هشام جعيط يحلل دوافع العرب والمسلمين في شعار حوار الحضارات

حوار الحضارات ليس حوار الكلمات في ملتقيات صغيرة، هو أكثر من ذلك. إنه شعار في النهاية لا أكثر ولا أقل ولا أؤمن به.
العرب تنقصهم ثقافة عالمية للاندماج مع الحداثة
من خلال الحرب على العراق أرادت أميركا أن تركز أقدامها وتهيمن على الشرق الأوسط وعلى العالم
أنا من الناس الذين يؤمنون بالديالكتيك واعتبر أنها تاريخية وليست فلسفية

يعتبر المفكر والمثقف التونسي هشام جعيط من أبرز وأهم المفكرين العرب في مجالات الحضارة والتاريخ. حصل على الدكتوراه من جامعة باريس عام 1981 حول التاريخ الإسلامي، وله عديد الإسهامات في الندوات والفعاليات العربية والعالمية إلى جانب مؤلفاته العديدة ومنها: "الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي") الصادر عام 1974)، و"أوروبا والإسلام" عام 1978 و"الكوفة ونشأة المدينة العربية الإسلامية" عام 1986، و"الفتنة" عام 1989، و"في السيرة النبوية" الجزء الأول عام 1999، و"أزمة الثقافة الإسلامية" عام 2001. وهو أستاذ متميز في جامعات تونس.
أجرينا معه الحوار التالي:
•    الشعر بما أنه ديوان للعرب كما قيل، فهل يمكن له أن يلعب أدواره كفعل جمالي في منظوماتنا الثقافية والاجتماعية كعرب؟
ـ- بالطبع، الشعر من أهم الفنون وهذا عند كل الشعوب وليس فقط عند العرب، مثلا في أوروبا في القرن التاسع عشر، وفي ألمانيا بالخصوص هيغل وغيره نظروا وأعطوا قيمة كبرى للشعر، بحيث من الخطأ القول إن هذا الأمر عند العرب وحدهم، فعند اليونان كما نعلم أعظم كتاب شعري هو "الإلياذة والأوديسة" لهوميروس. صحيح أن الشعر لعب دورا كبيرا عند العرب ومن حسن الحظ أن الإسلام لم يوقف هذا التيار. أنا دائما أعجب من قوة الشعر العربي وجماله وخصوصا من ناحية الكل فهناك موسيقي في الشعر العربي لا تجدها مثلا في الشعر اللاتيني الذي أعرفه. الشعر العربي لعب دوراً كبيراً في ثقافتنا أولا كل الناس ــ تقريباً ــ كانوا شعراء في الجاهلي والكلاسيكي لكن هناك الشعراء الكبار وهم ليسوا كثرة نجد الفرزذق وجرير وإبان العهد العباسي وازدهاره نجد أبا نواس وأبا العتاهية وبشار، فقط من كبار الشعراء وفي العصر العباسي الثاني نجد أبا تمام والبحتري وابن الرومي ونصل الي المتنبي.. فهم إذن قلة. 

Arab thought
لا أؤمن بمقولة "حوار الحضارات

ومن ناحية ثانية فالحضارة العربية الإسلامية في عصور الازدهار كان الاهتمام خلالها كبيرا بالشعر عند اللغويين والنحويين وجميع الفئات الاجتماعية، وكان الشعر محصورا في المديح والهجاء والرثاء والخمريات والغزل، وهناك أصناف لا يمكن للشاعر تجاوزها ومع ذلك فهي أصناف لا تمكن الشاعر في أن تندلق حريته المطلقة، فعندما نقرأ هؤلاء الشعراء نجد الخيال والصور والحساسية المرهفة حتي عند شخص مرتزق مثل البحتري. إنما هناك فرق كبير بين حياة هؤلاء الشعراء، وهي كما قال القرآن الكريم عنهم، هذا صحيح إنما في أشعارهم الشيء الكثير. ثم ينبثق الشعر الفارسي مع حافظ وغيره ومع النهضة الحديثة في القرن التاسع عشر هناك شعراء من الطراز القديم والمحدث لكن هناك تقليد. والاهتمام الحالي بالشعر لدي الشباب والشعراء الصغار لافت لأن الجميع صاروا يقولون الشعر الذي هو ليس بالموهبة فقط بل قد يكون في صيغة التفكير إلى آخره. ولعل تحريم الصورة والرسم في الفترات الكلاسيكية قد أضعف كثيرا وأفقد الحضارة، ولهذا انكب الشعراء على اللفظ، فالحضارة العربية هي ثقافة اللفظ والصورة كانت من خلال الكلمات الشعرية. 
