ندوة مغربية تدعو إلى ترسيخ وعي نقدي جديد بالظاهرة الشعرية

دار الشعر بمراكش تواصل فتح منافذ جديدة لتداول الشعر بين جمهوره، من خلال إطلاق منصاتها الرقمية.
عبدالجليل الأزدي يتناول التفاوت الحاصل بين التراكم الشعري الكمي والنوعي الذي أنجزه الشعراء المغاربة، بمختلف لغاتهم وألسنهم
عادل عبداللطيف يتحدث عن منعرجات الفعل التأسيسي للنقد الشعري الحديث في المغرب

مراكش (المغرب) ـ خلص المشاركون في ندوة دار الشعر بمراكش، "أسئلة النقد الشعري في المغرب: المنجز ورهانات التأويل"، إلى ضرورة ترسيخ وعي نقدي جديد بالظاهرة الشعرية في المغرب، على ضوء ما تراكم من تجارب وحساسيات ورؤى وأنماط الكتابة. كما دعا النقاد إلى تمثل الظاهرة الشعرية في المغرب، من أجل إرساء مشروع نقدي شعري يواكب هذا الغنى بانفتاح بليغ على مختلف التجارب الشعرية اليوم. 
وقد واصلت دار الشعر بمراكش من خلال برمجتها الخاصة بالطور الثالث (2019/2020)، فتح منافذ جديدة لتداول الشعر بين جمهوره، من خلال إطلاق منصاتها الرقمية من أجل تجسير التباعد الاجتماعي شعريا. وضمن سلسلة ندواتها، التي تستقصي الخطاب الشعري، نظمت الدار ندوة نقدية، منذ أيام الشهر الجاري، حول موضوع مركزي، يقع في صلب اهتمام الخطاب النقدي الشعري، موسوم بـ :"أسئلة النقد الشعري في المغرب: المنجز ورهانات التأويل"، وشهدت الندوة مشاركة النقاد: د. عبدالجليل الأزدي، وعادل عبداللطيف، والشاعرة رشيدة الشانك، للحوار والنقاش واستقصاء أسئلة النقد الشعري في المغرب اليوم، وتقصي ومقاربة هذا المنجز. 
وأكد مدير دار الشعر بمراكش، الشاعر عبدالحق ميفراني في مستهل الندوة، أن اختيار موضوع "أسئلة النقد الشعري في المغرب: المنجز ورهانات التأويل"، يأتي في سياق سلسلة الندوات والأسئلة التي أطلقتها دار الشعر بمراكش، ضمن برنامج موسمها الثالث، ابتداء من الشعر والمشترك الإنساني، الدرس الافتتاحي للموسم، وامتدادا بندوات تقصت أسئلة الترجمة والهوية والحداثة والتلقي والتحولات والرقمنة والأرشفة. وتأتي هذه الندوة لمواصلة الإنصات للمشهد الشعري في المغرب، ضمن ما يعرفه السنوات الأخيرة من حراك لافت.

ندوة دار الشعر بمراكش سعت إلى محاولة تحديد أسئلة النقد الشعري في المغرب، ورهانات التأويل. مع تحديد مسارات هذا النقد ولحظته الراهنة وأفقه

