نوبل الفيزياء تتوج روادا في البحوث المتعلقة بالثقوب السوداء

الجائزة العلمية العريقة تتوج البريطاني روجر بنروز والألماني رينهارد غنزل والأميركية أندريا غيز لاكتشافاتهم بشأن واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية غرابة.
الجامعات الأميركية تهيمن على جوائز نوبل العلمية
جامعة كاليفورنيا تتصدر التصنيف مع 36 جائزة في الكيمياء والفيزياء
موقع جيد لمعهد باستور الفرنسي في تصنيف جوائز نوبل للطب
جامعة شيكاغو تتصدر التصنيف في جوائز الاقتصاد
أندريا غيز رابع امرأة تفوز بجائزة نوبل للفيزياء
فريق دولي من 'إيفنت هوارايزن تيليسكوب' وراء أول صورة لثقب أسود
بروز العهد الذهبي للأبحاث في شأن الثقوب السوداء

واشنطن - توجّت جائزة نوبل للفيزياء التي أعلنت الثلاثاء رواداً ثلاثة في مجال البحوث المتعلقة بـ"الثقوب السوداء"، وهي مناطق من الكون ذات جاذبية فائقة لا يمكن لأي جسيمات الإفلات منها، هم البريطاني روجر بنروز والألماني رينهارد غنزل والأميركية أندريا غيز.
وفاز العلماء على اكتشافاتهم بشأن واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية غرابة.
وفاز بنروز (89 عاماً) بالجائزة الشهيرة لاكتشافه أن "تَشَكُّل ثقب أسود هو بمثابة تنبؤ صلب بنظرية النسبية العامة" لأينشتاين، على ما أوضحت لجنة التحكيم خلال إعلانها أسماء الفائزين في ستوكهولم.
أما غنزل (68 عاماً) وغيز (55 عاماً) فكوفئا "لاكتشافهما جسماً مدمجاً فائق الضخامة في وسط مجرّتنا"، أكبر بملايين المرات من الشمس التي فيها.
قبل نحو نصف قرن، كان وجود الثقوب السوداء مثيراً للجدل. ونظراً إلى أن من الشائع أن هذه الثقوب غير مرئية، شكّل كَشفُ النقاب في نيسان/أبريل 2019 عن أول صورة لها تطوراً ثورياً في مجال الفيزياء الفلكية، يبيّن التقدّم الكبير الذي تحقّق في كشف أسرارها.
وحصل بنروز على نصف قيمة الجائزة البالغة نحو مليون دولار، بينما تقاسم غنزل وغيز النصف الثاني، على ما أوضحت الأكاديمية الملكية للعلوم في ستوكهولم.
وأبدت أندريا غيز سعادتها بكونها شكّلت "نموذجاً للشابات اللواتي يعتزمن التوجّه" نحو مجال الفيزياء، علماً أنها باتت رابع امرأة تفوز بجائزة نوبل للفيزياء، وهي الفئة التي شهدت فوز أقلّ عدد من النساء بين جوائز نوبل الستّ (أقل من 2 في المئة من أجمالي الفائزين بها).
وقالت في مؤتمر صحافي إن "من غير المعروف ماذا يحوي" الثقب الأسود، و"لا توجد أدنى فكرة" عن مضمونه، لكنها رأت أن ذلك يضفي عليه "طابعاً غريباً" وغامضا. وأضافت "إنه يوسّع حدود فهمنا".
واستخدم بنروز النمذجة الرياضية لكي يثبت في العام 1965 أن الثقوب السوداء يمكن أن تتشكل وتصبح بالتالي كياناً لا يمكن لأي جسيمات الإفلات منها، حتى الضوء.
ويُعتبر بنروز قريباً من مواطنه ستيفن هوكينغ، عالم الفيزياء الفلكية الشهير الذي توفي في العام 2018.
وشرح لوك بلانشيه من معد الفيزياء الفلكية في باريس أن بنروز وهوكينغ "أثبتا معاً بواسطة الرياضيات أن أي نجمة فائقة الحجم تنتهي في الثقب الأسود بعد انهيارها"، مشيراً إلى أن "أبحاثهما أظهرت أن الحالة النهائية للمادة تعود إلى نقطة واحدة".
وأسف بلانشيه "لعدم إعطاء جائزة نوبل لبنروز وهوكينغ قبل وفاته. فهذه الجائزة تأتي بعد سنتين على رحيله، بينما تعود أبحاثهما إلى ستينات" القرن الفائت.
ومنذ بداية التسعينات، أجرى الفائزان بالجائزة بالتساوي راينهارد غنزل وأندريا غيز أبحاثاً عن منطقة تسمّى "القوس إيه" في وسط درب التبانة.
وقد تمكنا من خلال استخدام أكبر التلسكوبات في العالم من اكتشاف جسم ثقيل جداً وغير مرئي- يفوق بنحو أربعة ملايين مرة حجم شمسنا- يرمي على النجوم المحيطة معطياً مجرّتنا الدوران الذي يميّزها.
وأشادت لجنة التحكيم لجوائز نوبل باكتشاف "السر الأكثر ظلاماً في درب التبانة".
وتشكّل الثقوب السوداء الفائقة الضخامة أحد ألغاز الفيزياء الفلكية، ويكتنف الغموض خصوصاً طريقة بلوغها هذا الحجم. ويتمحور الكثير من دراسات الفيزياء الفلكية المعاصرة على تَشَكُّل هذه الثقوب
ويعتقد العلماء أنها تلتهم بسرعة فائقة كل الغازات المنبعثة من المجرّات الشديدة الكثافة التي تَحوطها.
وبما أنها غير مرئية، من غير الممكن رؤيتها إلا بواسطة التباين، من خلال مراقبة الظواهر التي تثيرها في محيطها القريب.
