موسكو تلاعبت ببيانات قتلاها في سوريا أثناء حملة بوتين الانتخابية

شهادات وبيانات رسمية تظهر تعمد الجهات الروسية الرسمية تأخير الإعلان عن تواريخ قتلى من المتعاقدين الروس وتغييرها لضمان عدم إرباك حملة الرئيس الروسي في انتخابات الرئاسة 2018.

روسيا تتكتم عادة على خسائرها في جبهات القتال بسوريا  
إخفاء الأدلة على خسائر روسيا بعد معركة دامية في سوريا
أقارب يقولون إن جثث المقاتلين الروس عادت إلى الديار متأخرة
التأخير في كشف سقوط قتلى استهدف إبلاغ الأسر بعد انتخاب بوتين لفترة جديدة

يلينوفسكوي (روسيا) - كشفت وثائق رسمية وشهادات مرتزقة، تلاعب الجهات الروسية ببيانات قتلى من المتعاقدين مع الجيش الروسي للقتال في سوريا دعما لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وأظهرت تلك الوثائق أن موسكو تلاعبت بتواريخ من سقطوا قتلى وأعيد للدفن في الأراضي الروسية وذلك في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في مارس/اذار 2018 والتي فاز فيها فلاديمير بوتين.

والهدف من التلاعب بتلك البيانات هو تجنب تأثيرها على حظوظ الرئيس الروسي وارباك حملته الانتخابية.

وبحسب مصادر متطابقة فإن روسيا تكتمت على عدد القتلى الروس في جبهات القتال بسوريا خاصة معركة ديرالزور التي تكبدت فيها القوات الروسية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.  

وكان آخر اتصال أجراه جريجوري جانتشيروف وزوجته مع ابنهما سيرغي، الذي كان متعاقدا خاصا مع الجيش الروسي للقتال في سوريا، في الرابع من فبراير/شباط من العام الماضي.

لكن الأب علم بعد ذلك من صديق وزميل لسيرغي أن ابنه البالغ من العمر 25 عاما قُتل بعد بضعة أيام من هذا الاتصال في معركة كبيرة ضد قوات تقودها الولايات المتحدة في محافظة ديرالزور.

لكنه لم يتلق إخطارا رسميا بمقتل ابنه إلا في أبريل/نيسان في 2018 وتسلم جثته مع شهادة وفاة تشير إلى أنه توفي في السابع من مارس/آذار على الجانب الآخر من سوريا.

موسكو تفرض تعتيما كاملا على عدد قتلاها في سوريا
موسكو تفرض تعتيما كاملا على عدد قتلاها في سوريا

وما رواه جانتشيروف واحد من ست أمثلة رصدتها رويترز أعادت فيها منظمة عسكرية خاصة على صلة بالكرملين وتجند المقاتلين الجثث بعد أكثر من سبعة أسابيع من المعركة وبوثائق رسمية تحوي تفاصيل يقول أشخاص يعرفون هؤلاء المقاتلين إنها غير صحيحة.

ويقول أقارب للقتلى وشاهد من ساحة القتال إن المقاتلين جميعهم لقوا حتفهم في اشتباك في ديرالزور وقع ليلة السابع من فبراير/شباط.

وساعدت مثل هذه الممارسات في إخفاء خسائر فادحة تعرضت لها روسيا في سوريا لما بعد فوز الرئيس فلاديمير بوتين بفترة ولاية أخرى في انتخابات جرت في منتصف مارس/آذار.

وكانت الرسالة التي توجهها روسيا في ذلك الوقت هي أن الحملة العسكرية في سوريا تمثل قصة نجاح لا يشوبها سوى خسائر طفيفة في الأرواح.

وتشير تلك التفاصيل التي تتكشف بعد نحو عام من معركة ديرالزور إلى أن موسكو قد تواجه صعوبات في التحكم في الرسالة التي توجهها عن الخسائر في الخارج بينما توسع أنشطتها العسكرية في الشرق الأوسط وأفريقيا.

