ناجي نعمان مفكر يروِّج الثّقافة بالمجّان عبر العالم

إبراهيم مشارة يحاور الكاتب والشاعر والناشط اللبناني المرموق صاحب الاسهامات الوازنة في تحريك الحياة الثقافية في بلده.

ناجي نعمان كاتب وشاعر ومثقف وناشط ثقافي لبناني مرموق له العديد من المؤلفات والترجمات، كما أسهم في تحريك الحياة الثقافية في لبنان عبر صالونه الأدبي ومجلس الاثنين الذي يناقش فيه قضايا الفكر والأدب والثقافة ويدعو إليه نخبة من مثقفي لبنان والفاعلين الثقافيين فيه وكذا الشعراء والفنانين، كما أن جائزة  ناجي نعمان الأدبية نالت سمعة دولية طيبة وهي تحتفي بالأدب الجيد في الشرق والغرب وبالرغم من ظروف لبنان ومبوءات العصر كما أسماها إلا أنه مازال يواصل عطاءه وتألقه، وقد كان لنا معه هذا الحوار:

لنبدأ بهذا السؤال التمهيدي من هو ناجي نعمان؟

ناجي نَعمان إِنْسانَوِيٌّ شاعر وكاتِبٌ ومُفكِّرٌ ومُرَوِّجُ ثقافةٍ رؤيويّ لبناني. عمِلَ منذ الصِّغَر، في الصِّحافة والتَّعليم. خاضَ ميدانَي التَّأليف والتَّرجمة، وأطلقَ أنشِطَةً ثقافيَّةً مجَّانيَّة. لُقِّبَ بِمَجنون الثَّقافة بالمَجَّان، إذ حاولَ ويُحاولُ عَولَمَةَ الثَّقافة المَجَّانيَّة، وقَدَّمَ ويُقَدِّمُ عملَه ومالَه في هذا السَّبيل، إلى حَدَّي الإرهاق والاستِدانة.

يقول جبرا إبراهيم جبرا إن الطفولة بئر أولى ومعنى ذلك أن الإرهاصات الأولى للكاتب تتجلى في تلك الفترة فكيف كانت طفولة ناجي نعمان الأدبية؟

حرَّرتَ، في التَّاسعة من العمر، ونظَّمَت، وأصدرَت من صنع يدي "مجلَّة الطُّلاَّب"؛ وكنت قد نضَّدَت فيها نصوصًا بالعربيَّة بأحرفٍ لاتينيَّةٍ على الآلة الطَّابِعَة الوحيدة المُتَوفِّرة لدي، فكأنَّني اكتَشَفَت صدفةً ما سيَضَعَه لاحقًا الشَّاعر سعيد عقل أساسًا لأحرف لُغته اللُبنانيَّة المَحكِيَّة، أو ما يستخدمُه أبناءُ اليومِ في مُكاتباتهم بوسائل الاتِّصال العصريَّة. وظهرت المجلَّة، وكانت من أربع صفحات، في نسخةٍ واحدةٍ، وفي عددٍ يتيم.

ثمَّ رحت أحرِّرُ، بالمجَّان، ومنذ الرَّابعةَ عشرةَ من العُمر، في الصُّحف والمجلاَّت اللُبنانيَّة، قبل أن أغدوَ صِحافيًّا حرًّا في مجلَّة "الجمهور الجديد" البيروتيَّة، وأنالَ، عن عملي فيها، مئةَ ليرةٍ لبنانيَّة، مثَّلَت أوَّلَ ما سيدخلُ جيبَي من أتعاب في مجال الصِّحافة، وآخرَ ما سيدخُل.

وقد أنشأت في ما بعد الدَّوريَّات المُتخصِّصَة الآتية: "سياسة واستراتيجيا"؛ "ذي أرَب وُرْلد" (بالإنكليزيَّة)؛ "الصِّحافة والإعلام"، وتسلَّمَت رئاسةَ تحرير "البولُسيَّة". ولي مئاتُ المقالات في صحفٍ ودوريَّاتٍ مختلِفة في لبنان والخارج.