وأشارت الشاعرة والباحثة رشيدة الشانك، الى أن النقد الشعري في المغرب عرف تراكما مهما، مع حضور لافت لنقاد زاوجوا بين الكتابة النقدية والكتابة الإبداعية، نقاد شعراء رسخوا أفق هذا النقد وأسئلته. غير أن الشاعرة الشانك تسجل انشغال بعض الدراسات بتجارب معينة، وبتجارب قصيدة النثر خصوصا، دون الوعي بأنماط الكتابة الشعرية المتنوعة في المغرب. كما توقفت الشانك عند تجربة النقدية لمحمد مفتاح، والتي حققت وبلورت مشروعا نقديا مهما، بامتلاك عدة معرفية متنوعة ومرجعيات فكرية وفلسفية مكنته للدخول في ثنايا النصوص الشعرية. وبحكم أن النص الابداعي، الشعري خصوصا، هو مجموعة أنساق يحتاج لعدة معارف، فقراءة مفتاح، ابتداء من تحقيقه لديوان لسان الدين بن الخطيب وانتهاء باشتغاله على العديد من المفاهيم والمرجعيات النظرية المؤسسة، قد انطلق من مرجعيات فلسفية وفكرية، هذا التراكم الذي تحقق، كان هدفه الأساسي خدمة النص الابداعي الشعري ومشروع النقد الشعري في المغرب.
وذهب الناقد والمترجم عبدالجليل الأزدي، إلى التفاوت الحاصل بين التراكم الشعري الكمي والنوعي الذي أنجزه الشعراء المغاربة، بمختلف لغاتهم وألسنهم. أما خطاب النقد فقد تخلف عن مواكبة كل هذا التراكم، على تعدده. ورصدا لهذا الخطاب الذي تشكل حول الشعر المغربي، يحدد الناقد الأزدي بعض السمات العامة والجوهرية، أبرزها تتمثل في أن معظم نقاد الشعر بالمغرب شعراء، وهي مسألة ليست حديثة بل هي قديمة ضاربة في عمق تراثنا العربي القديم (المتنبي أبو تمام والبحثري..). ليعرج الناقد الأزدي على إبراز أهم المحطات التاريخية المؤسسة للنقد الشعري في المغرب، أسماء ساهمت في تأسيس ملامح الظاهرة الثقافية في المغرب، مع بداية الستينيات ومع كتابات عبدالكريم غلاب وفي حقول جامعية أكاديمية، إلى جانب النقد الأكاديمي المبني نظريا ومذهبيا، كأطروحتي محمد بنيس، وكذلك أطروحة الشاعر عبدالله راجع، وأحمد المجاطي.. لتظل تجربة الناقد محمد مفتاح، استثناء لافتا، بحكم أنها انفتحت على سيميائية الشعر ومفاهيم مؤسسة (التناص..). 
ويؤكد الناقد الأزدي، بعدم وجود مدرسة نقدية في نقد الشعر، فالتراكم النقدي الذي تحقق، في هذا السياق، هو بمثابة محاولات فردية، كل ناقد يرى نفسه بداية مطلقة، وهي مسألة متجذرة في الثقافة العربية الاسلامية. انطلاقا من فكرة الأول (أول من أسس النحو، العروض..)، في حين أن جميع أشكال المعرفة، هي مجالات لا تعترف بالفرد أو الأول، لأنها ممارسة علمية ترتبط بشروط تاريخية معينية تستلهم تراثا ثقافيا برمته، كل خطاب يكون مصقولا بأصوات وتجارب سابقة. فحينما نرغب اليوم، في قراءة تجربة شعرية معينة (العطار أو جميل عبدالعاطي..) فالخطاب الذي ينتجه الناقد، هو خطاب مسكون بأصوات سابقة، خطاب مسكوك بكل ما أنتج في الخطاب العربي منذ ابن جني انتهاء بالمجاطي وغيرهم من نقادنا.
بحثا عن خريطة النقد الشعري في المغرب
واتجه، في نفس السياق، الناقد عادل عبداللطيف، في تحديد خريطة النقد الشعري في المغرب، في ارتباط بالمراحل التاريخية الذي أفضت الى تشكل هذا الخطاب. وأيضا في تفاعل مع كل النظريات والتجارب والمدارس النظرية، والتي أفضت الى ظهور وعي نقدي بالظاهرة الشعرية في المغرب. ونوه، الناقد عادل عبداللطيف، في البداية بمجهود الناقد والاكاديمي عبدالجليل الأزدي في ترسيخ التحليل النقدي في الفضاء الجامعي. ليعرج في سفر تاريخي، ومن خلال أقانيم محددة، عند تشكل الخطاب النقدي في المغرب. رابطا هذا التشكل، بمستويات عديدة، سواء تعلق الأمر ببروز الظاهرة الشعرية في المغرب وتشكل خطاب عالم يستقرأ ملامحها العامة.
وتنقل الباحث عبداللطيف، في منعرجات الفعل التأسيسي للنقد الشعري الحديث في المغرب. ابتداء من عشرينيات القرن الماضي، ومن طرف الشعراء، ووقوفا عند أعلام، وحضور التجربة المشرقية، ومع تجربة مهرجان فاس ثم الانفتاح على التجارب النقدية والعلوم الحقة والانسانية، ليفرد حديثه الخاص عن التجربة النقدية للناقد محمد مفتاح. ويرى الناقد عادل عبداللطيف، أن التجربة النقدية في انفتاحها على الوعي النقدي الثقافي، واستيعاب المنظور البلاغي في الشعر، ومرجعيات أخرى جعل الظاهرة الشعرية تحظى بوضع خاص في المحفل النقدي، غير أنه ينبه الى أن الشعر ليس خطابا فقط، وليس صياغة، ولكن له خلفيات معرفية. مع تأكيده أن هناك نقاد راكموا تجارب مهمة في حقل النقد الشعري في المغرب، ولعل أبرزهم ظاهرة الشعراء النقاد. 