أنا عدت إلى ديوان ابن الرومي واعتبره رساما مُنِع من الرسم فرسمه باللفظ والكلمة. فالأفضل تربية الشباب على هذه الحساسيات والفنون كالرسم والنحت الذي هو بقلة.
* رفع العرب والمسلمون منذ عقود قريبة شعارا من قبيل "حوار الحضارات" أو "التحاور الحضاري" فهل من قراءة لدوافع ذلك؟
ــ يا أخي أنا شخصيا سأصدمك.. أقول بأنني لا أؤمن بهذه المقولة "حوار الحضارات" بل هي شعار يرفع في كثير من البلاد العربية وحتى الإسلامية لسبب من الأسباب، وكل بلد له أسبابه ايضا، ومثلا في إيران رفع هذا الشعار وهو سياسي من أجل تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة في إطار صراع داخلي. وفي ما يخص البلدان العربية الأخرى فحوار الحضارات والتسامح أيضا هو نوع من مصادمة تفسير التيارات الإسلامية، فالمحاور هو الغرب ليس إلا، نحن لا نحاور الصين حضاريا، لا نحاور البوذية، لا نحاور اليابان، ولا نحاور أفريقيا، ولا الحضارات الأخرى الموجودة بل فقط محاورة الحضارة الغربية الآن بما يعنيه ذلك من تكنولوجيا وعلاقات سياسية وإعانات مالية عبر البنوك الكبرى ومشكلة النمو الاقتصادي، أما ما يقال عنه الحوار الحضاري، فهو ليس بهذا الأمر لأن في الحوار الحضاري هناك تقبل واستماع إلى همسات الحضارة الأخرى وما يعطيه هذا الآخر من أفكار قد نقبلها أو نرفض بعضها، ومن جملة هذه الأفكار التي أراها وجيهة، الحريات والثقافة السياسية والديمقراطية وحرية المعتقد الإنساني والابتعاد عن الصراعات الحربية والمسلحة، فالحضارة الغربية لها العطاء الكثير ولا نرى هذا عندنا ونحن نتعلم اللغة الإنكليزية أكثر من أي لغة أخرى لكن ذهننا منغلق في الحقيقة إزاء الثقافة الغربية سواء الثقافة الفلسفية أو الفنية أو أمور أخرى مهمة جدا.
فكل ثقافتنا هو إرث فلكلوري ففي الموسيقي أو في الفنون ليس لدينا أي متحف للفنون الجميلة والمعاصرة وهي عالمية وموجودة في كل العالم، فالمتحف الموجود في الجزيرة العربية أظنه في قطر فقط واعرف أن في العراق قبل الحرب هناك متحف جيد للفنون والرسم وهناك بعض الأشخاص من الفنانين السعوديين الذين يعيشون في باريس. نحن لا نثقف أبناءنا في مجال الفن العالمي، في مجال الموسيقي والفن التشكيلي ونقول لا..  هذه غريبة ولا نعلم أبناءنا أيضا الفن الإسلامي في المعمار وغيره. هناك قيم أساسية من وجهة أخلاقية ومن وجهة حضارية تكون ما نسميه بالحداثة. الحداثة هي أولا منظومة قيم فيها الجيد وكلها جيدة إنما الممارسة مسألة أخرى لأن البشر بشر. هذه القيم غير منبثة في العالم العربي وحتى الإسلام غير منبث بحيث كيف يمكن ان نتكلم عن حوار الحضارات. ومن جهة ثانية لكي يكون حوار للحضارات يجب أيضا أن تنفتح الحضارات الكونية على عوالم أخرى وهي لا تهتم بالعطاء العربي أو قلما يحدث ذلك وهي لا تهتم وبالتالي كيف يمكن لنا أن نجعلها تهتم بما يقع ويحصل في بلدان من العالم العربي؟ وبالنسبة إليهم العرب كذا وكذا.. وإرهابيون لا ينتجون ولا يخترعون، ولم يدخلوا في الحضارة الصناعية، وهم مستهلكون ليس إلا.. كيف يمكن أن ينصت إلينا هؤلاء الناس وعندما أقول هؤلاء الناس ليس معناه فقط المثقفون بل من لهم القيادة وبالخصوص المعنيين بالتكنولوجيا والاقتصاديين والعلماء. عندما يكون لنا إنسان موهوب في الفيزياء مثلا يذهب إلى أميركا فينتج ويبدع ويأخذ جائزة نوبل. 
