موجة احتجاجات اجتماعية تجتاح محافظات تونسية

عودة الاحتجاجات والاعتصامات بقوة إلى شوارع المحافظات التي توصف بأنها جيوب للفقر وتعاني من التهميش منذ عقود، تفاقم متاعب حكومة هشام المشيشي المثقلة أصلا بأكثر من أزمة.
مخاوف من عدم قدرة الدولة التونسية على مواجهة موجة الاحتجاجات
الغنوشي ينضم الى دعوات اطلقتها احزاب معارضة لتنظيم حوار وطني بهدف مواجهة الازمة

تونس - اتسعت في تونس خلال الفترة الأخيرة رقعة احتجاجات وإضرابات متزامنة في أكثر من قطاع، لتلبية مطالب تنموية أو لتحسين الأوضاع الاقتصادية خاصة بالجهات الداخلية ترافقت مع اغلاق محتجين لمرافق وقطاعات حيوية، بينما تعاني تونس من أزمة اقتصادية حادة.

ومن شأن عودة الاحتجاجات والاعتصامات بقوة إلى شوارع المحافظات التي توصف بأنها جيوب للفقر وتعاني من التهميش منذ عقود، أن تفاقم متاعب حكومة هشام المشيشي المثل أصلا بأكثر من أزمة.

وتكابد الحكومة التونسية للخروج من أسوأ مأزق منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011 التي اندلعت بسبب الفقر والتهميش وارتفاع نسبة البطالة، وسط مخاوف من أن تتسع دائرة الاحتجاجات في مشهد يعيد إلى الأذهان تفاصيل الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي.

وتأتي التحركات الاحتجاجية بعدما توصّل سكان تطاوين (جنوب) في أعقاب أشهر من إعاقتهم إنتاج النفط في الصحراء، إلى اتفاق مع الحكومة التي تعهّدت في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر توفير فرص عمل وأرصدة مالية لتمويل مشاريع في هذه الولاية.

وبعد مرور يومين على الاتفاق قال رئيس الوزراء التونسي إن النهج الذي "تم اعتماده في تطاوين والقائم على الحوار سيعمم على كافة الولايات خاصة منها المتأخرة في سلم التنمية".

وبعدما شكل اتفاق تطاوين حافزا لهم، يتظاهر منذ تسعة أيام عشرات من سكان القصرين الواقعة في وسط غرب البلاد أمام حقل الدولاب النفطي.

وكانت أزمة الكامور قد انتهت قبل أسبوعين، بإعادة فتح مرافق النفط بمحافظة تطاوين (جنوب)، بعد أن توصلت حكومة هشام المشيشي، لاتفاق مع محتجين، قضى بإعادة تشغيل منشآت النفط مقابل توفير مئات فرص العمل لأبناء الجهة.

وأدى ذلك إلى احتقان اجتماعي بمناطق متفرقة في تونس عبر تحركات احتجاجية لعاطلين عن العمل وناشطين مدنيين يطالبون بتوفير وظائف وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وشملت الاحتجاجات محافظات القيروان (وسط) وقابس (جنوب) والقصرين (وسط غرب) والكاف وباجة (شمال غرب) التي هددت فيها جمعيات مدنية ومحتجون بغلق الطرق إن لم يتم دراسة سبل لتحسين الأوضاع التنموية والاجتماعية .

وفي محافظتي جندوبة والكاف، قطع متظاهرون الطرقات المؤدية لمركزي المدينتين بتكديس الحجارة وإشعال العجلات المطاطية، للمطالبة بالتنمية والتشغيل وتحسين البنية التحتية.

وأغلقت متاجر وشركات ومؤسسات عامة الأربعاء أبوابها في مدينة باجة (100 كلم عن تونس العاصمة)، مركز منطقة ريفية في شمال غرب تونس، تنفيذا لإضراب دعت إليه عدة منظمات للتنديد بالتهميش الذي يطال هذه المنطقة الزراعية.

وللمرة الأولى منذ الاستقلال في 1956، تشهد هذه المنطقة إضرابا عاما "حقق نجاحا بنسبة 95 بالمئة"، كما أكد عبدالحميد شريف الأمين العام للمكتب المحلي للاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية تونسية.

وتعاني باجة المصنفة بالمرتبة 20 على صعيد الفقر بين المحافظات الـ24 في البلاد، من غياب الاستثمارات وارتفاع معدل البطالة وبنى تحتية "رديئة"، كما أضاف شريف، مشيرا إلى أن المستشفى الوحيد في المنطقة يخلو من أطباء اختصاصيين.

ويهدف الإضراب الذي نظم ضدّ "الإهمال" و"غياب الاهتمام" الحكومي بالمنطقة، إلى دفع الحكومة سلميا لعقد جلسة مجلس وزراء مخصصة لوضع باجة.

