هدوء حذر في الخرطوم مع استئناف المحادثات بين العسكريين والمحتجين

الهدوء يعود إلى ساحة الاعتصام بالخرطوم مع استئناف المحادثات بين المجلس العسكري وقادة الاحتجاجات بعد ليلة دامية أسفرت عن مقتل 6 أشخاص خلال إطلاق نار في ساحة الاعتصام.
المتظاهرون يتهمون النظام السابق بعد أعمال العنف الليلية
مقتل 6 أشخاص في إطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين
واشنط تحمل المجلس العسكري مسؤولية الأحداث الدامية ليل الاثنين

الخرطوم - استأنف قادة الحركة الاحتجاجية في السودان محادثاتهم مع القادة العسكريين الثلاثاء، استنادا إلى الاختراق السياسي الذي تحقق قبل يوم وخيّم عليه إطلاق نار تسبب بمقتل ستة أشخاص في موقع الاعتصام خارج مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم.

وتطالب الحركة الاحتجاجية بانتقال للسلطة يقوده المدنيون بعد 30 عاما من حكم الرئيس عمر البشير، إلا أن القادة العسكريين الذي أطاحوا به يضغطون للمحافظة على دورهم القيادي.

وقتل ضابط برتبة رائد وخمسة متظاهرين في إطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين في ساحة الاعتصام وسط الخرطوم في وقت متأخر الاثنين، بعد ساعات من الإعلان عن تحقيق اختراق في المفاوضات بين قادة التظاهرات والعسكر بشأن هيكلية وسلطات الهيئات التي ستشرف على العملية الانتقالية.

وهي المرة الأولى منذ عزل الرئيس السابق عمر البشير في 11 نيسان/أبريل تقع فيها أعمال عنف دامية في موقع الاعتصام.

وكانت الأجواء ملبدة صباح الثلاثاء في موقع الاعتصام. وبسبب الحرارة والصيام كان عدد كبير من المعتصمين لا يزالون نائمين داخل خيمهم والتي كانت تكتسي باللافتات وصور جرائم النظام السابق والإبادة في الأقاليم مثل دارفور.

 ووجه المتظاهرون السودانيون الذين لا يزالون تحت صدمة مقتل رفاقهم، أصابع الاتهام إلى مناصري النظام السابق معتبرين أنهم لا يزالون يسعون إلى القضاء على تحركهم الشعبي.

وألقت الولايات المتحدة باللوم على المجلس العسكري الانتقالي بعد الحادثة.

وقالت السفارة الأميركية بالخرطوم في بيان الثلاثاء إن "الهجمات المأساوية أمس على المتظاهرين والتي أدت إلى مقتل ستة أشخاص على الأقل وجرح مائة أو أكثر، من الواضح أنها كانت نتيجة لمحاولة المجلس العسكري الانتقالي فرض إرادته على المتظاهرين بمحاولته إزالة المتاريس".

لكن المجلس العسكري نفى مسؤوليته مؤكدا "وجود مندسين مسلحين بين المتظاهرين" في ساحة الاعتصام يرغبون "في تخريب المفاوضات مع قادة حركة الاحتجاج حول نقل السلطة إلى حكومة مدنية"، دون أن يحمّل أي جهة مسؤولية ذلك.

واعتبر تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير الذي نظّم الحركة الاحتجاجية وتفاوض مع المجلس العسكري، أن هدف عمليات إطلاق النار كان التأثير سلبا على الاختراق الذي تحقق متهما العناصر التي لا تزال موالية للنظام السابق بتدبيرها.

وقال أحد قادة التظاهرات إن قادة الحركة الاحتجاجية استأنفوا محادثاتهم مع ممثلي المجلس العسكري بعد الظهر.

ويتوقع أن يناقش الطرفان تشكيلة الهيئات الانتقالية، وهو أمر اختلفا عليه خلال الفترة الماضية.

ويطالب قادة الحركة الاحتجاجية بأن يقود المدنيون هذه الهيئات وبأن يشكلوا الأغلبية فيها مع تمثيل للعسكريين.

وبينما أبدى الجيش استعداده للقبول بحكومة مدنية بمعظمها، إلا أنه طالب بأغلبية للعسكريين في مجلس سيادي مقترح تعود الكلمة الفصل إليه في شؤون الدولة.