لم نحاول ولو محاولات صغيرة أن نوجد في بلداننا العربية ولو بؤر من البحث العلمي الصميم ولو بالتعاون مع الغربيين وهذا لا يتكلف الكثير من الأموال. فكل هم القادة هو أن يبقوا في الحكم أطول مدة وأن يعطوا للناس ما يمكن اعطاؤه من الإمكانات المادية وقد أصبحنا مجتمعات استهلاكية ــ أنا لست ضد الاستهلاك ــ ولكن لا بد من الإنتاج أيضا في جميع الميادين وكل هم المجتمع كونه خُيّر تحذيرا كبيرا فشعلة وجذوة الإبداع ماتت. 
عرفت في تونس أناسا من الجيل القديم الذي تكون في عهد الاستعمار مات أغلبهم وبقي بعض الشيوخ مستواهم الثقافي أرقي بكثير حتى في العربية، بحيث ليس هناك تفكير استراتيجي في هذه المسائل، كيف يمكن حوار حضاري بينما لا توجد استراتيجية حضارية وثقافية بالمعني الثقافي العميق وليس بمعني وزارات الثقافة من رؤى ومشاريع وتفكير، ونقول أيضا ربط علاقة بين النخب داخل كل بلد، النخبة الاقتصادية، النخبة الفكرية وغيرها داخل كل بلد وفيما بين البلدان العربية.. فالعالم العربي غرب وشرق بل ينقسم الي المتأوربين الذين دخلتهم الحداثة منذ القرن التاسع عشر والآخرين الذين لهم أموال ولكنهم يعتبرون كمتخلفين. 
هذا الحاجز موجود.
هناك مركبات نقص كبيرة وأمراض نفسية وليست حداثية، مركبات نقص إزاء الأميركان. ليس هناك تفكير قديم. أنا لا أقول هذا لاعتبر نفسي أحسن من غيري.. أنا لا أعتبر أن كل ما هو أميركي يعجبني بالضرورة. ثم ان حوار الحضارات ليس حوار الكلمات في ملتقيات صغيرة، هو أكثر من ذلك. إنه شعار في النهاية لا أكثر ولا أقل ولا أؤمن به.

