نساء الإخوان المسلمين يضطلعن بدور تلميع صورة التنظيم وتحصينه

نساء الإخوان يقدمن غطاء يمكّن التنظيم من الظهور بصورة المؤسسات الإسلامية السلمية ذات الأغراض الاجتماعية وليس السياسية.
تنظيمات الإخوان في أوروبا توظف الأعمال الخيرية خدمة لأهدافها السياسية
إدراج نساء الإخوان في مناصب عليا يهدف إلى إظهار الجماعة منظمة متسامحة

في ظل تراجع دور الرجل في تنظيمات الإخوان المسلمين في العالم بسبب الملاحقات التي يواجهها التنظيم المصنف إرهابيا في عديد الدول وتقلص انتشاره وضعف حضوره وتلاشيه في بعض البلدان الأخرى وتفككه فيها على غرار مصر، تلعب المرأة الاخوانية دورا هاما في ترميم شعبية التنظيم المتآكلة وتلميع صورته وإخفاء مواطن "التشويه" التي تشوبه وإظهاره على أنه منظمة إسلامية ذات أهداف اجتماعية لا سياسية في محاولة لمساعدة بقايا هياكل التنظيم في أوروبا على الصمود أمام المتغيرات السياسية.

وتنشط النساء في جماعة الإخوان المسلمين منذ وقت مبكر من تاريخ الجماعة ولم يقتصر دورهن في التنظيم على أن يكن زوجات أعضاء الجماعة من الذكور، لكنهنَّ قمنَ أيضًا بمبادراتٍ مباشرة لدعم أيديولوجيا الجماعة.

وكان للنساء تأثيرات كبيرة من خلال دورهن في المشاريع الاجتماعية والتعليمية التي استمرت لأجيالٍ بعد ذلك. وخروجًا عن الشائع بين النساء المنتميات إلى الجماعات الإسلامية، ظهر ميل واضح إلى النساء في تنظيم الإخوان المسلمين للاضطلاع بأدوارٍ رسمية في الهيئات التابعة للجماعة.

دور متغيّر

في الآونة الأخيرة تُعيَّن النساء في عددٍ من الهيئات التي تسيطر عليها جماعة الإخوان في مناصب قيادية، وفي قمة سلم التراتبية فيها. وتذهب آراء إلى اعتبار أن الجماعة تعين النساء في هذه المناصب لتلبي وتتناغم مع التوقعات المتصوَّرة لصانعي القرار السياسي الأوروبيين في ما يتعلق بتمكين المرأة.

وعلى سبيل المثال، في سبتمبر/أيلول الماضي عُيّنت ثلاث نساء في الفرع الألماني للمجلس الأوروبي للفتوى والبحوث، المنظمة التي يرأسها رجل الدين الإخواني يوسف القرضاوي. والمعينات هنَّ إلهام غضبان، ندى بسيسو وهيا النابلسي. وعُيّنت غضبان نائبة لرئيس لجنة الفتوى. ووفقًا للجنة الفتوى درست بسيسو ونابلسي في الأردن.

وكما هو الحال مع الرجال فإن جمعيات النساء المنضوية في شبكة الإخوان المسلمين على مختلف المستويات تقوم بتعزيز العلاقات والشراكات التكتيكية مع الجمعيات والنوادي النسائية الأخرى غير الإخوانية.

وعلى مرِّ السنين لم يتم إنشاء شبكة منفصلة لنساء الإخوان المسلمين في أوروبا فحسب، بل تحاول ممارسة نفوذ سياسي في بروكسل. وعلى هذا المستوى الأوروبي، تُنظم الشبكة بوصفها المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة.

ويرتبط المنتدى ارتباطًا وثيقًا بالاتحاد السابق للمنظمات الإسلامية في أوروبا، ولديه أعضاء من مختلف الدول الأوروبية. ويحتفل المنتدى حاليًا بالذكرى السنوية الخامسة عشرة لتأسيسه، كما هو موضح أيضًا على الموقع الإلكتروني للمجلس الأوروبي للمسلمين، الذي هو إما المنظمة الخلف للاتحاد السابق للمنظمات الإسلامية في أوروبا أو أحد المؤسسات التابعة له (ليس من الواضح تمامًا أيهما).

وهنا تجدر الإشارة إلى ثلاث جمعيات نسائية في ألمانيا. الأولى هي "الرابطة النسائية الإسلامية للتعليم والتربية"، وهي عضو في المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة. والثانية هي منظمة "بـ أو بدون" (في إشارة إلى ارتداء الحجاب من عدمه) وتُعرف اختصارًا باسم "WoW e. V".  والثالثة هي "مركز الاجتماعات والتدريب للمرأة المسلمة."

