ميليشيات عراقية منفلتة تستهدف محلات المشروبات الكحولية للأقليات

مشاعر الخوف والقلق تخيم على أصحاب محلات المشروبات الكحولية في بغداد بعد سلسلة هجمات جديدة تعرضوا لها في الآونة الاخيرة من قبل جماعات متطرفة تتبنى خطابا دينيا متشددا حيث تستهدف هذه المحال تحت عنوان 'النهي عن المنكر'.
بعض التجار المسلمين دخلوا على خط المنافسة وهو ما يفسر تصاعد الهجمات ضد محلات الاقليات
أصحاب المصالح يتعرضون الى ابتزاز من جماعات مسلحة مقابل الحماية
أجهزة امنية متورطة في عمليات الابتزاز من خلال التغاضي على هجمات الميليشيات

بغداد - يشعر أصحاب محلات المشروبات الكحولية في بغداد بالخوف والقلق بعد سلسلة هجمات جديدة تعرضوا لها في الآونة الاخيرة من قبل جماعات متطرفة تتبنى خطابا دينيا متشددا.تستهدف هذه المحال تحت عنوان "النهي عن المنكر". لكن قد تكون هناك أسباب أخرى للهجمات.
فقد أشار تجار إلى المنافسة والابتزاز بينما عبّر آخرون عن مخاوف من أن يكون الغرض الرئيسي تغيير واقع بغداد الليبرالي تاريخيا وكذلك استهداف الوجود المسيحي في مدينة لطالما عٌرفت بانفتاحها واختلاطها.
ففي غضون الشهرين الماضيين، استهدفت جماعات مجهولة حوالى 14 محلا تجاريا لبيع المشروبات الكحولية بينها ثلاثة تفجيرات مساء الاثنين.
وتبنت جماعات شيعية تعرّف عن نفسها بأنها "اهل المعروف وأصحاب القرى وأهل الكهف وربع الله" هذه الهجمات التي باتت تنشر تفاصيلها على مواقع التواصل الاجتماعي وتتباهى بها مؤكدة أنها تقوم بتطبيق "الشريعة" الاسلامية.
وتعيد هذه الهجمات تذكير سكان المدينة بالتفجيرات التي كانت تشهدها بغداد يوميا ولسنوات قبل "الانتصار" على تنظيم الدولة الاسلامية السني المتطرف في أواخر 2017.
وقال أحد رجال الاعمال مفضّلا عدم الكشف عن هويته إنّ تجار المشروبات الكحولية يتعرضون إلى "حرب ابتزاز من نوع خاص" لوقف بيع تلك المشروبات. وأضاف "تعرضنا إلى شتى أعمال التهريب والقتل والاختطاف واستهداف الشاحنات خلال السنوات الماضية، لكننا لا نزال نقاوم للحفاظ على وجه بغداد الليبرالي".

لا نزال نقاوم للحفاظ على وجه بغداد الليبرالي

ابتزاز ومنافسة    
لا تصدر الحكومة العراقية تعليقا على هذه الهجمات وتلتزم الصمت في أغلب الاحيان. لكن بعد تصاعد الموجة الاخيرة وظهور جماعات باتت تصدر تهديدات بشكل علني، نشرت قوات من الجيش والشرطة في محيط هذه المحال لحمايتها، إضافة الى غلق الملاهي الليلة لابعادها عن أية أعمال من هذه المجاميع.
وتعود اغلب هذه المحال إلى الاقليات المسيحية والايزيدية التي باتت أعدادها تنخفض بشكل ملفت نتيجة الهجرة خلال السنوات ال17 الماضية منذ الغزو الأميركي وسقوط نظام صدام حسين وبدء تصاعد سطوة الاحزاب الدينية والمتشدّدة.
من جهة اخرى، اعلنت وكالة الاستخبارات عملية امنية لإغلاق القاعات و النوادي الليلية والمحلات الخاصة ببيع المشروبات الكحولية غير المجازة أسفرت عن إغلاق 91 من هذه الاماكن في مناطق متفرقة من بغداد.
وتمنع السلطات المحلية تجارة الخمور في مناطق جنوب العراق وتصادر المشروبات الكحولية عند نقاط التفتيش ما سمح بتزايد استهلاك المخدرات، بحسب مصادر مسؤولة محلية في عدد من هذه المناطق.
وذكر أصحاب محال ايزيديون ومسيحيون أن بعض التجار المسلمين دخلوا على خط المنافسة في هذا العمل المصرح به رسميا فقط لتلك الاقليتين بشكل قانوني، لكن محالهم لم تستهدف في الآونة الاخيرة ما يوحي بان المنافسة قد تكون أحد أسباب الهجمات.
ويقول الكثير من أصحاب المصالح إنهم يتعرضون الى ابتزاز من جماعات مسلحة مقابل الحماية في المدينة التي تتنافس فيها الجماعات المسلحة بينما لا تزال تبحث عن هوية موحدة منذ الغزو.
ويشير مسؤول مقرّب من هذه الجماعات إلى أنّ تعدد المليشيات وتفرّعاتها "هو السبب وراء" الهجمات وعمليات الابتزاز.
من جهته، أوضح قيادي رفيع المستوى في أحد الفصائل المسلحة أن قيادات هذه الجماعات "لا تتدخل في هذه الاعمال اطلاقا، انما شخصيات صغيرة تدعي الانتساب لبعض الفصائل تتصرف بشكل فردي".
واتهم هذا القيادي بعض الضباط في القوات الامنية بالوقوف وراء الابتزاز والاموال والحماية لهذه المصالح مقابل إرغامها على الدفع بشكل شهري مبالغ تصل الى آلاف الدولارات.

الاقليات الدينية والعرقية تعاني في العراق بسبب تجارة ليست بالجديدة عليهم لكنها مرفوضة من المتشددين
الاقليات الدينية والعرقية تعاني في العراق بسبب تجارة ليست بالجديدة عليهم لكنها مرفوضة من المتشددين

تهجير ما تبقى
ويرى اندريه وهو صاحب مخزن لبيع الحكول وسط بغداد، أن المستهدف الفعلي هو الاقليات في بغداد حيث تنتشر في العديد من الأحياء التاريخية الكنائس إلى جانب المساجد.
وتعرّض مخزنه الى تفجير أسفر عن خسارة مئات آلاف من الدولارات بواسطة شخصين يستقلان دراجة نارية.
وقال وهو يتابع من على شاشة تسجيلا مصورا لمشهد تفجير مخزنه "هذه الجماعات تنوي تهجير ما تبقى من المسحيين في البلد. انهم يستهدفوننا".
ووجه اللوم إلى القوات الأمنية، قائلا إنّ الدورية التي كانت تقوم بالحراسة انسحبت قبل الهجوم بساعات "في حركة غريبة". كما أنّ الدراجة النارية وصلت الى المنطقة رغم حظر حركة الدراجات فيها.
وتابع "السلطات تتغاضى عن المنفذين. هم معروفون باسم اهل القرى يونشرون نشاطاتهم على الفيسبوك، فلماذا لا تقوم الحكومة بالقبض عليهم؟. لقد زوّدناهم حتى برقم السيارة التي قامت بتصوير التفجير وأعطيناه إلى السلطات لكنها لم تتخذ أي إجراء".
وغالبا ما تتجنب سلطات بغداد الأمنية المنهكة بعد سنوات من التفجيرات والصراعات المذهبية، الاحتكاك مع مسلحي الجماعات الشيعية المتشددة المدججين بالأسلحة. وليس أصحاب محلات بيع المشروبات الكحولية وحدهم من يخشى التفجيرات.