شهدته الكرة الأرضية في العصر الجليدي، وقد سجل عام 2016 ارتفاعا قياسيا في درجة حرارة الأرض. وتعتبر تحليلات ناسا هي الأدق كونها تمتلك أكثر الأجهزة تطورا على الأرض وفي الفضاء.

رسم بياني حول التلوث
كل جهة تلقي اللوم على دولة مختلفة

 وإذا استمر ارتفاع درجة الحرارة على هذا المعدل، فإن الجليد على القطبين وفي أعالي المرتفعات سيذوب ويرفع منسوب البحار وفي النهاية ستغرق الأرض. فمن هو المسؤول عن هذه الكارثة المحتملة؟ 
المشكلة أن التقارير البيئية تعطي قياسات مختلفة، وكل جهة تخرج بتقارير تلقي اللوم على دولة مختلفة.
 فعلى سبيل المثال، تشير  خريطة صادرة عن منظمة تتبع النشاط البيئي الى نسبة مساهمة كل دولة في التلوث الجوي جراء انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وهي صادرة عن منظمة تتبع المناخ حسب التقديرات في العدد الصادر في عام 2018 حسب نسبة الانبعاثات المساهمة في ارتفاع درجة حرارة الأرض الى عدد سكان الدول.
يشير اللون الأسود الى أعلى المساهمات بينما يشير اللون الأخضر الى أدناها حسب المقياس الذي وضعته المنظمة.
 ويظهر من الخريطة أن الدول النفطية هي الأكثر إسهاما في الانبعاثات وهي روسيا والولايات المتحدة وتركيا وشبه الجزيرة العربية، وفي المرتبة الثانية تأتي الصين وماليزيا وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتشيلي والأرجنتين، وفي المرتبة الثالثة تأتي أوروبا وكازاخستان والبرازيل وبقية أميركا الجنوبية والمكسيك وأستراليا. أما اللون الأصفر فهو يشمل الهند والصومال. والباقي هي الدول التي لا تسهم في ارتفاع درجة الحرارة. فما هي الصفة المشتركة التي تجمع هذه الدول؟
إنها الصناعة، فهذه الدول جميعا لديها قطاع صناعي قوي من المنتجات النفطية والآلات وغيرها. وقد انخرطت في سباق صناعي بهدف كسب الأسواق الاستهلاكية دون التفات للضرر الذي ألحقته بالبيئة، وعندما بدأت سلسلة الفيضانات في شتى مناطق العالم، شعرت تلك الدول بالخطر المحيط بها، وقد جرت محاولات للحد من الانبعاثات آخرها اتفاقية باريس التي وقعت عليها دول العالم في عام 2016، ولكن الولايات المتحدة انسحبت منها في عام 2017 بحجة أنها تضر بمصالحها الاقتصادية، نظرا للمنافسة الشرسة القادمة من الصين، مع أن الخريطة تظهر أن الولايات المتحدة تسهم في التلوث أكثر من الصين.
في المقابل، ذكرت مصادر الوكالة العالمية للطاقة أن الصين هي المسؤول الأول عن تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري، كما يبدو بالرسم البياني التالي:
لقد لعبت السياسة دور كبيرا في تدمير الغلاف الجوي وتراجع طبقة الأوزون التي تحمي الأرض من الإشعاعات الضارة بسبب تراكم طبقة ثاني أكسيد الكربون على حساب الأوزون.
 وترى ايلين كامارك (2019) وهي خبيرة في الإدارة الحكومية في المركز الأميركي للإدارة العامة الفعالة، أن تحديد الجهة التي تقع على كاهلها مسؤولية تدمير الأرض هي كل شخص على هذا الكوكب، لذا فإن المسؤولية لا تقع على أحد على الاطلاق، ولا يمكن محاسبة أحد، وبالتالي فإن المسألة سياسية تتعلق بالصلاحيات، لأن الذي يملك الصلاحيات يفرض القوانين وصلاحية المحاسبة على تجاوزها. ولكن في ضوء الوضع الحالي، فإن الدول الأعضاء في اتفاقية باريس تتباين في درجة تعهداتها بخفض الانبعاثات الكربونية.  ونقلت وكالة رويترز للأنباء   عن لي جاو رئيس مكتب التغير المناخي في وزارة البيئة الصينية في بكين أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أدت الى زيادة الانبعاثات وبالتالي فإن التزام الصين بخفض انبعاثاتها الناجمة عن الاعتماد على الفحم يصبح أكثر صعوبة.
 وبنفس الصورة، كانت ردة فعل الولايات المتحدة على هذه الحرب التجارية أن تراجعت إجراءاتها لخفض الانبعاثات في عهد أوباما ثم وصلت مرحلة الذروة في عهد ترامب عندما انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية باريس. 
وبالمثل فقد تراجعت بريطانيا عن التعهد الذي قطعته بالوصول الى (صفر) انبعاثات في عام 2025 ومددت الحد الزمني الى عام 2050. 
وبالمثل، كان أداء ألمانيا وهي سادس أكبر دولة في العالم من حيث الانبعاثات ضعيفا في خفض الانبعاثات، لكنها في اجتماع قمة المناخ الذي عقد في نيويورك في سبتمبر/أيلول قدمت تعهدا بتنفيذ برنامج بكلفة 60 مليار دولار لخفض الانبعاثات الى مستوى الصفر. 
في لقاء أجرته مجلة هارفارد برفيو (2019) مع البرفسور روبرت ستافينز مدير برنامج هارفارد للاقتصاد البيئي ذكر أن مسألة التغير المناخي أصبحت مسيسة جدا في عالم كامل الاستقطاب حتى في الولايات المتحدة نفسها حيث يعارض الجمهوريون سياسة استخدام الطاقة النظيفة على حساب التنافس الاقتصادي بينما يؤيد الديمقراطيون اتخاذ إجراءات أشد صرامة بهدف التحول الى الطاقة النظيفة. 
وفي المقابل، يتهم الغرب الصين بأنها أكبر منتج للانبعاثات السامة في العالم، بل أكثر من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجتمعين، فيما تقول بعض المصادر أن الصين تأتي بعد الولايات المتحدة كما يتضح في الخريطة أعلاه.
 كما تقول وزارة البيئة الصينية في تقرير صدر في عام 2018 أنها تمكنت من خفض الانبعاثات بنسبة 40% - 45% عن عام 2005 وقد تجاوزت الهدف الذي حددته الحكومة الصينية لعام 2020 . 
وقد وضعت الحكومة الصينية هدفا جديدا وهو تقليص نسبة الانبعاثات بنحو 60% في عام 2030. وقد خصصت حوالي 127 مليار دولار لهذا الغرض. 
ربما توجد مبالغة في الاتهامات الغربية للصين بأنها أكبر ملوث للعالم، وذلك لأن عدد سكان الصين هو الأكبر في العالم كما أن الصين نفسها تعاني من مخاطر الاحتباس الحراري وهي تفعل أقصى ما بوسعها لكي تحد من مخاطر الاحتباس الحراري لتجنب ذوبان الثلوج في هضبة التبت والسيول التي تجرف القرى والمزارعين وفيضان الأنهار وهي الكوارث التي ازداد عددها بشكل مقلق مؤخرا.