يتلقى مركز الاجتماعات والتدريب للمرأة المسلمة ومقره كولونيا التمويل من مصادر مختلفة، ويحظى بدعمٍ سياسي واسع النطاق، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه جماعة الإخوان المسلمين فيه بسبب أنشطته الاجتماعية في رعاية النساء المسلمات والمهاجرين.

النسوة يقدمن الغطاء الذي يمكّن التنظيم من الظهور بصورة المؤسسات الإسلامية السلمية ذات الأغراض الاجتماعية وليس السياسية.

وقال مؤسس المركز أثناء تسلمه جائزة في عام 2011، إن منظمته على صلة "وثيقة بالمجلس المركزي للمسلمين" (ZMD) وتهيمن على هذا المجلس المنظمات التي تدور في فلك الإخوان المسلمين، حتى لو كانت هذه المنظمات لا تمثل غالبية الأعضاء الممثلين.

وحتى منتصف عام 2020 عندما أعادت إدارة المركز ترتيب الأمور، كانت إريكا ثيسن – التي تحمل اسم أمينة ثيسن – مسؤولة التمويل والتي يُشار إلى أنها تلقتها من منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا (IRD) ووفقًا للحكومة الاتحادية الألمانية فإن الإغاثة الإسلامية هي أيضًا جزء من شبكة الإخوان المسلمين.

وهناك تداخل بين الفرع الألماني المستقل رسميًا من الإغاثة الإسلامية، منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا، والمنظمة الأم البريطانية، والإغاثة الإسلامية العالمية (IRW)، ليس فقط من حيث التاريخ التنظيمي، ولكن أيضًا وعلى مدى سنوات عديدة من حيث الموظفين.

وتوجد أيضًا تداخلات شخصية بين منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا وجمعية المسلمين الألمان (DMG) التي كانت تسمى سابقًا الجمعية الإسلامية في ألمانيا  (IGD).

وجمعية المسلمين الألمان هي أكبر منظمة في ألمانيا، ويوجد لدى جماعة الإخوان المسلمين فيها حصة مسيطرة.

وأحد الأمثلة على ذلك هو المعتز طيارة السوري الأصل الذي كان في السابق نائبًا لإبراهيم الزيات في الجمعية الإسلامية في ألمانيا، بينما كان يشغل منصبًا قياديًا في منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا، ومنظمة الإغاثة الإسلامية العالمية.

وقد عملت زوجته هويدا تارجي في كل من الجمعية الإسلامية في ألمانيا والرابطة النسائية الإسلامية للتعليم والتربية.

و كانت إحدى شقيقات تارجي هبة تارجي عضوًا سابقًا في مجلس إدارة المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة، وعملت أيضًا في مركز فرانكفورت الذي شارك في تأسيسه شقيق الزيات. ولا تزال تارجي تعمل لصالح المجلس المركزي للمسلمين.

وبعد فضيحة معاداة السامية في الصيف الماضي في منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا، ومنظمة الإغاثة الإسلامية العالمية، كانت بعض الإدارات مليئة بالنساء. وكان ذلك تماشيًا مع العملية التجميلية عمومًا التي أجرتها الإغاثة الإسلامية لمعالجة هذه القضية.

ويبدو أن تعيين النساء في مثل هذه المناصب العليا كان يهدف إلى تغيير الخطاب العام عن كونها منظمة غير متسامحة، ويبدو أنها حققت بعض النجاح؛ وكون أن النساء المذكورات لم يظهرن أدلة تُذكر على ممارسة أنشطة عامة للجماعة أمر لا يهم.

ومن المثير للاهتمام أنه على الرغم من أن منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية حلّت اسميًا مجلس إدارتها بأكمله، كان هناك استثناء واحد لهذا الادّعاء، وكانت المستثناة امرأة. فالشخص الوحيد الذي تم الاحتفاظ به من المجلس القديم هو لمياء العمري، وهي ناشطة سويدية ورئيسة سابقة للمنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة.

نساء الإخوان تساعد التنظيم على الوصول إلى جمهور أوسع للتجنيد
نساء الإخوان تساعد التنظيم على الوصول إلى جمهور أوسع للتجنيد

القيمة الاتصالية للأخوات

تأسست منظمة "بـ أو بدون  ( WoW e.V)" عام 2015 في شتوتغارت من طرف عدد من الأشخاص من عائلة جولسورخي، بمن فيهم والدا رئيس مجلس الإدارة لارا تسوزان جولسورخي.

