مهى بيرقدار الخال اسم لا يحتاج إلى تعريف
هي أكثر من مجرد شاعرة أو فنانة تشكيلية؛ هي رمز حي للإبداع، ونموذج للصدق مع الذات، ومرآة تعكس أعماق الحياة بكل تناقضاتها.
رحيلها، رغم قسوته، هو بمثابة انطفاء نجم في سماء ثقافية كانت مليئة بأضوائه، ولكن النجم لا يختفي أبدًا، بل يبقى ساطعًا في الذاكرة، يُلهِم من يرفعون رؤوسهم نحو السماء. كانت مهى ذلك النجم الذي أضاء دروب الأدب والفن برسوماتها العميقة. كانت قوة الكلمة، وكان قلمها يصوغ قصائد لا تُنسى، تحمل بين سطورها تراجيديا وأملًا، حزنًا وفنًا. كانت أيدينا تلتقط كلماتها كما نلتقط الرياح لتملأ صدورنا بعطر المعنى والحكمة.
إنها ليست مجرد شاعرة عاشت بيننا، بل عاشت فينا بكل ما قدمت من معرفة وفن. كتاباتها كانت عميقة، تتنفس معنى الحياة في كل كلمة، وتحاكي أعماق القلوب بكل صدق. كانت تكتب عن الإنسان وترسم الجمال في أبهى صوره، وأحزانه المطفأة، وآماله المكسورة. فكانت كل كلمة في قصائدها تتدفق من فمها كالشريان الذي ينبض بالحياة.
وبينما كانت كلماتها تتناثر على صفحات الدواوين، كانت لوحاتها أيضًا تُلملم الأنفاس. مهى بيرقدار الخال كانت مبدعة في سحرها التشكيلّي، ربطت بين الفن والروح، وجعلت من كل لوحة لغة مرئية تروي حكايات غير مرئية. بين الألوان، كانت تروي لنا معركة الروح، وتحرر الأمل في الأفق من قيوده.
هي حياة فنية كان لكل تفاصيلها دور في بناء صورة الإنسان في أبهى تجلياته. لقد أثرت فينا، وتعلمنا منها أن الفن ليس مجرد وسيلة للهرب من العالم، بل هو وسيلة لمواجهته. إن الإرث الذي تركته في قلوبنا لن يموت، بل سيبقى حيًا يتنفس في أعمالها، في كلماتها، في ألوانها، في كل لحظة عشناها تحت سماء إبداعها.
ومع رحيلها، نتذكر أن الحياة ليست مجرد وجود جسدي، بل هي في التأثير الذي نتركه خلفنا، في الأعمال التي لا تموت، في الذاكرة التي لا تتلاشى. مهى علمتنا أن الإبداع ليس في البقاء حيًا في هذا العالم، بل في أن نعيش حياة تظل خالدة في قلوب الناس. علمتنا أن الحرف لا يمكن أن يموت، وأن الفن هو طوق نجاة في عالم متقلب.
فلنحيا على طريقتها، لنحافظ على أدبها وفنها وإرثها، ولنسعى جاهدين أن نكون شعاعًا صغيرًا في سماء كانت قد ملأتها بدرًا من الإبداع. مهما مر الزمن، فإن مهى بيرقدار الخال ستظل في قلوبنا وعقولنا، وستظل كلماتها وألوانها تردد فينا صوت الحياة الذي لا يهدأ.
لن تغادري أبدًا، بل ستبقين بيننا، في كل حرف نكتبه، في كل لوحة نرسمها، وفي كل فكرة نطاردها بحثًا عن الجمال الذي زرعته في دنيا ستبقى فيها.
مهى بيرقدار الخال، المرأة التي رسمت حياتها بريشة الأدب وألوان اللوحات، لم تكن مجرد شاعرة أو فنانة تشكيلية، بل كانت أشبه بشخصية أدبية خرجت من صفحات أحد كتبها، وكأن الكتابة كانت هي نفسها حياتها، فهي تكتب كما يتنفس الإنسان، أعمالها تُحاكي الروح البشرية في عمقها وبساطتها في آن واحد.
حين يرحل شخص مثلها، لا يعود الأمر يتعلق فقط بفقدان إنسان كان يحمل شيئًا مميزًا، بل بفقدان جزء من التاريخ نفسه. ومع كل صفحة كتبتها، ومع كل لوحة رسمتها، كانت مهى تكشف عن جزء من العالم الذي لا نراه، تلك الزوايا المخفية التي لا يستطيع المرء أن يراها إلا من خلال عين فنانة كتلك العين التي كان يملكها. العين التي ترى الجمال في المعاناة، والأمل في الحزن، وتجد المعنى في كل شيء حتى في أبسط التفاصيل.
لكن ما الذي يبقى بعد الرحيل؟ هل تبقى الكلمات؟ هل تبقى الألوان؟ هل تبقى اللوحات التي أبدعتها؟ الحقيقة أن ما يبقى بعد مهى هو إحساسنا بحضورها، رغم أنها لم تعد هنا، رغم أن جسدها اختفى، إلا أن وجودها فينا يكاد يكون أقوى من أي وقت مضى. ليس لأننا نعيش على ذكراها، بل لأننا تعلمنا منها أن الفن، بكل صوره، ليس مجرد مهنة أو هواية، بل هو سفر طويل في أعماق الإنسان.
كيف يمكنني أن أكتب عن رحيلها؟ كيف يمكنني أن أصف هذا الشعور الذي لا يمكن احتواؤه في كلمات؟ لا أستطيع أن أقول إنها رحلت، لأنها ببساطة لم ترحل. في كل كلمة كتبتها، وفي كل لوحة رسمتها، كانت قد تركت شيئًا منا في كل شيء.
مهى بيرقدار الخال، كما الحياة، كانت كلمة خالدة، وكل من قرأها أو نظر إلى لوحاتها، لم يقرأ فقط أدبًا أو فنًا، بل قرأ روحًا، روحًا يمكن أن تسكن فيها وتبقى. رحيلها ليس نهاية، بل هو بداية فصل آخر. فصل نعيد فيه قراءة كلماتها، ونعاود النظر إلى لوحاتها. أتعلمون؟ لو كانت هنا، لابتسمت وقالت بكل بساطة: "الحياة مستمرة، والكتابة مستمرة، والفن مستمر."