رسم بياني
السياسة تساهم في تدمير الغلاف الجوي

 وورد في دراسة قام بها فيل ماكينا لمجلة أخبار المناخ الداخلية (2019) أن عددا من السكان يتجاوز المليون توفوا نتيجة سرطان الرئة الناجم عن استنشاق الهواء الملوث بثاني أكسيد الكربون والهباء المنبثق عن المصانع. لذا فمن المستبعد أن تتوانى الصين في اتخاذ الاجراءات التي تحد من مخاطر الطبيعة الناتجة عن الاحتباس الحراري بالإضافة الى تنقية الهواء من الملوثات والسموم ليس فقط لتحقيق سلامة الظروف المعيشية بل أيضا لأن الرعاية الطبية لمرضى السرطان مكلفة جدا وهي تقع على كاهل الحكومة الصينية.  
يجب ألا ينسى الخبراء أن التلوث الذي صنع الاحتباس الحراري تراكمي، وبالتالي فإن الغرب هو المسؤول الأول حيث أن الثورة الصناعية بدأت لدى الدول الغربية منذ بداية القرن التاسع عشر، ولم يكن هناك صوت ينادي بالحرص على البيئة من التلوث، وكان الاعتماد آنذاك على الفحم لتشغيل المصانع والمحركات، وهو أكبر مصدر للانبعاثات. 
وقد أعد موقع   Voxالاعلامي الأميركي ترتيبا للدول التي أسهمت بالتلوث منذ 1750 كما يظهر تاليا: 
1. الولايات المتحدة  - 397GtCO2
2. الصين - 214Gt
3. الاتحاد السوفيتي السابق - 180
4. ألمانيا - 90
5. بريطانيا - 77
6. اليابان - 58 
7.  الهند - 51 
8. فرنسا - 37 
9. كندا - 32
10. بولندا -27 
رغم هذا الترتيب، فإن الفرق شاسع بين الدول، وحتى بين الصين والولايات المتحدة، هذا إذا اعتمدنا على مصداقية الموقع.
 أما من حيث المعدل بالنسبة لعدد السكان، فقد أورد موقع "عالمنا في بيانات" ترتيب الدول في المساهمة في التلوث حسب عدد السكان في عام 2017، وكان الترتيب: قطر، ترينيداد وتوباغو، الكويت، بروناي، البحرين وأخيرا السعودية. وهذه الدول جميعها ليست من كبرى الدول التي أسهمت بشكل فعال في تدمير الغلاف الجوي، ولكنها تعتبر لها مساهمة قوية بالنسبة لعدد سكانها بعد الطفرة النفطية، ولكن التلوث بدأ قبل ذلك بقرن على الأقل.