- لاشك أن هذه البواكير التي جعلتك  تقتحم عالم الكتابة والصحافة وأنت صغير  قد أفضت بك إلى هذا الزخم الفكري والصحفي فهلا قدمت لنا مسردا وجيزا لأعمالك

لي نحوَ تسعين من الأعمال المَنشورَة، منها مُنتخباتٌ أدبيَّةٌ مَنقولَةٌ إلى إحدى وخمسين لغةً ولهجةً نُشِرَت، بخاصَّةٍ، في مجلَّد "النَّاجيَّات" (2009)، فيما نقلَت بدوري إلى العربيَّة نحو دزِّينةِ كُتُب، وهو مُتَرجِمٌ قانونيٌّ مُحَلَّف منذ العام 1991. أصدرتَ "سياسة واستراتيجيا" (دراسات في العالم العربيّ،  بالعربيَّة، 1981)، و"ذي أَرَب وُرْلْد" (دراسات أخرى، بالإنكليزيَّة، 1985)، ولي بَحثان جامعيَّان بالفرنسيَّة إلى مجموعةِ أعمالٍ بيوغرافيَّةٍ بالإنكليزيَّة.

في رصيدي أيضًا اهتِمامٌ خاصٌّ باللُغة العربيَّة، وقد استنبطَت مادَّةَ تدريسٍ أطلقَت عليها اسمَ "العربيَّة الصَّحيحة" ودرَّستها، ابتداءً من العام 2004، في إحدى الثَّانويَّات، وفي أكثَر من معهدٍ جامعيٍّ ابتداءً من العام التَّالي تحت عنوان "فنون اللُغة والتَّعبير". وقد سبقَ لي أنْ أسست "مركز التَّربية التِّقنيَّة"، وهو معهدٌ تقنيّ، 1987، و"غاليري دار نعمان"، وهي صالةُ عَرضٍ فنِّيَّة، في العام عَينِه؛ كما أسَّسَت "مركز نعمان البيوغرافيّ" في العام 1997.

كما أنني مؤسِّسُ "الحركة الإنسانيَّة"، منذ 1971، و"وَحدة الإنسان العالميَّة"، منذ 1976. عضو نقابة النَّاشرين في لبنان (1979)، وعضوٌ مؤسِّسٌ في جمعيَّة "الينبوع" الخيريَّة (1991)، وعضو المجمَع الثَّقافيِّ العربيّ (2015).

نعود إلى الشعر يقول محمد زفزاف الروائي المغربي وشاعر الرواية المغربية إن كل واحد منا فيه صوت الشعر هناك فقط من يستجيب له فيغدو شاعرا وهناك من لا يستجيب، كيف استجبت لصوت الشعر فيك؟

لقد نلت جائزةَ الشِّعر العالميَّة الكبرى من رومانيا (2002)، وكنتَ أوَّلَ لبنانيٍّ وعربيٍّ ينالُها، مع أنَّني لا أدَّعي كتابةَ الشِّعر، ومَقولَتُي الشَّهيرةُ تقولُ: "الكلُّ يَشعُر، وما مِن شاعِرٍ، بل مُحاوِل". رُشِّحَت لأكثر من جائزة، منها الـ "بْرِمِي إنتِرنَسْيونَل كاتالُنْيا" (منذ 2004). ونلت وسامَ المنظَّمة العالميَّة لحوار الأديان والحضارات (2014)، وكنت قدِ اعتذرَت عن قَبول ميداليَّة الحرِّيَّة العالميَّة (الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، 2006) اعتِراضًا على ما كان يَجري في لبنانَ وفِلِسطينَ والعراق في ذلك الزَّمن.