وتقول مصادر إن نحو مئة مقاتل من المتعاقدين مع الجيش الروسي قتلوا في معركة ديرالزور، لكن وزارة الخارجية الروسية قالت إن عددا قليلا للغاية من المواطنين الروس قتل هناك رافضة تقارير عن تكبد خسائر فادحة.

وأبلغ صديق سيرغي جانتشيروف أباه أن ابنه كان يقف إلى جواره قبيل قصف موقعهما.

وقال الصديق، الذي أصيب في المعركة، للأب إنه علم بوفاة سيرغي في طائرة إجلاء طبي وهو في طريقه عائدا إلى روسيا.

ويعتزم جريجوري جانتشيروف وضع شاهد قبر جديد يحمل تاريخ معركة ديرالزور محل الصليب الخشبي الذي يحمل التاريخ المسجل في شهادة وفاة ابنه.

وكانت هذه هي أول مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. وهي أيضا المعركة الوحيدة المعروفة في سوريا في أوائل العام الماضي التي شارك فيها متعاقدون عسكريون روس.

لكن في كل من الأمثلة الستة التي أعيدت فيها جثث المقاتلين لذويهم بعد الانتخابات، كانت شهادات الوفاة التي أصدرها مسؤولون روس تنص على أنهم قتلوا في أواخر فبراير/شباط أو في مارس/آذار.

وقال أقارب لهؤلاء المقاتلين إن من جندوهم وهم أيضا من أبلغوا أسرهم بوفاتهم، طلبوا منهم عدم الكشف عن الملابسات.

ورفض الكرملين التعليق على وفاة سيرغي جانتشيروف أو أي من المقاتلين الآخرين. وقال ديميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إنه من الخطأ افتراض أن السلطات أجلت إصدار شهادات وفاة الروس الذين قتلوا في سوريا بسبب الانتخابات.

ورد بيسكوف على سؤال عما إذا كانت شهادات الوفاة التي أصدرها مسؤولون روس تحتوي على معلومات خاطئة قائلا إن هذا السؤال لا يتعين أن يوجه للكرملين، مضيفا أنه ليس على علم بما إذا كان تسليم الجثث قد تأخر.

وكانت روسيا تستخدم سرا متعاقدين مع الجيش من القطاع الخاص في سوريا في تنفيذ مهام لدعم الرئيس السوري بشار الأسد حليف موسكو بالتنسيق مع الجيش الروسي.

روسيا تكبدت خسائر كبيرة في معركة بديرالزور
روسيا دعمت النظام السوري جوا وبحرا لكن معظم مقاتليها على الأرض من المرتزقة

وتستخدم المؤسسة التي جندت المقاتلين والمعروفة باسم مجموعة واجنر، البنية الأساسية للنقل والمستشفيات الخاصة بوزارة الدفاع. وتنفي روسيا استخدام متعاقدين عسكريين في سوريا وتقول إن أي مواطن روسي هناك هو متطوع.

ولم يؤكد بيسكوف ما إذا كانت مجموعة واجنر تعمل في سوريا أو تنفذ مهمات نيابة عن الحكومة الروسية.

وتقدم مقاتلون روس يوم السابع من فبراير/شباط من العام الماضي باتجاه مصفاة نفط في محافظة ديرالزور التي تسيطر عليها قوات كردية والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي رد بضربات جوية مكثفة.

وتعرف متعاقد عسكري، قال إنه نجا من الهجوم بالاختباء، من بين العديد من القتلى على اثنين من المقاتلين الستة الذين أعيدت جثثهم لأسرهم بعد الانتخابات بوثائق رسمية تحمل تواريخ وفاة لاحقة على يوم مقتلهم.

وأبلغه زملاؤه بأن التأخير نتج عن العدد الكبير للوفيات ولأن الصحفيين كانوا يرصدون مطارا في روستوف-أون-دون في جنوب روسيا كان مركزا رئيسيا للشركة العسكرية الخاصة.

وقال المقاتل "كان من الصعب نقلهم جميعا على الفور لأن الصحفيين كانوا ينتظرونهم في روستوف. كانوا يستقبلون الطائرات. هكذا أُبلغنا".

