ميليشيات إيران تحول البوكمال السورية ساحة حرب مع إسرائيل

غارات ليلية استهدفت مقاتلين عراقيين يعملون ضمن ميليشيات تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني في مدينة البوكمال السورية للمرة الثانية هذا الشهر.

البوكمال (سوريا) - شنت طائرات حربية "مجهولة" هجوما عنيفا ليل الاثنين الثلاثاء، على مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني في منطقة البوكمال في شرق سوريا الحدودية مع العراق أدت إلى مقتل 10 مقاتلين عراقيين.

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إن "الغارات استهدفت ثلاثة مواقع للحرس الثوري الإيراني ومجموعات موالية لها" في ريف دير الزور الشرقي، من دون أن يتمكن من تحديد الجهة التي نفّذت الغارات.

وتنتشر قوات إيرانية وأخرى عراقية، داعمة لقوات النظام السوري، في منطقة واسعة في ريف دير الزور الشرقي خصوصاً بين مدينتي البوكمال الحدودية والميادين.

وقال شهود عيان في المنطقة إن "دوي انفجارات عنيفة سمع في منطقة البوكمال فجر اليوم الثلاثاء"، فيما أشارت وسائل إعلام عراقية إلى أن القوات الأمنية العراقية اتخذت إجراءات مشددة على طول الشريط الحدودي مع سوريا تحسبًا من أي طارئ.

وأوضحت مصادر عراقية أن "الشريط الحدودي بين العراق وسوريا يشهد انتشارا لكتائب حزب الله وحركة النجباء وفصيلي فاطميون وزينبيون".

وتأتي هذه الضربات بعد نحو عشرة أيام من غارات مماثلة لم تتضح هوية الطائرات التي نفذتها وتسببت بمقتل 18 مقاتلاً، بينهم إيرانيون، في المنطقة ذاتها، لكن وسائل إعلام إسرائيلية رجحت مسؤولية إسرائيل في تنفيذها.

وحدث ذلك على وقع توتر متصاعد بين إيران وحزب الله اللبناني من جهة وإسرائيل من جهة ثانية. وقد اتهمت الأخيرة حينها قوات تابعة لإيران بإطلاق صواريخ نحوها من منطقة قرب دمشق.

ونقل "الإعلام الحربي" التابع لحزب الله اللبناني في حينه عن "مصدر أمني في سوريا" اتّهامه إسرائيل بشنّ تلك الضربة الجوية، فيما لم يصدر أي تعليق رسمي من دمشق.

وعززت الميليشيات الإيرانية خلال الأشهر الأخيرة وجودها على الحدود العراقية السورية، وبشكل خاص في مدينة البوكمال، حيث تنتشر ميليشيات حزب الله اللبناني وميليشيات الحشد الشعبي وعدة ميليشيات عراقية أخرى مثل ميليشيا لواء فاطميون وحيدريون التي تعمل جميعها تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني.

وتشكل هذه الميليشيات الموالية لإيران القوة العسكرية الرئيسية في المنطقة الممتدة من الحدود السورية العراقية إلى عمق ريف دير الزور، وقد ضمنت تمركز مواقعها في سوريا بعد أن شاركت في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية إلى جانب قوات الأسد، ثم  أنشأت مؤخرا مستودعات ذخيرة وأسلحة خاصة بالمجموعات المقاتلة بـ"مجمع الإمام علي" في المنطقة وهو ما أصبحت تراه إسرائيل تهديدا مباشرا لأمنها.

ومحافظة دير الزور مقسمة بين أطراف عدة، إذ تسيطر قوات النظام ومقاتلون إيرانيون على المنطقة الواقعة غرب نهر الفرات الذي يقسم المحافظة إلى جزئين، فيما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية، وهي فصائل كردية وعربية مدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، على المناطق الواقعة عند ضفافه الشرقية.

وجرى استهداف مقاتلين موالين للنظام في المنطقة مرات عدة، إذ قتل 55 منهم، من سوريين وعراقيين، في حزيران/يونيو 2018 في ضربات قال مسؤول أميركي إن إسرائيل تقف خلفها، إلا أن الأخيرة رفضت التعليق.