وكان فريق دولي من "إيفنت هوارايزن تيليسكوب" وراء أول صورة لثقب أسود في نيسان/أبريل 2019، وهو إنجاز وُصِفَ أيضاً بأنه يستحق جائزة نوبل.
وقال مدير المشروع شيب دولمان "إنه عهد ذهبي للأبحاث في شأن الثقوب السوداء، وثمة أمور رائعة مستقبلاً".
وكان الخبراء يرجّحون إعطاء جائزة نوبل هذه السنة لاكتشاف يتعلق بالفيزياء الفلكية أو فيزياء الكم، وهما تركزان على درس عالم الظواهر الفائقة الصغر.
وكانت الجائزة منحت العام الفائت لثلاثة علماء كونيات هم الأميركي الكندي جيمس بيبلز والسويسريان ميشال مايور وديدييه كيلو لمساهمتهم في اكتشافات نظرية في علم الكونيات الفيزيائي وفي فهم خبايا الكون واكتشاف كوكب خارج المجموعة الشمسية.
ومُنحت جائزة نوبل للطب الاثنين إلى ثلاثة علماء فيروسات هم البريطاني مايكل هوتن والأميركيان هارفي ألتر وتشارلز رايس، تقديرا لدورهم في اكتشاف الفيروس المسؤول عن التهاب الكبد سي.
ويشكّل الفوز بجوائز نوبل العلمية لفتة تكريمية للجامعات التي يعملون فيها أيضا… وفي هذا المجال، تستحوذ الولايات المتحدة مع صروحها الجامعية العريقة على حصة الأسد.
فمنذ إطلاقها (في 1901 لجوائز الفيزياء والكيمياء والطب، وفي 1969 لجائزة الاقتصاد)، كرّمت جوائز نوبل العلمية 703 باحثين عن 441 بحثا، وفق بيانات جرى جمعها في الموقع الرسمي لجوائز نوبل.
وفيما يشكّل الأميركيون وبفارق كبير أبرز الفائزين (248 رابحا مولودا في الولايات المتحدة، أي 35%)، فإن هيمنة الجامعات الأميركية التي يعمل فيها باحثون من الجنسيات كافة، تبدو أقوى أيضا: إذ إن 57% من جوائز نوبل الممنوحة (251 من أصل 441 بحثا) كرّمت باحثين متعاونين مع جامعة أميركية خلال الفوز بالجائزة.
وتتصدر جامعة كاليفورنيا التصنيف مع 36 جائزة (بينها 12 في الكيمياء و11 في الفيزياء). وأول هؤلاء الفائزين كان الفيزيائي إرنست لورنس سنة 1939 عن اختراع أول سيكلوترون، وهو جهاز يعجل الجسيمات الذرية المشحونة كهربائيا إلى طاقات عليا ولا تزال استخداماته شائعة حتى اليوم خصوصا في الطب لتشخيص السرطان.
وتحتل المركز الثاني جامعة هارفرد مع 33 جائزة (بينها 11 في الطب و8 في الفيزياء)، فيما أول جامعة غير أميركية في هذا التصنيف هي كامبريدج البريطانية التي تحلّ ثالثة مع 28 جائزة نوبل (مع احتساب الجوائز التي نالها مختبر البيولوجيا الجزيئية في كامبريدج).
كما أن تسعاً من أصل 11 جامعة استحوذت على العدد الأكبر من المكافآت، هي أميركية وبينها ستانفورد (22 جائزة) و"أم أي تي" (20 جائزة) وجامعة شيكاغو (19). وإضافة إلى كامبريدج، وحده معهد ماك بلانك الألماني (20 جائزة) نجح في احتلال مركز في هذه القائمة بجانب الجامعات الأميركية.
ويختلف تصنيف الجامعات تبعا لاختصاص الجائزة.
وتهيمن جامعة روكفيلر على جوائز نوبل للطب، مع 13 جائزة بينها تلك التي نالها تشارلز رايس وهو من بين ثلاثة فائزين حصدوا جائزة نوبل للطب الاثنين عن اكتشاف فيروس التهاب الكبد سي. وتليها جامعة هارفرد مع 12 جائزة، وكامبريدج مع سبع جوائز.
ويحتل معهد باستور الفرنسي موقعا جيدا أيضا في تصنيف جوائز نوبل للطب، مع أربع مكافآت في رصيده آخرها سنة 2008 لحساب فرنسواز باريه-سينوسي عن مساهمتها في اكتشاف فيروس "إتش أي في" المسبب لمرض الإيدز.
وتحتل جامعة كاليفورنيا الصدارة على صعيد جوائز الكيمياء (12 جائزة) والفيزياء (11). ويكمّل تصنيف الجامعات المتصدرة في الكيمياء معهد ماكس بلانك وجامعة كامبريدج (11 جائزة لكل منهما)، فيما يكمّل معهد "كاليفورنيا إنستيتيوت أوف تكنولوجي" وجامعة هارفرد تصنيف أكثر الجامعات فوزا بجوائز نوبل للفيزياء مع 8 مكافآت لكل منهما.
وأخيرا على صعيد جوائز الاقتصاد، تتصدر جامعة شيكاغو التصنيف مع 12 جائزة، تليها جامعة كاليفورنيا (8) وهارفرد (7).
وبعيدا عن المؤسسات الجامعية العريقة المذكورة، نجحت جامعات أخرى في تحقيق نتائج مشرّفة على هذا الصعيد. فمنذ 2010، فاز معهد هاورد هيوز الطبي بأكبر عدد من جوائز نوبل (مع 6 جوائز توزعت مناصفة بين الكيمياء والطب). وفي فرنسا، حصدت جامعة ستراسبورغ ثلاث جوائز نوبل (اثنتان في الكيمياء وواحدة في الطب).