وقال إنه لا يريد الكشف عن هويته لأن من جندوه لا يسمحون له بالكشف عن معلومات تتعلق بمهمته في سوريا.

ويقول المقاتل إن أنطون فازوف من بلدة نوفوشاختينسك في جنوب روسيا الذي تقول السجلات الرسمية إنه قتل يوم 21 مارس/آذار 2018 كان من بين الزملاء القتلى الذين شاهدهم يوم المعركة.

وقال إنه شاهد فازوف في أحد أكياس الجثث يوم الثامن من فبراير/شباط من العام ذاته لدى عودته إلى أرض المعركة بعد الضربات الجوية لانتشال الجثث.

وأضاف "تعرفنا عليه بعدما قلبناه على ظهره ونفضنا عنه التراب"، مشيرا إلى أنه نقل فازوف على ظهر شاحنة مع أكثر من 20 جثة أخرى بعيدا عن ساحة القتال.

في منطقة كيروف على مسافة 800 كيلومتر شمال شرقي موسكو دُفن ثلاثة مقاتلين قال أشخاص يعرفونهم إن جثثهم أعيدت لأسرهم في أوائل أبريل/نيسان 2018.

وقال المقاتل الذي نجا من المعركة إن أحدهم وهو ألكسندر لوسينكوف كان بين من انتشلت جثثهم من ساحة القتال في ديرالزور.

وذكر أحد أقارب لوسينكوف اطلع على شهادة الوفاة إن الشهادة تفيد بأنه توفي يوم الأول من مارس/آذار.

وقال فيكتور دومين شقيق زوجة لوسينكوف السابقة إن المقاتل أبلغه بظروف الوفاة، مضيفا في المقبرة التي دفن فيها لوسنيكوف "فور انتخاب الرئيس تكشف الأمر".

ولم يتصل أي من المتعاقدين العسكريين الآخرين وهما ألكسي كالابوخوف وكونستانتين دانيلوجورسكي بأسرهم منذ المعركة وفقا لصديق لهما من أيام الطفولة.

وقال الصديق إن زوجتيهما حاولتا الاتصال بهما بعد أن علمتا بوقوع المعركة لكنهما لم تتمكنا من ذلك.

وذكر شخص مطلع أنه كُتب على شاهدي القبرين أنهما توفيا يوم 27 فبراير/شباط وهو التاريخ المذكور في شهادتي الوفاة.

وقال شقيق مقاتل آخر من بلدة في غرب روسيا، إنه علم بوفاة شقيقه في ديرالزور في منتصف شهر فبراير/شباط من أحد المعارف الذي كان على اتصال بالمتعاقدين العسكريين في سوريا رغم أن شهادة الوفاة تفيد بأنه توفي بعد ذلك بأسابيع. وطلب عدم ذكر اسميهما خوفا من الانتقام.

ويتعارض التأخير في تسليم الجثث وتسجيل معلومات خاطئة مثلما أشار إليه أصدقاء وأقارب المقاتلين في الربيع الماضي مع السياق المعتاد الذي رصدته رويترز على مدى عامين.

وعادة ما يعيد المسؤولون عن التجنيد الجثث للأسر خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع من تاريخ الوفاة مع شهادة وفاة تحمل تاريخ الوفاة الذي يتطابق غالبا مع ما يرويه مقاتلون آخرون.

والقنصلية الروسية في سوريا هي المسؤولة عن تسجيل وفيات المدنيين الروس الذين يلقون حتفهم في البلاد. وكل شهادة وفاة تحمل رقما مسلسلا يبدأ من واحد يليه عام الوفاة.

وأظهرت وثائق أن المسؤولين الروس في القنصلية أصدروا أكثر من 60 شهادة وفاة في أوائل العام الماضي حتى الثامن من أبريل/نيسان منها 33 شهادة تحمل تواريخ بين 22 مارس/آذار والثامن من أبريل/نيسان. وجرت الانتخابات يوم 18 مارس آذار 2018.