•    يشهد العالم تبدلات ومتغيرات رهيبة وشاملة ومتسارعة فإلي أي حد تقبل أو هضم العقل العربي هذه التحولات؟
ـ- التحولات الموجودة الآن متعددة في مجالات التكنولوجيات الجديدة والإعلام والعولمة وسقوط الشيوعية والاتحاد السوفييتي وتطور الصين في اتجاه الحداثة والحركات الإسلامية وكل هذه التحولات خلال العشرين عام الماضية مهمة في العالم إلا أن العقل العربي إذا قصدنا به المثقفين والمفكرين والإعلاميين بقي بعيدا عن هذه المتغيرات، السياسيون والاقتصاديون أقرب من المفكرين في معالجة هذه القضايا لأنهم ملتصقون بالواقع ولكنهم ــ حتى أهل السياسة ــ مثلا في ما يخص قضية الديمقراطية وهي قضية مطروحة في الحقبة بقوا عاطلين ومتشددين ولم يحولوا نظرتهم إلى العالم وإلى المجتمعات بحيث إنني غير مرتاح كثيرا لوضعية العالم العربي سواء من وجهة القادة السياسيين أو من وجهة المفكرين. هناك تخبط في المشاكل من دون عقلانية ومن دون هضم حقيقي لمتطلبات العصر ومن دون إرادة حقيقية للتطور ولحل المشاكل الكبري. وهناك مشاكل أخرى اعتبرت أو قدمت في الكتب وفي الصحافة على أنها مشاكل مهمة وفي الحقيقة هي مشاكل مصطنعة من مثل ذلك قضية التراث والحداثة وأمور من هذا القبيل وهي أمور مصطنعة وصارت الآن تقليدية، والفكر العربي ما زال متعبا ومرهقا وإن بدا عليه الانفتاح فإنه ليس منفتحا في الحقيقة. مثلا القوميون العرب ما زالوا يفكرون بتفكير الفكر الناصري، ولم يحاولوا طرح مشكلة التعاون وخلق أجوائه وفهم أموره على حقيقتها ولم يتطوروا أبدا. فكل من يكتب عن هذه القضايا في مجلة "المستقبل العربي" وغيرها وهم من الجيل القديم لم يطوروا تفكيرهم، وهناك قادة مثلا غير قادرين على حسم الأمور على الرغم من الضغوطات الكثيرة في العالم. مثلا التقيت بعناصر في السعودية وخارج السعودية وهي عناصر محافظة وحين نتكلم عن مفهوم الحرية فهم يلعنون هذا المفهوم أو ذاك، وهناك مفكرون منفتحون، وفي بلدان أخرى لم يقع أي تحرك تجاه الحريات، يقال إنه سيقع تحرك وتعطي وعودا ولكن من دون تطبيق، بقينا في هذه الناحية محافظين ونحن جد محافظين على الرغم من المظاهر الخارجية التي تبدو وكأنها تحديث كبير لمظاهر الحياة، صحيح يوجد هذا بالطبع إنما في أسس الأمور فإن العرب كقادة ومفكرين نجدهم محافظين ولا يتحركون في ما يخص النظرة إلى الدين، الدولة، العلاقات الاجتماعية وأمور متعددة. فكيف يمكن ذلك مثلا وأنا لا أتماشي مع هؤلاء الذين لهم نظرة سيئة عن السعودية، فهناك إنجازات كثيرة في الرياض. نقول دائما نحن عرب وهناك شعور على الأقل ثقافي دخل في الضمائر بأننا نمثل لا أقول أمة بل على الأقل مجموعة إنسانية متماسكة جغرافيا وثقافيا واجتماعيا. 
لم يحصل أي تقدم في ربط علاقات في ميدان هو أكثر حساسية في العالم وعالم اليوم، وهو الميدان الاقتصادي. نحن ما زلنا مثلا وهذا عنصر من المحافظة نفكر بالسياسي وبالحربي وبالجهادي، بينما العالم اليوم قائم على الاقتصادي، وكل ما يتبع الاقتصاد من اتصالات وعلاقات اقتصادية وتحسن المستوي المعيشي والنمو الإنساني في كل الميادين في النظم والحريات والعلاقات الإنسانية لأن وراءنا تركة صعبة من القرن العشرين، تركة التطاحن بين القومية والإسلام ومشكلة لم تحل إلى الآن وهي مشكلة فلسطين، وما أتى بدءا من التسعينيات أي الحركات الإسلامية التي تظهر مظاهرها بقوة في الجزائر اليوم، ولو أنها ضعفت وتظهر لتضرب بقوة مثلما حدث في أفغانستان وفي باكستان، وهما بلدان غير عربيين لكنهما قريبان من الدول العربية، وتتضح تلك الظواهر في الجهادية وفي الإرهاب. والإرهاب موجود وهذا صحيح، لماذا هو موجود؟ لأننا لم نهضم القيم الإنسانية أو لم نعد قراءة الموروث الديني قراءة اعتبرها صحيحة لأنها قريبة من النص. 