كما كُرِّمَت في الثَّلاثين من أيلول 2015 في مكتبة يرِيفان المركزيَّة بأرمينيا، كما قلَّدتني وزيرةُ المُغتربين الأرمنيَّة، في الخامس من تشرين الأوَّل من العام عَينه، وسامَ الاستِحقاق والعرفان بالجَميل الَّذي منحَني إيَّاه الرَّئيسُ سِرْج سَرْكِسيان في الخامس من أيلول من العام المذكور. وفي إطار جولةٍ ثقافيَّةٍ لي في رومانيا، رأَسَت المِهرجان الدَّوليَّ الأوَّلَ للشِّعر الحِكَميِّ الجاري هناك (تشرين الأوَّل 2017)، وكُرِّمَت في دار بلديَّة تِكُتْش، وعُيِّنَت سفيرًا للثَّقافة. ومُنحَت في الثَّامن من حزيران 2019 وسامَ أورورا (أرشالوس) مارديغانيان الذَّهبيّ في مُتحف الإبادة الأرمنيَّة ومعهدها بيِرِيفان، فكنت أوَّلَ لبنانيٍّ وعربيٍّ ينالُ هذا الوسامَ الرَّفيع الَّذي يُمنَحَ مرَّتَين فقط كلَّ عام.

اشتغلت بالترجمة والترجمة هي عند البعض خيانة وعند بعضهم الآخر إبداع ثان حدثنا عن نشاطك في هذا الحقل الخصب الذي هو طريق إلى التثاقف والتواصل الحضاري والفكري

تسلَّمَت إدارةَ "المَنشورات العربيَّة" (فرنسا، لبنان) بين عامَي 1978 و1979، وكانَ الأبُ بول كورون اليسوعيُّ قد أسَّسَها في مطلعِ ستِّينيَّات القرن الماضي، فعَمِلتَ على تنويع موضوعاتِ سلسلةِ "ماذا أعرِف؟" الصَّادرةِ مِن ضِمنِها، وتبديلِ إخراجها لِيَتَناسبَ مع السِّلسلةِ الفرنسيَّةِ الأُمِّ، وكانَت لي، فيها، التَّرجماتُ الآتية (من الفرنسيَّة): الدُّولاراتُ الأورُبِّيَّة (1978)؛ الأزماتُ والانحساراتُ الاقتصاديَّة (1979)؛ كرةُ القدم (1980)؛ الماسونيَّة (1980)؛ الشَّرق الأدنى العربيّ (1981).

وانطلقَت في مجال التَّرجمة الأدبيَّة أيضًا، فنقلتَ إلى العربيَّة عددًا من الأدباء الأجانب، منهم الرومانيُّون: دوميترو إم. إيون، وفالريو بوتولِسكو، وفاسيلي غيكا، ونيكولاي بترِسكو-ريدي؛ والإيسلندي ثور ستيفانسون، إلى جمهرةٍ من الأدباء الأجانب الحائزينَ جوائزَه الأدبيَّة.

- حدثنا عن نشاطان الثقافية فقد كانت من الكثرة والتنوع والغنى أن لفتت انتباه الجميع في لبنان وخارجه

لي في الثَّقافة المجَّانيَّة أقوالٌ خاصَّةٌ أعمَلُ في هَديِها مِن مِثل: الثَّقافةُ، الحرَّةُ والمُنفَتِحَةُ، تصنعُ السَّلام (1969)، إنْ لَم يَفعَلِ اليَراع ُ، فعبَثًا يُحاولُ الحُسام (1993)، الثَّقافةُ لا تُشرى ولا تُباع

وقد عملت على تحقيق حُلم طُفولتي بتوزيع كُتُبي الخاصَّة بالمَجَّان. وقد أنشأَت عامَ 1991 سلسلةَ "الثَّقافة بالمَجَّان"، وأصدرَت من ضِمنها مئات الكُتُب المَجَّانيَّة في نحو نِصفِ مليون نسخة، وذلك بنَحوِ ستِّين مِن اللُغات واللَهجات، لمؤلِّفين ومؤلِّفاتٍ من أربعة أصقاع العالَم بالإضافة إلى الأنشِطَة الثَّقافيَّة المجَّانيَّة الأخرى الَّتي أطلقَتها، مِن مِثل الجوائزِ الأدبيَّة في النِّطاق العالميّ، وتلك الهادِفَةِ المُخصَّصَةِ لأهل الضَّاد، وأكشاكِ الكُتُب المجَّانيَّة للعُموم، والصالونِ الأدبيِّ الثَّقافيّ، والمكتبةِ المتخصِّصَةِ بالمَجموعات والأعمال الكاملة وقد أخذت كلَّ وقتِي وجهدي، وأضاعَت مالَي، وأوصلَتني مرارًا إلى الإفلاس فالاستِدانة.

