نصرالله يبعث برسائل تهديد للحراك الشعبي

مدير الأمن الداخلي الأسبق اللواء أشرف ريفي يحذّر حزب الله من تخريب الحراك الشعبي ومن الغرق في الدم اللبناني.

ميليشيات لحزب الله تشتبك مع المحتجين وسط بيروت
نصرالله يعاتب المحتجين على شتمه
نصرالله: إذا نزلنا للشارع لن نغادره إلا إذا تحققت كل مطالبنا
خطاب نصرالله أقرب للتهديد منه لاحتواء غضب اللبنانيين
نصرالله في تناغم مع تسويق إيراني يتحدث عن مؤامرة لجر لبنان لحرب أهلية
نصرالله يسهب في التحذير من فوضى وحرب أهلية

بيروت - وجه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله اليوم الجمعة رسائل تهديد مباشر للحراك الشعبي متحدثا عن احتمال الانجرار لحرب أهلية رافضا فكرة استقالة الحكومة، محذرا من فراغ دستوري في الوقت الذي اقتحمت فيه عناصر من مؤيده الاعتصام وسط بيروت واعتدت على المحتجين، متحدثا في الوقت ذاته عن مؤامرة تستهدف لبنان وهي الرواية التي تروج لها إيران منذ فترة في معظم وسائل إعلامها.

ودعا نصر الله أنصار حزب الله للبقاء بعيدا عن الاحتجاجات في أنحاء لبنان والتي تستهدف الإطاحة بالنخبة الحاكمة في البلد.

وقال في كلمة نُقلت على شاشات التلفزيون إن لبنان "دخل في دائرة الاستهداف" دوليا وإقليميا، معبرا عن خوفه من دفع البلاد إلى أتون حرب أهلية.

وتابع "ممكن البلد يروح على فوضى عارمة وخلل أمني معناه البلد يروح على حرب أهلية".

وجاءت تصريحات نصرالله بعد فترة قصيرة من اقتحام مجموعات من الأشخاص تردد شعارات مؤيدة لجماعة حزب الله اللبنانية الشيعية مظاهرة سلمية اليوم الجمعة في بيروت واشتبكت لفترة قصيرة مع المحتجين مما دفع شرطة مكافحة الشغب إلى التدخل، قبل فترة من إلقاء الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله كلمة حول الاحتجاجات الشعبية.

وتشبه هذه الحادثة إلى حدّ كبير ما سبق أن قامت به جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن ضد حراك سلمي ضدها والميليشيات العراقية الشيعية الموالية لإيران حين استهدفت الحراك العراقي السلمي واعتدت على المحتجين وقتلت العديد منهم في عمليات قنص رغم أنها أنكرت ذلك.

وهتف مقتحمو اعتصام بيروت الذين كانوا يرتدون قمصانا سوداء يشتهر بها أنصار حزب الله وحركة أمل الشيعية "لبيك، نصر الله" في إشارة إلى حسن نصر الله الأمين العام للحزب.

واندلعت مواجهات مماثلة ليل الخميس في نفس الموقع من وسط بيروت. وقبل أيام حالت قوات الجيش اللبناني دون اقتحام العشرات من أنصار حزب الله كانوا على متن دراجات نارية لساحة الاعتصام وسط العاصمة اللبنانية.

وفي أعقاب المواجهات تم إرسال المزيد من رجال شرطة مكافحة الشغب المزودين بالأقنعة والهراوات إلى الميدان لتهدئة الوضع الذي بدا أنه يزداد توترا.

وبدأ بعض الناس في إلقاء الحجارة والعصي مما هدد بتحويل الاحتجاجات السلمية حتى الآن إلى العنف.

وردد أنصار حزب الله "كلّن يعني كلّن، نصر الله أشرف منهم" في إشارة إلى زعماء الحكومة الذين يتهمهم المحتجون بالفساد وهتفوا "رياض سلامة حرامي" في إشارة إلى حاكم مصرف لبنان المركزي.

وأكدت محاولة أنصار حزب الله اختراق الحراك الشعبي وتخريبه قراءات سابقة كانت قد أشارت إلى أن الجماعة الشيعية الشريك في الائتلاف الحكومي والتي تهيمن بالفعل على مراكز القرار بعد أن فازت وحلفاؤها بالأغلبية البرلمانية في مايو/ايار الماضي، لن تبقى مكتوفة الأيدي وأنها ربما تتحرك إما لاختطاف الحراك كما ارتهنت الدولة وقراراتها وإما لتقويضه والانحراف به من طابعه السلمي إلى دائرة الفوضى والعنف.

