هلال كرهان تطارد أوجاع الليل والحب 

الشاعرة التركية تكتب بروح عمقة تتجلى في قدرة رؤيتها الشعرية للعالم سواء كان داخليا أو خارجيا على ملامسة تشكيلاتها.
الشاعرة تبجل الليل والحب معا دون أن تخشاهما
ديوان هلال كرهان يأتي في قسمين الأول "أغاني الليل" والثاني "قصائد للظل"

تكتب الشاعرة التركية هلال كرهان بروح عمقة تتجلى في قدرة رؤيتها الشعرية للعالم سواء كان داخليا أو خارجيا على ملامسة تشكيلاتها، لتأتي نصوصها لوحات فنية تؤنسن كل ما تذهب إليه من مفردات وأفكار ورؤى، وتفتح آفاقا من الجمال المتوهج، وهي خلال ذلك تقدم نصا مكثفا محكما في بنيته الأسلوبية والفنية، وقد تجلى هذا في ديوانها "قصائد للظلال" الذي صدر عن دار بتانة بالقاهرة باللغتين التركية والعربية بترجمة فتحي ساسي، ففيه تعالج موضوع الحب وعلاقته بالليل، وتشابكاتهما ـ الحب والليل ـ بالروح، الجسد، الطبيعة، الحياة، وتقلبات المكان والزمان وانعكاساتهما. 
إنها تبجل الليل والحب معا دون أن تخشاهما، بل تصحبهما أو تجعلهما يصحباها في حركتها جسدا وروحا، لتكشف عن آلامها لتعري الليل في فعل الحب، وتعري الحب في قبضة الليل.
يأتي ديوان هلال كرهان في قسمين الأول "أغاني الليل" والثاني "قصائد للظل" يرتكز القسم الأول على الليل حتى أن جميع عناوين نصوصه تحمل لفظة "الليل" وقد جاء فيها مخاطبا مرة إنسانا ومرة جمادا ومرة حشرة، مثل "الليل رائح غادي بيننا"، و"نفكر حين يكون الليل صامتا"، "وأنت راحل إلى الليل"، "يطلع القمر فوق عظام الليل"، "مثل عقرب ينزل الليل من الحائط".  
تقول في نصها "لا أحد يمكنه إغلاق باب الليل":
تخيط الأحكام بالنار
التي يحصدها الزمن من نهدها.
كوني مرآتك

شاه مران" الحياة التي ابتلعت ذيلها،
يغلق الظلام بابها، 
مدعما بنظامها الخاص..
الليل حبل طويل حول
جيد هذا الكون.
تقدم هلال كرهان نصا يكشف عن مخيلة خصبة ومفعمة بالتوهج، في القسم الأول من ديوانها يأتي متفردا بالفعل، بالقوة والقدرة على النفاذ والتأثير في المحيط، تقول في نص "وئيدا هبطت من درج الليل":
يفرد الليل جناحيه ببطء،
يغطي وجه السماء بغلالة حريرية..
أفواه الحشرات متقدة..
كن صبورا 
كل شيء يمكن أن يتغير في ليلة واحدة، 
ويتحول الحزن إلى ملل، 
الألم الكبير الذي يذيب القلب
سيتوقف بالتأكيد في ليلة واحدة.
الحب أشبه بليلة غامضة صعب اجتيازها، 
وكل هذا الحزن جلي والليل اعتاد على ذلك،
فهو لا يرحم الإنسان.  

تكشف عن آلامها لتعري الليل
تخيط الأحكام بالنار

الشاعر والناقد د. عارف كرخي أبو خضيري الأستاذ بجامعة السلطان علي بروناي في مقدمته للديوان يرى أن الليل هو الوقت الذي تكون فيه الشاعرة وحدها لتواجه ذاتها، وتستعرض ماضيها وذكرياتها، وأن الليل ـ في الوقت نفسه هو الشاعرة بعينها، أما الظلال فرمز من رموزها الشعرية التي تستخدمه للدلالة على البشرية بأسرها. 
ويشير أيضا إلى أن الليل أشبه بالمسرح الكبير تعرض عليه مشاهد متتابعة للحياة والناس وتنثر من خلاله أفكارها الفلسفية العميقة عن الكون والعلاقات الإنسانية وما يعتورها من خلافات وآلام وأحزان.
في القسم الأول "أغاني الليل" كانت النصوص طويلة كما هو واضح في النموذجين السابقين، أما في القسم الثاني "أغاني الظلال" فالنص لا يتجاوز الأربعة أسطر، وهنا الحب الذي لا يكشف عن وجهه بوضوح مباشر، ولكن يتشكل عبر تجسيدات الصورة المكثفة، نحس بحضوره القوي المفعم بتجليات الطبيعة ومفرداتها دون أن نراه، تقول:
الليل
يدخل كل قلب،   
 من نفس الباب.
***
رائحة عميقة..
تفوح منها تلميحة قبلة.
***
في إناء دون ماء،
تجف ثلاث ليال، وتتشابك أشواكهن.
***
الأضواء الثملة تلمس
تلمس الأريكة
بصعوبة.
***
كان قلبي يتسكع خلف خطواتك،
طوال الليل.
***
اسكت
كل الكلمات التي تنطقها، ستؤلمني
هذه المرآة المجوفة ستسقط من راحتيك.
***
أسكت قلبي بشفتيك 
إن أردته أن يصمت..
وقال د. عارف كرخي أبوخضيري: حين يطالع المرء أشعار كرهان يلاحظ أن قصائدها مكتوبة بإحكام شديد، وكأنها محفورة في لوحات من النحاس، أو من الذهب المصقول، مع فارق مهم، وهو أن صورها ـ خلافا للوحات المحفورة ـ صور حية تنبض بالأحاسيس الفياضة والحركة الرشيقة.
يذكر أن الشاعرة هلال كرهان طبيبة وكاتبة وشاعرة تركية معاصرة من مدينة غازي عنتاب، كتبت الشعر في مرحلة مبكرة من حياتها ونشرت قصصها وقصائدها منذ عام 2000 في الدوريات الأدبية المتخصصة. وهي محررة مجلة "سماك" المتخصصة بالأدب والتراث. وتشغل حاليا منصب سفيرة الشعر التركي في السلام بين العالم، كما تعمل محررة لموقع خط الدفاع الشعري عن المرأة، وحصدت عدة جوائز شعرية تركية.