ولمَّا انتشَرَت تلك الأنشِطَة، وتوسَّعَت، وفاقَتْ إمكاناتِي  الشَّخصيَّةَ، أَطَّرَ "مجنونُ الثَّقافة بالمَجَّان" أنشِطَتَي الثَّقافيَّةَ المَجَّانيَّةَ في "مؤسَّسة ناجي نعمان للثَّقافة بالمجَّان" الَّتي هي جمعيَّةٌ لا تَبغي الرِّبح ومنظَّمةٌ لا حكوميَّة، على أن أضمَّ إليها أنشِطَتَي المُستقبليَّة، وبحيث تؤمَّنُ للثَّقافة بالمَجَّان الاستِمراريَّةُ والتَّوسُّعُ والانتِشار، أكثرَ فأكثر، وتؤمَّنُ، بالتَّالي، خدمةُ أهل القَلَم بنَشر أعمالهم، ولا سيَّما خدمةُ القرَّاء بوَضع المَزيد من الأعمال المَنشورة بين أيديهم، إلى تَفعيلِ الأنشِطَة الثَّقافيَّة المَجَّانيَّة المُختلِفة الأخرى، وتوسُّعِها وانتشارِها، وبحيثُ تُرَسَّخُ مَقولاتُي المَذكورةُ أعلاه.  وفي أيَّام الكوفيد-19 ولِمناسبة الذَّكرى العاشرة على قِيام مؤسَّستي تلك، قدمت عشرة آلافٍ من الكُتُب الجديدة في نحو 15 عنوانًا مختلِفًا لمَن يرغبُ من الأفراد وأعضاء المنتديات المختلفة.

- جائزة ناجي نعمان  جائزة أدبية في مجال الإبداع الأدبي والفكري خاصة في الشعر لها سمعتها دوليا لو حدثتنا عن هذه الجائزة

جوائزُ ناجي نعمان الأدبيَّة (منذ 2002)، وهي جوائزُ عالميَّةٌ مَفتوحَةٌ على كلِّ اللُغات واللَهجات، وتهدفُ إلى تشجيع نشر الأعمال الأدبيَّة على نطاق ٍ واسع، انطِلاقًا من عَتقها من قيود الشَّكل والمَضمون، والارتِقاءِ بها فكرًا وأسلوبًا، وتوجيهها لما فيه خيرُ البشريَّة ورَفعُ مستوى أنسَنَتها. ويصدرُ عن هذه الجوائز كتابٌ سنويٌّ جامِعٌ بعشرات اللُغات، وتُؤهِّلُ الفائزين بها لطباعة مَخطوطاتِهم وتوزيعها بالمَجَّان.

مجلس الاثنين الأدبي  هو استمرار للتقاليد الثقافية الفكرية في العالم العربي هلا حدثتنا عن مجلسك الاثنيني

مجلسُ الاثنَين الأدبيُّ الثَّقافيّ (منذ 2013، وهو رَديفٌ لِصالون ناجي نعمان الأدبيِّ الثَّقافيِّ ومُحتَرَفِ الكِتابة الَّذي يَتبعُه)، يَجري قبلَ ظُهر يوم الاثنَين من كلَّ أسبوع، وتُناقَشُ فيه موضوعاتٌ متنوِّعة.

- كلمة ختامية عن مجمل أنشطتكم الفكرية والأدبية  في وطن متعب وتقييمكم الشخصي

 ناجي نعمان الفَرْدُ المُفَكِّرُ ينشطُ وحيدًا بالعَرَق والدَّمع والدَّمِ في سبيلِ الثَّقافة انطلاقًا من بلدٍ فُتِحَتْ ساحاتُه أمام كلِّ مَوبوءاتِ العَصر. وهو مستمرٌّ في عولَمَة الثَّقافة بالمجَّان، وهدفُه إنقاذُ العالَمِ من طريق الثَّقافة الَّتي لا يَرى بِسِواها خلاصًا للبَشَريَّةِ َ. فهَل مَن يَعي ويُعين؟