كما استهدفت طائرات التحالف الدولي مرات عدة مواقع لقوات النظام في المنطقة.

يشار إلى أن منطقة البوكمال شهدت في الأشهر الأخيرة عمليات اغتيال مكثفة ضد عناصر الميليشيات الإيرانية، والمسؤولين الأمنيين في الحرس الثوري في المدينة واتهمت دمشق إسرائيل بتنفيذها.سو

كما لمحت إسرائيل إلى إنها قد تكون وراء الضربات الجوية المتكررة التي استهدفت مخازن سلاح الحشد الشعبي في العراق في الأسابيع القليلة الماضية.

وترى إسرائيل في المشروع الإيراني في سوريا خطر قريب يحدق بها، وبحسب المركز الدنماركي للدراسات الدولية فإن "تقارير استخباراتية أميركية وإسرائيلية كشفت سابقا عن قواعد عسكرية في البوكمال تضم نحو 8 آلاف مقاتل شيعي مدعومين من إيران، يقاتلون إلى جانب قوات بشار الأسد، وهو ما سمح لإيران بالسيطرة على جانبي الحدود السورية والعراقية".

وتستغل إيران دخول إسرائيل على خط المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة لتعقيد التسوية في سوريا كما هو الحال بالنسبة للحكومة العراقية التي تجد صعوبة في السيطرة على الأوضاع السياسية بعد تغلغل الأحزاب الموالية لإيران في قلب السلطة وهو ما يفسر التفاعل الشعبي الأخير للعراقيين من قضية "التفجيرات الغامضة" التي استهدفت مقرات الحشد الشعبي في بلادهم.

ويحذر مراقبون من تغيير إيران لما كان يعرف بـ"العمق الاستراتيجي" الذي طالما شكله العراق بالنسبة للدول العربية وخاصة على الحدود الأردنية السورية في المواجهة بين العرب وإسرائيل وعملية السلام بينهما، إلى ممر إيراني يهدد أمن منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

ويعيد المشروع الإيراني في الشرق الأوسط إلى الأذهان تصريحات العاهل الأردني عبد الله الثاني في أواخر العام 2004 لصحيفة الغارديان" البريطانية، حين حذر من سعي النظام الإيراني لإنشاء منطقة نفوذ، سماها "الهلال الشيعي" يمتد من طهران مروراً ببغداد ودمشق، وصولاً إلى بيروت، بعد ظهور مؤشرات مؤكدة تدل على أن الحكومة العراقية التي كانت على وشك استلام السلطة في بغداد ستكون بيد تيارات سياسية إسلامية شيعية موالية لنظام الولي الفقيه في طهران.

وينسب مراقبون الضربات "المجهولة" في البوكمال إلى إسرائيل بمساعدة أميركية تهدف إلى إنهاء حلم إيران بإنشاء ممر نحو البحر الأبيض المتوسط لإتمام مشروع "الهلال الشيعي".

ومدينة البوكمال هي الممر البري الذي يمر عبر سوريا وبيروت وصولاً إلى المتوسط، وقد أصبحت تعرف بمصطلح "الهلال الشيعي" نظرا لكونها تمثل نقطة جذب كبيرة في السياسية الاستراتيجية للنظام الإيراني لبسط نفوذه في المنطقة.

وتأتي الضربات "المجهولة" والتي يرجح مراقبون أن تكون أيضا إسرائيل ورائها، بعد ساعات من قمة ثلاثية جمعت رؤساء إيران وروسيا وتركيا في أنقرة لبحث الوضع في سوريا.

وندد الرئيس الإيراني حسن روحاني أمس الاثنين خلال القمة، بالهجمات الإسرائيلية في سوريا وطالب القوات الأميركية بالانسحاب من البلاد قائلا إن الوجود الأميركي "غير الشرعي" شرق سوريا.

وكان المخطط الإيراني في سوريا يعتمد سابقا على مدينتي الموصل وحلب كطريق للوصول إلى المتوسط، لكن طهران غيرت ذلك المسار نظرا للتواجد العسكري الأميركي المتنامي شمال شرقي سوريا.