هزائم الكبار

في الرياضة تتفرج الجماهير على اللاعبين وهم يلعبون. في السياسية في العراق، يتفرج الساسة على الجماهير ويلعبون بهم.

كانت نتائج مونديال كأس العالم 2018 الذي أقيم في روسيا، مذهلة على نحو غير متوقع، فبعد ان كانت التخمينات والتوقعات تتحدث عن الابطال، جاءت النتائج بخلاف كل ما تحدث به الجميع، وهو ما يكشف ان التغييرات التي تحصل في الرياضة تشبه التغييرات التي تحصل في المشهد السياسي لكنها بطعم مختلف في العراق هذه المرة.

يمكن القول بصراحة ان نتائج انتخابات العراق التي أجريت في 12 ايار/مايو 2018، جاءت متزامنة مع نتائج مونديال كأس العالم حينما سقط الكبار دفعة واحدة، وهو ما شكل فرحة كبيرة للعراقيين الراغبين برحيل الوجوه التي انتهت صلاحيتها، لكنه من جهة أخرى رافقه حزن عند رحيل الكبار في عالم الرياضة.

وجاء اداء الكبار في كأس العالم غير مرضي ذكرنا بخسائر الكبار هنا في عالم السياسة في بلاد وادي الحرامية، "العراق سابقا"، لكن الفرق كبير بين ما يحدث في عالم الرياضة وما يحدث في المشهد السياسي، لكن يمكن القول ان السقوط واحد.

فرحنا كثيرا بالخاسرين هنا في المشهد السياسي وتعالت الافراح بشكل كبير، من قبل المواطنين المضطهدين من هذه الطغمة السياسية الفاسدة، لكننا شعرنا بالحزن على هزائم الكبار في الرياضة، ففي السياسة سيكون هناك دور ثاني وتأهيلي لصعود الخاسرين وفي الرياضة ستبقي الهزيمة ذكرى وتاريخ مسجل ولن يمحى.

في الرياضة، هناك تقبل للهزيمة والخسارة، وهو ما يدفع الخاسرين إلى مراجعة اخطائهم، في السياسة لا رجوع عن الاخطاء، فكلما زاد الخطأ كلما أزداد الضحايا، ولا احد يتقبل الخسارة، الخسارة تعني مزيدا من الفوضى والخراب، سيشعلها احدهم.

في الرياضة، الجميع يستمتع بما يقدمه اللاعبون والمنتخبات، لكن في السياسة، الكتل والاحزاب تستمتع بك أيها المواطن المسكين، وتجعل منك كملعب كبير ليس له نهاية، وتمضي بقية حياتك هكذا خائبا من جميع الاتجاهات.

في الرياضة، لا مستحيل في الفوز، حتى سماع صافرة النهاية، فهي الحاسمة، في السياسة لا توجد صافرة للنهاية، كل شيء مخطط له ومدروس لنهب المواطنين، المستحيل هو كيف يمكن الحصول على فرصة مناسبة لانهاء كل شيء بتسديدة مباغتة، تقضي على افعال اللصوص، الذين تنكروا بصفة سياسيين.

في الرياضة، هناك مدرب وله عدد من المساعدين، يقدمون النصائح ومعالجة المشاكل ويقترحون عليه الحلول وايجاد مخارج لكل ازمة تحصل معهم، في السياسة، هناك قائد واحد، ومتملقين كثر، يصفقون له ولا يقترحون، يرون المشاكل فيغضون عنها، يرسمون له الحياة بشكل بنفسجي، يعيشون على صناعة الفوضي وزيادة نسبة الكوارث والمشاكل.

في عالم الرياضة، ننتظر 4 سنوات، لكي نستمتع بمشاهدة المنتخبات والفرق الرياضية والمشجعين، والجمال الخلاب للمشجعات الذي يتناثر على مدرجات الملاعب مثل الزهور، وهو أيضا يكشف ثقافة الشعوب ويتبادل الناس هناك بتراثهم وثقافاتهم بين الأمم.

في السياسة، تمر علينا 4 سنوات من التعذيب والسرقة وضياع الفرص وصعود شخصيات فاسدة إلى الواجهة، تسعى للحصول على مكاسب ونفوذ، وتمر علينا أزمات ومواقف لا تحدث في اي بلد في العالم، سوى في العراق، وكل ذلك بفضلنا نحن الساكتون على كل ما يحصل.

في السياسة والرياضة، المواقف تتشابه والاحداث تختلف والخاسرون هنا وهناك مروا بلحظة تاريخية واحدة، لكن لكل منها تأثير وحزن وفرح لا يمكن نسيانه، وهو ما قد يشكل لنا في العراق بمشهده السياسي المرتبك، فرصة جديدة لكتابة وتصحيح كل الاخطاء الكارثية التي حصلت معنا.

هذا يعني ان نقف ونواجه ما حصل، وليس الهروب من المسؤولية والاكتفاء بالصمت، والذي كلفنا الكثير خلال الاعوام الكثيرة التي مررنا بها دون ان نسعى لأن نكون دولة محترمة لها سيادة وحضور قوي في المنطقة، بدل ان تكون الدولة الاضعف من بين الدول التي تعاني ربما مشاكل سياسية وامنية لكن بدرجة اقل.