هدى الفيتوري تدعو إلى تحرير الفكر من قيد التقليد

الباحثة الليبية تبحث في التأثير اليهودي والمسيحي على الحركات الإسلامية: الإخوان المسلمون والسلفية الجهادية نموذجان.  
المؤلفة تتحدث عن حركة الإخوان المسلمين من الإصلاح الديني إلى التنظيم السياسي
توظيف الدين في السياسة، وتصلّب المبدأ عند السلفيين

تَعرّض الوطن العربي إلى تأثيرات مباشرة وغير مباشرة، فرضتها قُوَى الاحتلال الغربي، ويُعدّ القرن التاسع عشر قرن التوسع الاستعماري للغرب الأوروبي إذ جاءت الهيمنة السياسية والاقتصادية الأوروبية على الوطن العربي مصحوبة بآثارها الاجتماعية والدينية، تعبيرًا واضحًا عن ذلك.
هذا ما تستهل به هدى الفيتوري، باحثة ليبية في قسم الفلسفة بجامعة بني غازي، كتابها "التأثير اليهودي والمسيحي على الحركات الإسلامية: الإخوان المسلمون والسلفية الجهادية نموذجان".  
هذا الكتاب الصادر عن مؤسسة أروقة يتكون من ثلاثة فصول، في الأول منها تتناول الكاتبة عدة مفاهيم واصطلاحات، منها مفهوم الدين، الأصولية، السلفية، إلى جانب توضيح علاقة الأصولية بالسلفية، وبالإصلاح الديني. وفي الفصل الثاني تتحدث الفيتوري عن البعد التاريخي وتطور الحركات الإسلامية، متناولة بالحديث نشأتها ومدلولها، والحركة السلفية الإصلاحية وعلاقتها بالأصولية الإسلامية، وكذلك الحركة الوهابية وعلاقتها بالسلفية الجهادية. أما الفصل الثالث فقد خصصته الفيتوري لمناقشة علاقة الدين بالسياسة في الفكر الديني اليهودي والمسيحي. 
كما تتحدث في هذا الفصل كذلك عن حركة الإخوان المسلمين من الإصلاح الديني إلى التنظيم السياسي، وعن توظيف الدين في السياسة، وعن تصلّب المبدأ عند السلفيين.
الفيتوري تبدأ الفصل الأول بذكر المعنى اللغوي للدين، فتقول إن كلمة دين هي كلمة عامة، حتى ليبدو وكأنها تُستعمل في معانٍ متباعدة، بل متناقضة، فالدين هو الملك، وهو الخدمة، والذل، والإكراه، والإحسان، والعادة، والعبادة، وهو السلطان والخضوع، وهو الإسلام والتوحيد، وهو اسم لكل ما يُعتقد أو لكل ما يُتعبّد به. أما مصطلح الأصولية فتورد الكاتبة تفسير رابعة جلبي له والتي ترى أن دلالته تختلف بحسب البنية الثقافية التي تستخدمه، إذ يعني هذا المصطلح التمسك بأصول الدين والاحتكام إليها في المدلول الإسلامي، لكنه يأخذ معاني حديثة ترتكز على المفهوم الغربي، إذ كانت هذه التسمية تُطلق على تيار محافظ في اللاهوت البروتستانتي، ومن خلال هذا المفهوم يُستخدم هذا المصطلح للدلالة على الاتجاهات المتشددة عمومًا، وأصبح في الآونة الأخيرة له دلالة على جماعات الإرهاب السياسي ذات البعد الديني.
كذلك تُورد الفيتوري تعريف الإصلاح الديني كما يراه محمد عمارة، والذي نقله بدوره عن الإمام محمد عبده. عمارة يرى أن الإصلاح الديني يعني تحرير الفكر من  قيد التقليد، وفهم الدين عن طريق سلف هذه الأمة، قبل ظهور الخلاف، والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى، واعتباره ضمن موازين العقل البشري التي وضعها الله لترد من شططه، وتقلل من خلطه وخبطه، لتتم حكمة الله في حفظ نظام العالم الإنساني.
هذا وتبدأ الفيتوري الفصل الثالث والذي تتناول فيه الحركات الإسلامية، قائلة إن مجرد الحديث عن نشأة الحركات الإسلامية، يلزم الباحث بمُسلَّمات وافتراضات عدة، تبدأ من قبول الوصف الذاتي لهذه الحركات بأنها إسلامية، وتمر عبر رسم الحدود بين إسلامية هذه الحركات ولا إسلامية غيرها، ثم تقول إن بروز ونشوء الحركة الإسلامية السياسية المعاصرة في مصر هو تعبير عن أزمة عامة، كان سياقها مواتيًا لصعود الحركات الاحتجاجية بصفة عامة، ولا سيما الحركات الإسلامية السياسية، ولعل أهم معالم تلك الأزمة: 
الأزمة الاجتماعية الثقافية ومن أهم تجلياتها الفساد، تعثّر جهود التنمية الاجتماعية، مشكلة الهوية والانتماء القومي، التحديث المُشوّه وهشاشة الخطاب الديني الرسمي، كل هذا إلى جانب الأزمة الاقتصادية والأزمة السياسية. بعد ذلك تتحدث الفيتوري عن الحركات الأصولية الإسلامية ومنها جماعة "الإخوان المسلمون" التي خرجت من عباءة الدعوة السلفية الإصلاحية ثم تحولت من جماعة دينية إلى جماعة سياسية. 
الفيتوري ترى أن معظم التحليلات حول الحركات الإسلامية تُرجع مسئولية نشأة حركات العنف إلى التوجه الفكري المُعارض للسياسة بمفهومها التقليدي، وخاصة تجلياته عند سيد قطب.