اللغة، الجامعة، السوق الشعرية والفاعلون الجدد:
واختتم الناقد عادل عبداللطيف، بتأكيده على العديد من التوصيات والخلاصات الأساسية، تصبو جميعها في أفق استشرافي ينمي الحاجة لخطاب نقدي شعري، يؤجج عوالم القصيدة في مختلف حساسياتها. فإذا كان النقد الشعري في المغرب، محكوم بالعديد من المرجعيات، ما راكمه من التراث العرب، حين كان للشعر مكانته الاعتبارية والرمزية في الثقافي العربية الاسلامية، انتهاء بالمرجعيات النظرية الغربية. يجب أن لا  يتم التوقف عند نقطة التشخيص، بل أن يتم استشراف الأفق، حتى يتمكن هذا النقد الشعري أن يستعيد دوره ووظيفته المركزية. 
مطلوب من النقد الشعري في المغرب، أن يواكب هذه الفورة، وإخضاع دوره المسؤول، كما أن هناك حاجة مستمرة للشعر، لا يمكنها أن ترتبط بأي حدود. مطلوب من بعض المؤسسات الوصية، وزارة جامعات مؤسسات ثقافية...، احتضان هذه المبادرات الهادفة في اتجاه انبعاث ألق جديد للخطاب النقدي في المغرب. وعندما يتعلق الأمر بمجموعات بحث وورش، خصوصا في رحاب الجامعة، فيكفي استدعاء دور النقد الشعري في فرنسا، والذي شكل بوصلة لدينامية نقدية وثقافية فاعلة. ويربط الناقد عبداللطيف، بين مجال الفلسفة والتاريخ والكتابة الشعرية، إذ تم ضرورة لأن يرتبط الشعر بهذه الحقول، كما لا يمكن أن نستثني حقولا أخرى، كالمعطى الاجتماعي والانتروبولوجي.
أفق الشعر ورهانات النقد الشعري في المغرب:
لقد سعت ندوة دار الشعر بمراكش، إلى محاولة تحديد أسئلة النقد الشعري في المغرب، ورهانات التأويل. مع تحديد مسارات هذا النقد ولحظته الراهنة وأفقه، بحكم أنه نشاط تحليلي لأثر إبداعي، ومعطى تأويلي ومعرفي يستقرأ هويات النصوص. ضمن هذا الهاجس المعرفي، سعت الندوة تمثل تطورات النقد الشعري في المغرب، على امتداد لحظات تشكله، وإعادة صياغة هويته اليوم ومناهجه ونظرياته وأفقه وتشييد لحظته اليوم مع مساءلة النص الشعري في المغرب، في تعدد رؤاه وتجاربه. 
لهذه الاعتبارات وغيرها، شكلت لحظة انعقاد ندوة دار الشعر بمراكش، "أسئلة النقد الشعري في المغرب: المنجز ورهانات التأويل"، لحظة معرفية بامتياز وهي تسعى الى رصد مختلف المقاربات للنص الشعري في المغرب، على اعتبار أنها علاقة تجاور وتزامن، رغم اختلافات في منابعها المرجعية. فالتحولات التي مست النقد الشعري في المغرب، وضمن مختلف مساراته التاريخية الى اليوم، يمثل قيمة معرفية تعيد الاعتبار للنص الشعري ولمكوناته التخييلية والجمالية، وهو ما يعيد للظاهرة الأدبية وضعيتها الاعتبارية، منهجيا ومعرفيا. لكن، وفق تصور يولي للنص الشعري اليوم، وبما يختزله من أسئلة الهوية وأنماط الكتابة الشعرية وأسئلتها، مكانته الأولية كمكون لرصد ومقاربة وتقصي تحولات النقد الشعري في المغرب.