هاشم حنون في محاولة لخلق حياة أخرى

الفنان العراقي يعيد ترتيب المشاهد والصور وتأثيثها وفق إحساسه المرهف ومجساته التي تدله إلى منابع أسرار هذه الحياة.
بورخس: إننا بحاجة إلى الخيال كي نواجه تلك الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء.
أرنست فيشر: الفن لازم للإنسان حتى يفهم العالم ويغيرهُ، وهو لازم أيضا بسبب هذا السحر الكامن فيه

 يقول أرنست فيشر: "إن الفن لازم للإنسان حتى يفهم العالم ويغيرهُ، وهو لازم أيضا بسبب هذا السحر الكامن فيه". 
يضاف لذلك الرؤية الفنية التي يمتلكها الفنان تجعله قادرا على استخدام عناصرها وتشكيلاتها. والسحر الكامن في الفن هو الذي يعطي لهُ تلك القوة الخفية التي تجعل الفنان والمتلقي على حد سواء، يشعرون بأن لديهم قدرة خارقة وطاقة كبيرة للعيش في حياة كلِّية أكثر اتساع ولا تقف في حيز وأفق محدود.
هاشم حنون في معرضه الأخير الذي أقيم في مدينة فكتوريا يقدم هذه الرؤية وهذا الأفق الرحب لحياة أخرى، هو يعيد ترتيب وتأثيث المشاهد والصور وفق إحساسه المرهف ومجساته التي تدله إلى منابع أسرار هذه الحياة وطريقة عيشها بنمط آخر لم نألفه من قبل، حيث لا فرصة لوجود القتلة واللصوص وتجار السلاح والدماء والساسة الفاشلين في هذه الحياة التي يخلقها لنا هذا الفنان. 
يقول بورخس: "إننا بحاجة إلى الخيال كي نواجه تلك الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء". إذا لا نجاة لدينا من الحزن والكآبة والدمار والبؤس الذي يسود هذا العالم سوى الخيال والرؤى التي يمتلكها المبدع. فهاشم حنون يؤسس بالرسم عالما آخر يقوم على أنقاض الماضي من خلال إقامة علاقات بصرية وروحية بين ذاته المبدعة وبين العناصر والأشكال التي يستخدمها في أعماله لخلق عالم آخر مدهش، تسكنهُ هالة مفعمة من الفرح والطاقة الإيجابية والتي تنتقل بعد ذلك إلى المتلقي عبر رؤيته لهذه الأعمال. 
إذن هو لا يرسم فقط، وإنما يمعن في بناء هذه العلاقة الروحية والذهنية والتي تتناغم عبر اللون والشكل مع ذواتنا القلقة والباحثة عن الفرح والحب. 
في لوحة الباص الذي يأتي عبر شوارع المدينة المفعمة بألوان المرح هو يعيدنا إلى دور الطفولة والصبا وهما شرطا الأمل والبقاء للإنسان لحياة خالدة. في هذه اللوحة وأغلب لوحات هذا المعرض نجد أن الألوان الدافئة قد تسيدت فضاءات اللوحة حيث اللون الأحمر والبرتقالي وتنوع التونات اللونية لهما قد خلق انسجام هرموني مثير لتصوير حركية هذه الحياة والدفء الذي يسكنها، والقسم الآخر من أعمال هاشم حنون في هذا المعرض نجد تسيد اللون الأزرق البارد بكل توناته برفقة اللون الوردي مع انكسار أو تضاد عبر اللونين الأحمر والبرتقالي في بقع لونية منتشرة في منظور العمل أو في الكتل اللونية الأخرى التي عمل في بنائها بطريقة تدل على حرفية عالية نتيجة ممارسة لونية طويلة، فالصياغات والأنساق والأضداد اللونية التي يعمل عليها هاشم حنون في بناء عالمه الفني الخاص بالمدن أو مواضيع أخرى ستبدو ضعيفة ومفككة لو يتعامل معها فنان آخر لا يملك ما يمتلكهُ هاشم حنون من مهارات عالية في الرسم ورؤية فنية مقتدرة، وهذه هي التي تمنح الفنان الدهشة والقدرة على بناء تجربة فنية متفردة. 

المثير في عوالم ومدن هاشم حنون والتي يختلف فيها عن معاصريه من الرساميين العالميين الذين عُرف عنهم رسم المدن هو أننا لا نجد أثرا لشخوص، أي ليس هناك وجود للأطفال والنساء والرجال، ولكن الصورة الذهنية التي تولد لدينا تجعلنا نرى هذه المدن والأعمال وكأنها مليئة بالبشر، ولكن من دون أشكال محدده لهم كوجوه وأجسام! 
إذن كيف تلاعب الفنان فينا عبر هذا التشكيل البصري الرائع. كيف خلق حالة ذهنية وروحية جعلتنا نشعر بوجود الناس ونعيش معهم في تلك المدن، السبب هو طريقة البناء التي أعتمدها الفنان في بناء فضاءات ومنظور هذه الأعمال عبر بقع وكتل لونية تنتشر بطريقة ساحرة هنا وهناك، وعبر استخدامه لتونات متعددة من الألوان وخصوصا الدافئة وتضاداتها لخلق هذه الحالة وجعلنا نشعر أن مدنه مسكونة بالناس والفرح والمتعة ولا تجد للكآبة والحزن أي حيز هناك. 
الإنسان يحلم بالسيطرة على هذا العالم والواقع الذي يعيشهُ بوسائل خارقة وغير مألوفة لإخضاعه لسيطرته و"الرسم" أحد هذه الوسائل التي يحاول من خلاله الإنسان وخصوصا الفنان من تغير هذا الواقع وإعادة تشكيله من جديد بروح وشكل يلائم تطلعاته وآماله وهذا ما يفعلهُ مبدعنا هاشم حنون.