كل هذا في الحقيقة يجعلنا في وضعية لا أقول متشابهة مع أفريقيا بل هي وضعية غير متزنة فيها العنف وعنف الإنسان والجماعات، فيها عنف الدولة فيها البذخ وإهدار الأموال والتوقف عن التصنيع، لم يحصل تطور وتغير كبير منذ خمسين عاماً مع الاستقلالات وبناء الدول والثورة النفطية وبقينا في وضع غير جيد ولا يمكن الإطالة في هذا الموضوع، لكن نظرتي إليه نظرة متشائمة في الحقيقة. صحيح أنه علينا أن ندافع عن العراق إزاء هجمة خارجية وصحيح أنه في الماضي هاجم العراق إيران ووقعت مذبحة من الجانبين وصحيح أن العراق هاجم الكويت ووقعت خسائر إنسانية ومادية كبيرة. هذا العدوان وهذه العدوانية ليست دينية أبدا بل هو مرض حداثتنا نحن العرب طيلة هذه العقود الأخيرة.
•    الهيمنة الأميركية وقضايا الشرق الأوسط، هل هو صراع الشرق والغرب المتجدد أم ماذا؟
-    في الحقيقة أميركا أخذت عن الحضارة الأوروبية منذ ثلاثة قرون وأوروبا كانت مركز الحضارة حيث دمرت نفسها بنفسها عندئذ أميركا انفتحت علما، وأنها، أي الولايات المتحدة، لم تنتج إلاّ فليسوفا واحداً اسمه ويليام جيمس براغماتي لا بأس به لكنه متوسط لا أكثر بينما الانكليز أجدادهم أنتجوا فلاسفة ومفكرين كبارا بحيث تبدو الولايات المتحدة إلى حد ما كروما لكن لها قوة ولم تبرز في الحياة العالمية إلا بعد الحرب العالمية الثانية. الصراع بين الشرق والغرب، أي شرق وأي غرب؟ الغرب القوي الذي له شوكة الآن ليست أوروبا إنما الولايات المتحدة.

Arab thought
نحن أناس قدامي تاريخياً ولنا شيخوخة في ميدان الحضارة

أوروبا متقدمة صناعياً حتى ثقافياً لكن ليس عسكرياً وليست لها وحدة قائمة وهي مشتتة إلى دول وخرجت من مأزق كبير من الحرب العالمية الثانية، فالولايات المتحدة إذن هي رأس الحربة لها المقدرة العسكرية وتلعب دورا على النطاق العالمي في ما يخص الاقتصاد والسياسة، ونجاحات الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية قد أعاقتها حيث ابتعدت عن مثلها وكانت هناك في السياسة الأميركية مثل عليا بقيت حية إلى فترة حرب عام 1914 مع ويلسن ثم صارت أميركا ومنذ نصف قرن إمبريالية. هناك وضعية فاسدة من الهيمنة. مثلا محاولة التدخل في كثير من الدول عبر بنوك التنمية والسيطرة بطريقة غير مباشرة وهيمنة الدولار، تدعمت أكثر هذه الهيمنة خصوصا بعد الإطاحة بالشيوعية والحرب ضد العراق عام 1990 ومن خلال هذه الحرب أرادت أميركا أن تركز أقدامها وتهيمن على الشرق الأوسط وعلى العالم، وهذه الحرب لها أسباب والخطأ من الجهتين وكثير من الدول. 