وطالبت مناطق أخرى فقيرة في الأيام الأخيرة أيضا بتأمين وظائف واستثمارات.

وفي القصرين في وسط غرب تونس، يتظاهر العشرات منذ عشرة أيام أمام حقل الدولاب النفطي، مطالبين بتنفيذ الحكومة لتعهداتها في هذه المنطقة.

وفي قابس (جنوب شرق)، ينفذ مئات المتظاهرين منذ أيام اعتصاما أمام المواقع الصناعية في المدينة، قاطعين الطرقات ومعرقلين عملية الإنتاج.

ويطالب هؤلاء خصوصا بإعطاء الأولوية لتوظيف آلاف الشباب في الشركات العامة والخاصة في قابس وكذلك باستثمارات وباتخاذ إجراءات لمكافحة التلوث.

وتعاني المدينة تلوثا حادا بسبب تحويل مادة الفوسفات المستخرجة غربا، والتي تسبب تلوثا بسبب عدم تنفيذ مشروع يقضي بنقل وحدات إنتاج معمل تابع للمؤسسة العامة "المجمع الكيميائي التونسي".
وأدت الاحتجاجات الى تعطل إنتاج الغاز ومنع مرور شاحنات نقل قوارير الغاز المنزلية مع اقتراب فصل الشتاء ما تسبب في أزمة غاز في الجنوب.
وأمام الأزمة التي تعيشها البلاد حذرت عدة أطراف سياسية من تحول البلاد الى دولة فاشلة وغير قادرة على مواجهة الاضطرابات.
ودعا رئيس البرلمان راشد الغنوشي في تصريح للقناة الوطنية الاولى الثلاثاء، إلى عقد حوار وطني شامل للتوافق على جميع القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأولويات الوطنية.

وشملت الاحتجاجات محافظة قابس بإغلاق محتجي تنسيقية "الصمود 2" مدخل المجمع الكيميائي التونسي (شركة حكومية)، ما أدى إلى تعطيل توفير الغاز السائل المنزلي بعديد المناطق.

ويطالب محتجو تنسيقية "الصمود 2"، بتفعيل قرارات حكومية سابقة تخص المحافظة وسكانها، تتعلق بتوفير وظائف وتحسين الأوضاع التنموية والاجتماعية.

وتأتي هذه التحركات بعدما نجح سكان تطاوين (جنوب)، بعد أشهر من تجميد الإنتاج النفطي في هذه المنطقة الصحراوية بالحصول على اتفاق مطلع نوفمبر/تشرين الثاني من الحكومة، يضمن لهم الحصول على وظائف وتمويلات لمشاريع.

وتواجه تونس التي فاقمت تداعيات وباء كوفيد-19 وضعها الاقتصادي، تراجعا تاريخيا لإجمالي الناتج المحلي (بنسبة 7 بالمئة) ويتوقع أن تسجل عجزا قياسيا في الميزانية لعام 2020.

وأما في محافظة توزر (جنوب غرب) فنفذ عاطلون عن العمل وقفة احتجاجية، مطالبين بحق الجهة في التنمية ودراسة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية بها.

كما اقتحم معتصمو "الدولاب" بمحافظة القصرين (وسط غرب) مقر شركة بترولية ليغلقوا مضختها، معلنين تواصل احتجاجاتهم إلى حين تحصيل جهتهم نصيبها من التنمية والوظائف من جهة الحكومة.

وفي التقرير الشهري لمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مستقل)، أشار إلى ارتفاع الاحتجاجات الاجتماعية بتونس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بنسبة 16 بالمئة، حيث تم تسجيل 870 تحركا احتجاجيا.

ولفت التقرير إلى أن أكثر من 120 من الاحتجاجات المسجلة الشهر الماضي، لم تكن عشوائية بل موجهة ومطالبة بالتنمية والتشغيل، وهو ما اعتبره تقرير المنتدى زيادة في التنبيه إلى حدة المخاوف في مستوى قدرة الحكومة على تطويق الاحتقان.

وطالب الغنوشي بحزام سياسي اوسع لدعم الحكومة في مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة الرافضة للتدهور الاقتصادي داعيا الى مصالحة سياسية شاملة تنهي ملفات الماضي.
والغنوشي ليس اول من دعا الى حوار وطني حيث دعت احزاب معارضة كالتيار الديمقراطي وحركة الشعب الى حوار وطني تشارك فيه المنظمات الوطنية والاحزاب برعاية رئيس الجمهورية قيس سعيد تتناول في الاساس المشاكل الاقتصادية.
ويعتبر فصل الشتاء فصل الاحتجاجات بدون منازع في تونس حيث اندلعت فيه اغلب التحركات والاحتجاجات الشعبية في تاريخ البلاد الحديث ومنها ثورة 2011.