نبيل بهجت يضع 'نظرية لاكتشاف التراث المزيف'

أستاذ علوم المسرح المصري يسعى في كتابه الجديد إلى تكريس ضوابط إجرائية للمساعدة على التفريق بين الروايات الأصيلة والروايات المزيفة، متخذا من الأراجوز نموذجًا لمناقشة الظاهرة.

القاهرة - صدر حديثا عن المهرجان المسرحي الدولي لشباب الجنوب كتاب "الأراجوز بين الروايات الأصيلة والروايات المزيفة.. نحو نظرية لاكتشاف التراث المزيف" للدكتور نبيل بهجت.

ويسعى أستاذ علوم المسرح في كتابه الجديد إلى وضع نواة لنظرية "التراث المزيف" في محاولة لوضع ضوابط إجرائية للتفريق بين التراث الأصيل والمزيف، متخذا من الأراجوز نموذجًا لمناقشة الظاهرة، وكذلك التفريق بين الكنوز البشرية وغيرهم ممن لديهم معرفة عامة بالفن الشعبي، وأيضًا التفريق بين مستويات التعامل مع التراث الشعبي، والتي تتنوع بين الاستعادة والتوظيف والاستلهام، والفرق بينهم.

ويحاول الكتاب المقسم إلى ثلاثة فصول فتح الباب للنقاش حول التراث المزيف ورواته المزيفين، في محاولة لإلقاء الضوء على هذه الظاهرة من جانب، ودعوة الباحثين الدارسين لوضع الضوابط والإجراءات لضمان سلامة التراث الشعبي - مضمونًا وشكلًا - من العبث، ومحاولة التمييز بين التراث الأصيل والمزيف متخذا من الأراجوز نموذجًا لذلك.

ففي فصله الأول، يقف الكتاب "نحو نظرية لاكتشاف التراث المزيف" على الأهمية الكبرى للتراث الشعبي، وآفات الوضع والانتحال فيه، ومن هو الراوي الأصيل، وكيف نفرق بين الراوي الأصيل والراوي المزيف. كما يقف الفصل الأول على الروايات الأصيلة والمزيفة سواء على مستوى الشكل أو المضمون، واضعًا عددًا من الخطوط العريضة للتعرف عليهما، منبهًا إلى خطورة الروايات المزيفة على الذاكرة الوطنية، وكيف أنها أحد أخطر ما يهدد الفن الشعبي بشكل عام، محاولاً من خلال ما يناقشه الفصل من إعلان عدد من الضوابط والملاحظات التي بها يستطيع الباحث أو المتعامل مع التراث التفريق بين الأصيل والمزيف من روايات ورواه.

ويحدد كذلك مفاهيم الكنز البشري والراوي المزيف بداية .. من هو الكنز البشري؟ الكنز البشري هو الفنان حامل العنصر الشعبي عن طريق العنعنة، الممارس له، الحافظ لروايته، العارف بتقاليد أدائه، والذي ظل يقدمه طوال حياته بشكله الشعبى المتوارث، إذّا فهو من تعلم بطريقة المعايشة وأخذ الفن عن أسطواته، وحفظ روايته أو روايات متعددة، كذلك فإنه العارف بالتقاليد والأسرار كما أنه ظل يقدم الفن بحالته الشعبية بحالته التراثية بعيدًا عن أي تغيير تحت مسمى التطوير أو التحديث.

أما الفصل الثاني، فسيقدم إجابة واضحة على سؤال "هل يتطور التراث؟"، والإجابة البديهية لهذا السؤال أنه لو تطور التراث لما أصبح تراثا، بمعنى أن التراث لا يتطور، وإنما يُسْتَلهم، فالاستهلام هو المقصد النهائي والغاية الكبرى من عمليات الحفاظ على التراث؛ ليصبح واقعًا اقتصاديًا وجماليًا في حياتنا المعاشة.

كما يقدم الفصل الثاني حالات استلهام الأراجوز في مختلف أشكال الإبداع كنموذج على فكرة الاستلهام التي هي إبداع فردي تستفيد من التراث ولا تقع في دائرة التراث، وإنما تقع في دوائر المبدع الفرد، والذي له مطلق الحرية في اختيار الشكل الإبداعي، كأن يستلهم السيرة الشعبية في قصيدة، والشكل الحواري في رواية، واللوحة الشعبية في قصة أو موسيقى إلى غير ذلك.

ويقدم الفصل الأخير نموذجا من الروايات الشفاهية الأصيلة، عن طريق الراوي الشعبي وشيخ لاعبي الأراجوز "عم صابر المصري" كنموذج لرواية المضمون الأصيلة، ويختتم الفصل بعرض نماذج لروايات الشكل الأصيلة وروايات الشكل المزيفة.

ويعاني فن الأراجوز المصري من مشكلات عديدة تدعم استمرار اندثاره، رغم الجهود التي تستهدف إعادة إحيائه بعد إدراجه على قائمة "الصون العاجل" للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وسط أزمات تتعلق بدخول رواة مزيفين من غير ممارسي الفن الحقيقيين ما تسبب في تجميد عملية صنع لاعبين شعبيين محترفين.

ويعد الأراجوز فنا شعبيا قديما يتمثل في تقديم عروض عبر دُمى القفاز الشعبية وأشهرها دمية الأراجوز، ويقدم العرض من خلال مُحرك عرائس (دمى) لا يراه الجمهور، يعتمد على عدد من العرائس، ويشاركه مساعد يسمي "الملاغي" يقف أمام الجمهور ويحفزه على التفاعل معه، وللأراجوز صوت مميز بفعل آلة تسمى "الأمانة" يضعها اللاعب في الفم، وتميز صوت الأراجوز عن غيره من الشخصيات، وفق الأرشيف المصري للحياة والمأثورات الشعبية.

ويعتبر الباحث نبيل بهجت أستاذ علوم المسرح بجامعة حلوان بمصر أحد أبرز المتخصصين في مسرح خيال الظل، وهو يسعى منذ وقت لإعادة إحياء هذا الفن ضمن مبادرته في إحياء فن الأراجوز وخيال الظل للحياة الثقافية والفنية.