والمسألة ليست شرق وغرب فنحن محكومون هنا بأفكارنا الايديولوجية. هناك صدفة من التاريخ فاسدة وهي إيجاد إسرائيل وهذه الدولة عسكرية، ولم يحسن العرب التصدي لها وتعينها أميركا كثيرا، ولكن لا ننسي أن الخطأ لدى الكثيرين من العرب الذين يعتبرون أن أميركا هي اسرائيل واسرائيل هي أميركا.. لا، المعادلة ليست بهذا الشكل وهناك مساندة من أميركا، لكن اليوم وبعد 50 عاماً من الحروب، فالحل ممكن مع أجيال جديدة من الجهة الفلسطينية ومن الجهة الإسرائيلية، ولا يمكن التفاهم مع شخص مثل شارون (أو نتنياهو) ويمكن التفاهم مع شخص آخر، ولا بد لهم أن يعترفوا بأنهم قد ظلموا الفلسطينيين. وهناك هوس من طرف العرب بأميركا خصوصا لدى المشارقة وهذا الهوس هو الذي خلق هذا التيار الجهادي الذي قوي منذ عام 1997 والذي قام بما قام به في أحداث 11  سبتمبر/أيلول.
لم تسقط أميركا بعد ضرب نيويورك، هذا خيال وليس بضربة واحدة تسقط وإنما تمس هذه الهجمات من فخرها.
أنا من الناس الذين يؤمنون بالديالكتيك واعتبر أنها تاريخية وليست فلسفية لأن التأزم قد يأتي بالتجاوز بل بالتجاوزات، وقد يأتي بتحريك العالم العربي في اتجاه أفضل إنما ليس بالحرب لا أعتقد ذلك.
•    نتائج الحرب على العراق، كيف رأيت الأمر؟
ــ الهجوم علي العراق كان خطرا من وجهة السلوك الدولي، وقد عمق الهوة بين مشاعر الجماهير ــ وهي مسألة مشاعر ــ وحتى القادة العرب وبين الأميركان والعكس بالعكس ففي أميركا هناك تشنج عصبي ضد العرب والمسلمين. أعتقد أنه من الأصلح حصول اهتمام من طرف الولايات المتحدة بالمستقبل العربي وبصفة إيجابية وأن تتقبل هذه الدول العالم العربي. وأن يعتبر الغرب نفسه الآن كمركز للتاريخ ومركز للحضارة منذ القرن الثامن عشر فهذا يلقي على كاهله واجبا وليس كما في التاسع عشر واحتلاله للآخر واستعماره ونهب ثرواته.. لا بد من تقبل العرب والمسلمين بصيغة ذكية جدا لتجاوز المشاكل.
•    كيف يمكن للعرب أن يتصرفوا انطلاقا من الحضارة والتاريخ والواقع أيضاً؟
-    لو توجد فعلا ما تسمى بحرب الحضارات النظرة المصلحية القصيرة والنظرة العدائية أيضاً قصيرة جداً ويجب هنا التفكير.
بقي أن التأزمات ستبقي لعقود وسيقع حل الإرهاب والعداوات بسرعة إنما في المستقبل القصير (عشرة أو عشرين عاماً)، يجب أن يدخل العالم العربي الإسلامي الحضارة الحديثة عامة التي دخلتها الصين وكل البلدان الأخرى خصوصا وأن الإمكانيات المادية وحتى الإنسانية متوفرة، ويجب علي الغربيين أن لا ينسوا أنه إذا كان للعرب والمسلمين عناصر من الغاضبين في الداخل وحتى في الخارج فإنهم ليسوا بالمتوحشين، فهناك وعي تاريخي بأن المسلمين أبناء حضارة عظيمة لعبت دوراً كبيراً إلى حدود القرن السابع عشر في العالم أجمع والعالم القديم ولا يمكن ان تنحط هذه الحضارة بسهولة وأن تحتقر.
فالمجهود الداخلي الذي تكلمت عنه يجب أن يتماشي مع المجهود الخارجي ويعضده لكي يمر المسلمون ويتجاوزوا هذا المأزق فهو مأزق نمو ــ إن شئنا ــ كنمو صغير لأننا نحن أناس قدامي تاريخياً ولنا شيخوخة في ميدان الحضارة، ولكن من جهة أخرى التركيبة الجديدة التي تسمى بالحداثة الصناعية والعلمية والثقافية تتطلب مرونة لكي ندخل فيها وهنا دور القادة الفكريين والسياسيين وغيرهم.