ويشمل جدول الأعمال كذلك مدة الفترة الانتقالية إذ يدعو الجيش لإطار زمني لمدة عامين بينما يطالب المتظاهرون بأربع سنوات لإتاحة الوقت لإدخال مجموعة من الإصلاحات التمهيدية التي يعتبرونها ضرورية.

ويأتي استئناف المحادثات التي بدأت الاثنين بعد توقف المفاوضات وتهديد قادة الحركة الاحتجاجية بالتصعيد لضمان تولي المدنيين الحكم. ودفع ذلك المتظاهرين لمواصلة اعتصامهم دون انقطاع منذ الإطاحة بالبشير.

وتحولت ساحة الاعتصام إلى مركز للحركة الاحتجاجية بدلا من التظاهرات التي كانت تخرج يوميا في كافة أنحاء البلاد قبل الإطاحة بالبشير.

لكن غداة أعمال العنف التي تخللت الاعتصام في الخرطوم، عبّر المتظاهرون عن غضبهم الثلاثاء في مدينة أم درمان المجاورة.

وتجمّع المتظاهرون في حيي العبّاسية والعرضة في أم درمان حيث هتف كثيرون بشعارات مناهضة للمجلس العسكري، وفق ما أفاد شهود عيان. وهتف المتظاهرون "يا وطنك يا تجهّز كفنك".

وفي العرضة، أغلق بعض المتظاهرين الشوارع باستخدام إطارات مشتعلة، بحسب شهود أشاروا إلى انتشار الجنود في المكان.

أما في الخرطوم، فعاد الهدوء إلى ساحة الاعتصام بعد أعمال العنف التي شهدتها الليلة السابقة، وفق ما أفاد شهود عيان على عين المكان.

وبالنسبة إلى بعض المتظاهرين لا شك أن أنصار النظام السابق مسؤولون عن أعمال العنف هذه الرامية إلى عرقلة نقل السلطات إلى المدنيين.

ونفّذ فنانون رسوما جدارية تصور القتلى على متاريس أقيمت في محيط ساحة الاعتصام.

واحتمت مجموعة من المتظاهرين الشباب من أشعة الشمس الحارقة تحت علم كبير للسودان بينما رفعوه وجابوا ساحة الاعتصام. وهتف المحتجون "الطلقة لا تقتل ما يقتل هو صمت الناس".

وبدت الساحة نظيفة بينما تم جمع أكياس القمامة التي امتلأت بفضلات ما حدث من فوضى ليل الاثنين.

وأفاد المتظاهر هشام السيّد "هذا عمل النظام السابق القذر" مشيرا إلى أن عناصر نظام البشير يتبعون سياسة "فرّق تسد". وأضاف "من يريد حماية الثورة (...) لا عليه إلا أن يحمي متاريس الاعتصام".

بدوره، اتهم المتظاهر عبود حسن (45 عاما) عناصر "قوات الدعم السريع" المساندة للجيش بإطلاق النار. وقال "نحن نتهم قوات الدعم السريع بارتكاب ما حدث (...) هذه قوات غير قانونية".

وقال "لن نثق بهؤلاء بعد الآن. كان من المفترض أن يحرسوا المتظاهرين".

وتتكون قوات الدعم السريع من ميليشيات سابقة لكنها منضوية في الجيش.

وكثيرا ما يشاهد عناصرها منتشرين عند تقاطعات طرق رئيسية في شاحنات صغيرة مزودة برشاشات. ويشغل قائد المجموعة محمد حمدان دقلو، الملقب حميدتي، منصب نائب رئيس المجلس العسكري.

وأما الأطباء الذين لعبوا إلى جانب مهنيين آخرين دورا رئيسيا في تنظيم التظاهرات، فأقاموا عيادات ميدانية في ساحة الاعتصام حيث قاموا بمعالجة الجرحى جراء عمليات إطلاق النار يوم الاثنين.

وقال أحد الأطباء "جميع الحالات مستقرة حتى الآن، وتم نقل الأشخاص الذين بدت حالاتهم غير مستقرة إلى المستشفى".