أنصار حزب الله يعتدون على المحتجين وسط بيروت
أنصار حزب الله يعتدون على المحتجين وسط بيروت

وتتزامن مجمل هذه التطورات مع حملة على وسائل الإعلام الإيرانية سوقت للحراك الشعبي في لبنان العابر للطائفية والحزبية على أنه مؤامرة خارجية تماما كما حاولت تشويه الاحتجاجات الشعبية في العراق بتحذيرات متكررة من توظيفها من قبل دول خارجية للتآمر على العراق.

ولا يمكن أن ينظر للتطورات الأخيرة في الساحة اللبنانية بعيدا عن سياقاتها وتوقيتاتها، فاعتداء أنصار حزب الله على المحتجين جاء قبل قترة قصيرة من كلمة الأمين العام للحزب حسن نصرالله الذي قال اليوم الجمعة إنه سبق له أن أكدّ أن "حزب الله يشارك في الحراك حتى لا يؤخذ بعدا آخر تتداخل فيه صراعات أخرى، وإذا نزل حزب الله فلن يخرج قبل تحقيق أهدافه".

وتشير إطلالة نصرالله في هذا التوقيت بالذات مع ارتفاع سقف مطالب المحتجين من المطلبية الاجتماعية ومكافحة الفساد إلى سقوط النظام القائم على المحاصصة الطائفية، إلى قلق فعلي يساور قيادة الحزب المدعوم من إيران من أن تقوض الاحتجاجات موقعه سياسيا وميدانيا.

وقال نصر الله "وطننا اليوم يمر بأوضاع حساسة ودقيقة وهذا يتطلب التكلم بمسؤولية"، مذكّرا بالخطاب الذي كان ألقاه يوم السبت الماضي حول الحراك الشعبي الذي أسماه "حراكا عابرا للطوائف والمناطق وليس خاضعا لأي حزب أو سفارة".

ودعا المتظاهرين إلى أن"يفتحوا الطرقات كي تذهب الناس إلى أعمالها ومدارسها وجامعاتها". وقال "ليس المطلوب من الجيش فض الإشكالات بين الناس ولو بالقوة ونحن نرفض الرصاص ضد الناس لأن الرصاص أطلق علينا في أيلول 1993، في منطقة المشرفية عند التظاهر لأسباب معيشية ولا يجوز للجيش والقوى الأمنية أن تطلق النار على أحد".

لكن لم يسبق أن استخدمت الشرطة اللبنانية أو قوى الجيش الرصاص ضد المحتجين منذ انطلاق الحراك الشعبي قبل ثمانية أيام، ما يشير إلى أن نصرالله ربما يروج لتطورات أخطر بعد اقتحام ميليشياته لساحة الاعتصام.

وبناء على تحذيراته لوات الأمن والشرطة فإن سقوط قتلى من المحتجين محتملين في قادم الأيام قد تنسب لقوات الأمن والجيش.

  وحمل نصر الله الدولة الدولة "مسؤولية فتح الطرقات ومنع الاعتداء على الأملاك العامة".

وقال معلقا على الحراك الشعبي "ما بدأ كان شعبيا وعفويا وبعيدا عن السفارات والاستغلال، كان حراكا مطلبيا، إلا أنه لم يعد كذلك اليوم. الحراك في هذه اللحظات، تقوده جهات معروفة وشخصيات ومؤسسات معروفة، وهناك إدارة وتنسيق وتمويل أيضا".

وتساءل عن الجهات التي تمول هذا الحراك قائلا "على من يقود الحراك أن يشرح لنا ذلك بكل شفافية، وأن يقول من هم المتبرعون من أثرياء ومتمولين وهل هؤلاء يريدون مصلحة الشعب اللبناني أم لديهم أهداف أخرى، وما هي مصادر هذا التمويل".

وتابع "المطالب التي تطرح اليوم لم تعد عفوية، لأنها تركز على إسقاط النظام الطائفي، نحن نؤيد إسقاط النظام الطائفي ووضع آليات له إذا كان هذا هدف المتظاهرين، لكن نذكرهم بالمطالب المعيشية التي نزلوا من أجلها".

وأشار إلى أن هناك "أحزاب سياسية وقوى تسعى لركوب موجة الاحتجاجات الشعبية لأهداف أخرى".

وللتشكيك في عفوية الحراك الشعبي وعدم ارتباطه بأي جهة تساءل نصرالله "أما لهذا الحراك قيادة؟ وأين هذه القيادة؟"، مضيفا أن هناك "قيادة غير ظاهرة"، ملمحا إلى "وجود أحزاب وتجمعات وقيادات وأشخاص فعالين".

وأضاف أن بعض من هؤلاء منهم من كان في السلطة وبعضهم "كان في السلطة ولهم تاريخهم وارتباطاتهم الخارجية والداخلية وهناك فئة عن كيانات سياسية جديدة شكلت في الآونة الأخيرة وشاركت في الانتخابات الأخيرة وأنفقت أموالا طائلة".

