نظرة فاحصة على جهود الألبان في تفسير القرآن
عمان - يقدم أ. د. خير الدين خوجة في كتابه "التفسير والمفسرون الألبان في أوروبا" تحليلا لأهم الاتجاهات الفكرية والدينية في الدراسات القرآنية التي ظهرت في كتابات علماء الألبان في العصر الحديث في أوروبا، متخذا من الجزيرة البلقانية نموذجا، باعتبارها دراسة حالة.
وجاء الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 456 صفحة من القطع الكبير، وهو في جوهره دراسة شاملة قدمت تعريفا بالأراضي الألبانية؛ سياسياً ودينياً، في العصر الحديث. واستهلت ذلك ببيان الأوضاع السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة خلال العهد العثماني، ثم قدمت وصفا للأوضاع الدينية والاجتماعية في ألبانيا، والاتجاه الإصلاحي في الدراسات القرآنية في العصر الحديث.
وأشار المؤلف إلى أنَّ "اهتمام علماء الألبان بالقرآن الكريم وجهودَهم في هذا المجال؛ تعلُّماً وتعليماً وفهماً وتفسيراً، كانت كبيرة. والتحدّيات السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والدينيَّة الّتي واجهوها لم تمنعهم من السَّير على درب العلم ونشره والتَّأليف فيه، وكانوا مضرب المثل في التَّسامح الدينيِّ والتَّعايش السِّلمي مع غير المسلمين. ونتيجةً لتعلُّم الألبان واحتكاكهم بالحضارات والثَّقافات المختلفة في الشَّرق الأوسط وغيره من البلاد، وفي ظلِّ وجود الدَّولة العثمانية المتعدِّدة الأعراق والثَّقافات، تلاقحت أفكارهم، واختلف وعيهم الفكريّ والعلميّ، وظهرت في دراساتهم وتفاسيرهم للقرآن الكريم وتعاملهم معه اتِّجاهات عدَّة. هذه الدراسة ركزت على أربعة اتِّجاهات وتيّارات رئيسيَّة هي: الاتِّجاه والتَّيار الدينيّ الفكريّ الإصلاحيّ، والاتِّجاه العلميّ الفلسفيّ، والاتِّجاه العلميّ التجريبيّ، والاتِّجاه الفكريّ العقديّ السنيّ الماتريديّ"، والاتّجاه الاجتماعي.
وأشاد الدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي؛ أستاذ الدراسات القرآنية في جامعة الملك سعود بالرياض، بالجهد الكبير الذي بذله د. خوجة في كتابه هذا، منوها إلى أنه "لم يقتصر على أداء ما يقوم به الواجب والحد الأدنى، ولم يقتصر على الجانب التفسيري، بل عرض للجانب التاريخي، وتعرَّض لحال الألبان فترة الحكم العثماني وآثار ذلك من قبل ومن بعد، وكشف كثيراً من الأحداث الظاهرة والباطنة، والمعلنة والمخفية للغرب في ألبانيا التي لا يزال الألبان ومن حولهم من المسلمين يدفعون ثمنها"ـ مؤكدا أن "الجهد الذي بذله يستحق التقدير، فقد أزال به جزءًا من عناء الأمانة التي أُنيطت بعلماء الأمة لبيانه".
وبين الأستاذ الدكتور عماد بن زهير حافظ؛ أستاذ التفسير وعلوم القرآن بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، إلى أن هذا الكتاب "أماط اللثام عن قضايا مهمة اتصلت بالشعب الألباني المسلم تاريخاً وتطوراً وتأثراً فكرياً، في أهم الجوانب الدينية والتطبيقات العلمية فيما يختص بالدراسات القرآنية بمختلف أشكالها، من حيث الاتجاه الفكري السُّنّي والاجتماعي والاتجاه الفلسفي والعلمي التجريبي، وكذا الاتجاه الفكري العقدي.
وقد التزم مؤلفه السير على منهج السلف الصالح، وأحسبه قد سدَّ بهذا السِّفر ثغرة مهمة، ووقف وقفة جادة منصفة بعيدة عن هوى أو تعصب، مبتغياً فيها الحق.
في حين أكد الدكتور علي إحسان بالا؛ أستاذ الفقه وأصول الفقه المشارك في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة قطر، أن المؤلف "تناول الموضوعَ بأسلوب رائع، وبطريقة علمية مع الاطلاع التام، وملأ به فراغا هاما في مجال التفسير".
وتناولت فصول الكتاب الاتجاهات الرئيسية في التفسير عبر تقديم أمثلة عملية أحاطت بنتاج هؤلاء العلماء الأعلام، فاختص الفصل الثاني من الباب الثاني بدراسة الاتجاه الفكري السني الإصلاحي في الدراسات القرآنية كما تمثل في فكر الشيخ المفكر الحافظ علي كورتشا. واختص الفصل الأول من الباب الثالث بمناقشة الاتجاه الفلسفي في التعامل مع بعض القضايا القرآنية، المتمثل في آراء الشيخ حسن تحسين أفندي، وناقش في الفصل الثاني من الباب الثالث الاتجاه العلمي التجريبي المتمثل في دراسات الدكتور الطبيب علي فخري إلياسي. وخصص الباب الرابع لمناقشة الاتجاه الفكري العقدي السني الماتريدي في الدراسات القرآنية المتمثل في فكر الشيخ الحافظ إبراهيم داليو. وناقش المؤلف في الباب الخامس والأخير الاتجاه الاجتماعي في تفسير القرآن الكريم عند علماء الألبان والمتمثل في فكر ومنهج الشيخ المفكر الحاج شريف أحمدي نموذجا. فيما يحضّر الباحث دراسة جديدة بعنوان: الاتجاه الاستشراقي والصوفي في الدراسات القرآنية لدى علماء الألبان في أوروبا ( القرن التاسع عشر والعشرون).
وخلص د. خوجة إلى أن كتابه هذا يقدم نتائج "مخالفة لما هو شائع في مصادر تاريخ المسلمين الألبان في العصر الحديث". ورأى بناء على نتائجه " وجوب كتابة التاريخ الألباني المعاصر والعتيق وصياغة مناهجه من جديد للوقوف على حقيقة الأوضاع الفكرية والدينية والاجتماعية، وبيان الجوانب الإيجابية التي شهدتها الأراضي الألبانية في كافة المجالات بفضل دخولهم في الإسلام، ولكونهم تحت رعاية الدولة الإسلامية العثمانية التي حافظت على هويتهم القومية والدينية من الانصهار والانسلاخ أمام الإمبراطورية البيزنطية والرومانية والصربية".
ومن الجدير ذكره أن الأستاذ الدكتور خيرالدين خوجة الكوسوفي هو أستاذ التفسير وعلوم القرآن والثقافة الإسلامية، ومستشار أكاديمي في مركز تدريب قوات الدفاع الجوي الأميري القطري – وزارة الدفاع القطرية.
والأستاذ سابقا في كلٍّ من: كلية المجتمع بقطر، وكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وكلية أصول الدين بجامعة السلطان الشريف علي الإسلامية بسلطنة بروناي، وكلية المجتمع بجامعة طيبة بالمدينة المنورة، وكلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.