وبالإضافة إلى تقديم الأكياس المصنوعة من "الجوت" التي تحمل شعار النادي ونوعًا من الألعاب التحفيزية، عقدت دورات تهدف ظاهريًا إلى تحسين وصول المرأة المسلمة إلى سوق العمل. وكان أحد مواضيع الرسائل الرئيسة هو أنه ينبغي تحفيز جميع أصحاب العمل لتوظيف النساء المسلمات، بغض النظر عمّا إذا كنّ يرتدين الحجاب أم لا. وحظي المشروع ورئيسة المشروع باهتمامٍ وثناء كبيرين، وتبع ذلك جوائز والكثير من التمويلات العامة.

وأما الأمر الذي لم تتم ملاحظته بعد هو أن منظمة "بـ أو بدون" كانت جزءًا من "شبكة تحالف مناهضة الإسلاموفوبيا والكراهية المعادية للمسلمين". وهذا التحالف متورط بشكل واضح مع جماعة الإخوان المسلمين، والجماعات التي تدور في فلكها وحلفائها.

والغرض من العمل تحت راية التحالف هو مساعدة جماعة الإخوان المسلمين على الوصول إلى جمهور أوسع للتجنيد من خلال التعاون مع منظمات أخرى، والحصول على الأموال العامة، وتوفير طبقة أخرى من التحصين ضد النقد الاجتماعي.

وتتفاعل هذه العناصر مع بعضها البعض لإدارة السمعة وتأمين الحصانة ضد النقد، وتعزيز الاعتقاد العام بأن التحالف يقوم بما هو في "الصالح العام"، وذلك هو المفتاح لقدرته على الوصول إلى التمويلات العامة.

غالبًا ما يُساء فهم دور النساء في جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية المشابهة، ولا غرابة في ذلك لأن هذه الجماعات تحرص على تحريف هدفها، وذلك في إطار تقديم نفسها للحكومات والمجتمعات الغربية.

وعلى سبيل المثال يحقق ذلك نجاحًا إلى حدٍّ كبير، حيث لا يواجه التحالف ولا منظمة "بـ أو بدون" سوى القليل جدًا من النقد، سواء من وسائل الاعلام الاجتماعية أو من الوسائل الأكثر رسمية، النمط نفسه الذي رأيناه مع الرابطة النسائية الإسلامية للتعليم والتربية.

وقد لا تكون جماعةُ الإخوان المسلمين ملمةً بالمثل الغربي القائل بأن السياسة "تنبع من الثقافة"، بمعنى لو أردت تغيير السياسة فعليك أولًا تغيير الثقافة، لكنها تعمل في الواقع بهذا المثال بالفعل، فبدلًا من السعي للاستيلاء على السلطة دفعة واحدة، تتطلع الجماعة إلى إعادة تشكيل المجتمع، حيث ينعكس هذا التغيير في سياسات الدولة.

ومن بين الأمثلة العملية على ذلك هي محاولة الإخوان إعادة صياغة المواقف الدينية المحافظة حول ضرورة ارتداء الحجاب في السردية العلمانية المتعلقة بتحرير المرأة وتمكين المرأة المسلمة.

ويسعى هذا الجهد لجعل الحجاب أكثر قبولًا في مجتمعات الأغلبية في الغرب، بل وحشد تأييد نشط من قطاعاتٍ معينة من السكان. وطوال الوقت تولي الجماعة اهتمامًا كبيرًا لتجنب فرض الحجاب بصورة غير طوعية، سواء بالقوة الأبوية المباشرة أو بعزل المرأة حيث لا تفهم أن هناك نقاشًا حول دور الحجاب. علاوة على ذلك، لا تذكر أبدًا المفاهيم القمعية حول النوع الاجتماعي التي تجعل الإسلاميين يفضلون الحجاب.

وغالبًا ما يُساء فهم دور النساء في جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية المشابهة، ولا غرابة في ذلك لأن هذه الجماعات تحرص على تحريف هدفها، وذلك في إطار تقديم نفسها للحكومات والمجتمعات الغربية. ولكن من المهم أولًا إدراك متى ترتبط الجماعات النسائية بجماعة الإخوان المسلمين، وثانيًا المخاطر الجسيمة المتمثلة في السماح بتقديم مثل هذه الجماعات على أنها التيار الرئيسي للمجتمع المدني أو ضمنه والذي تعتزم الإطاحة به في نهاية المطاف.