وقال أيضا "هناك فئات مرتبطة بسفارات خارجية وشخصيات وجهات هم من الأشد فسادا وعندهم ملفات في القضاء اللبناني وموجودون في قيادة الحراك"، مؤكدا أن لديه "أسماء من يديرون الحراك".

واقترح الأمين العام لحزب الله على "من يعتبرون أنفسهم قياديين في الحراك، أن يذهبوا إلى القضاء اللبناني ويكشفوا عن وجوههم وملفاتهم، وأن يكشفوا السرية المصرفية خاصتهم، لبعث الثقة بوجود قيادة جديرة بالاحترام".

وروّج نصرالله باسهاب لوجود مؤامرة موضحا أنه كان يرفض نظيرة المؤامرة، لكن قال "معلوماتنا ومعطياتنا تقول إن الوضع خطير ولم يعد حراكا شعبيا بل هناك تدخل من سفارات أجنبية. وعلى اللبنانيين التحقق مما طرأ مؤخرا على الحراك، عكس ما كان عليه في بداياته".

ودعا إلى أن يحذروا "مما يخطط للبنان كما حصل لبلدان أخرى"، مضيفا أن على اللبنانيين "ألا يصدقوا ما تقوله السفارات لأن المطلوب التحقق من أفعالهم وليس من أقوالهم".

وزلزلت الاحتجاجات العفوية التي دخلت اليوم الجمعة يومها الثامن على التوالي الأرض تحت أقدام المنظومة السياسية التي تحكم لبنان منذ اتفاق الطائف بالوراثة السياسية والعائلية والزعاماتية.

 ولم توفر شعارات الحراك أحدا من الأحزاب ولا الشخصيات بما فيها حسن نصرالله ذاته فقد تعرض للشتائم في المعاقل الشيعية في سابقة أعادت خلط أوراق قيادة الحزب وأربكته

وأعرب نصرالله عن احترامه للناس الذين نزلوا إلى الشارع، قائلا إنه يقدر ما قاموا به، لكنه عاتب في الوقت ذاته من شتموه، مضيفا "إن اتهامات البعض لي على الرغم من أن نصي كان واضحا، كما أنني تمنيت نجاح الحراك تجنب السباب والتعرض للأملاك العامة وعدم السماح للأحزاب السياسية بأن تركب موجة الحراك كي لا تأخذه إلى أغراض أخرى".

وتابع "للإنصاف يجب توظيف ما حصل لمصلحة البلد كله وقد حقق الحراك في الأيام الأولى ايجابيات، إنما نأسف لعدم شرح ما حصل للمتظاهرين"، مطالبا الجميع بـ"الحفاظ على الايجابيات التي تحققت حتى الآن، ومنها أنها فرضت على الحكومة ميزانية خالية من الضرائب والعجز وهذا يحصل للمرة الأولى".

وكان نصرالله وحليفه رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل وزير الخارجية وصهر الرئيس اللبناني العماد ميشال عون قد أكدا رفضهما الأسبوع الماضي لفكرة تغيير الحكومة، إلا أن هذا الخيار بات مطروحا بقوة بعد أن أعلن عون الخميس الاتجاه لتعديل حكومي.

وبدا خطاب نصرالله كأنه متناغم مع الحراك الشعبي في الوقت الذي اقتحمت فيه عناصر مؤيدة لحزبه الاعتصام وسط بيروت واشتبكت مع المتظاهرين في رسالة ترهيب وتخويف يراد منها تقويض الحراك أو دفعه لدائرة الفوضى والعنف.

ولفت الأمين العام لحزب الله أن الحراك فرض موقفه على الحكومة  "ألا تفرض ضرائب، مما ترك أثره لدى الناس، كما أنه تحت ضغط الحراك الشعبي صدرت ورقة الإصلاحات التي تلاها رئيس الحكومة وتضمنت خطوة أولى متقدمة جدا"، معبرا عن أسفه من أن "بعض وسائل الإعلام وبعض قيادات الحراك عمدوا إلى تسخيف هذه الورقة رغم أنه لم يحصل في جلسات حكومة سابقة صدور مثل هذه الورقة، مع تحديد تواريخ زمنية".

والورقة الإصلاحية التي أشاد بها نصرالله واعتبرها انجازا للحراك، لم تلق تجاوبا من معظم المحتجين الذين هتفوا ضدّها مباشرة فور إعلانها من قبل رئيس الوزراء سعد الحريري، معتبرين أنها مجرد مسكنات ومحاولة لاحتواء غضب اللبنانيين.

ولم تخف أوساط لبنانية قلقها من قيام ميليشيات تابعة لأحزاب السلطة بمواجهة المظاهرات وتحويلها من حالات الفرح التي تعيشها إلى حالة رعب وخوف تفرّغها من بعدها الجماهيري المدني.

وحذّر المدير السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي (من 2005 وحتى 2013) اليوم الجمعة في تغريدة على حسابه بتويتر حزب الله من تخريب الحراك الشعبي وجرّه إلى مستنقع الدم والفوضى.

وكتب ريفي الذي سبق له أيضا أن شغل منصب وزير العدل من 2014 حتى 2016 "التحية للانتفاضة المشرفة. شكلتم قيمة مضافة للوطن في الوقت الذي كان بحاجة إليها. أحذر حزب الله من وهم فائض القوة فلا قيمة لها مع الشعوب الحية. أحذركم من الغرق في الوحل اللبناني ينهيكم على المدى المتوسط وأحذركم من الغرق في الدم اللبناني ينهيكم فورا. لبنان الكرامة كطائر الفينيق".

وتذهب بعض التحليلات إلى أن حزب الله لن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا المدّ الشعبي الرافض لمنظومة الحكم والذي تمرد على كل المحرمات مع تمدد الحراك الشعبي وعلى نحو مقلق إلى جنوب لبنان والبقاع الشمالي وهي معاقل شعبية أساسية للحزب في لبنان.

وتسود لبنان أيضا مخاوف من ردّ فعل حزب الله تحديدا حيث يُرجّح أنه لن يستطيع تحمل تبعات الحراك الشعبي العابر للطوائف والذي خرج عن المألوف بأن وضع المحتجون كل الزعامات السياسية التي تمثل منظومة الحكم، في سلّة واحدة كسبب في الأزمة التي تدفع بشدّ الاقتصاد إلى حافة الهاوية وضربت ارتداداتها مقدرتهم الشرائية ومعاشهم اليومي.

وإلى حدّ الآن لم ينزل الشيعة من أنصار حزب الله بثقلهم إلى الشارع ولم يتحرك الحزب لوقف الحراك، في تطور يشير إلى أن هذا الموقف ربما سيشجع مزيدا من اللبنانيين الشيعة المحسوبين على "جمهور المقاومة" على مغادرة "الغيتو" الفكري للجماعة الشيعية للالتحاق بباقي الشرائح السياسية والمدنية اللبنانية في حراكها الجماعي للتخلص من النخبة السياسية المهيمن على الحكم منذ عقود بحكم المحاصصة الطائفية والتوريث السياسي.

لكن الحزب بعث اليوم الجمعة بإشارات ترهيب للمحتجين حين اقتحم بعض من أنصاره ساحة الاعتصام واشتبكوا مع المتظاهرين، مرددين شعارات طائفية بامتياز في الوقت الذي يكابد الحراك اللبناني لمنع اختطافه من أي حزب أو جماعة أو منظمة، مؤكدا رفضه للمحاولات الحزبية لركوب موجة الاحتجاجات.

واعتبرت مصادر سياسية أن تصريحات نصرالله الأخيرة التي هدد فيها بالنزول للشارع تعتبر خطيرة في توقيتها ومضامينها.

وكان قد رفض الدعوة إلى إسقاط العهد وهدد الهاربين من المسؤولية بالمحاكمة ملمحا لإسقاط الحكومة أو استقالتها.

وأشارت إلى أن نصرالله ينظر للحراك الشعبي العابر للطائفية، كتهديد لـ"دولة حزب الله" في لبنان بعد أن تغلغل الحزب في مفاصل الدولة وارتهن سياستها بولائه لإيران أكثر من ولائه للبنان.

واقتحام أنصاره اليوم الجمعة لساحة الاعتصام والاشتباك مع المتظاهرين إضافة إلى مسيرة الدراجات النارية التي حاولت يوم الاثنين الماضي اقتحام مكان تجمع المحتجين وسط بيروت، شكّلت رسالة تحذير من حزب الله للمحتجين الرافضين لكل القوى السياسية بمن فيها حزبه.

وترى مصادر أن نصر الله يتصرف من موقع اعتباره أن الحراك اللبناني يهدد "دولة حزب الله" في لبنان وأن الحزب سيتخذ التدابير اللازمة لمنع ذلك.

والرهان على اكتساح الشارع واختراق الحراك الشعبي على غرار ما فعل حزب الله وحلفاؤه حين احتلوا وسط بيروت وعطلوا البرلمان وحاصروا مقرّ الحكومة، قد لا يلقى تجاوبا داخل معاقل الشيعة هذه المرة والتي قد ترفض الاصطفاف معه في مواجهة بقية اللبنانيين.