هل أطاح التطبيع مع إسرائيل بوزيري الدفاع والخارجية التونسيين

تونسيون ينتقدون حضور دبلوماسي مقرب من الرئيس الجديد دون صفة رسمية مكان وزير الخارجية في لقاء مع وزير الخارجية الألماني في قرطاج.
زيارة وفد شبابي إلى إسرائيل ضمن بعثة البرلمان الأوروبي تثير جدلا
التونسيون يطالبون الحكومة والرئاسة بالكشف عن سبب الإفالة

تونس - أعلنت رئاسة الحكومة التونسية المنتهية عهدتها اليوم الثلاثاء، إقالة وزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي، ووزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي، في خطوة تبدو أنها ستوضح أكثر توجهات الوافد الجديد على قصر قرطاج.

وقالت رئاسة الحكومة التي يقودها يوسف الشاهد في بيان إنه "بعد التشاور مع رئيس الجمهورية قيس سعيد وعملا بأحكام الفصل 92 و89 من الدستور، تعلم رئاسة الحكومة أنه تقرر إعفاء وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي من مهامه ويتولي كريم الجموسي وزير العدل الحالي مهام وزارة الدفاع الوطني بالنيابة".

وأضافت أنه تم أيضا "إعفاء وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي من مهامه وتكليف صبري باشطبجي، كاتب الدولة بوزارة الشؤون الخارجية، بتسيير شؤون الوزارة طبقا لما تقتضيه النصوص القانونية الجاري بها العمل".

كما شملت الإقالة أيضا كاتب الدولة للديبلوماسية الاقتصادية حاتم الفرجاني.

واتسمت علاقة وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي الذي كان ينافس سعيّد في الدور الأول للانتخابات الرئاسية، برئيس الحكومة يوسف الشاهد بالنفور بعد وفاة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي.

يذكر أن الزبيدي كان قد قدم استقالته في السابق لرئيس الجمهورية بالنيابة محمد الناصر بدلا عن رئيس الحكومة خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية ثم عاد إلى مباشرة مهامه في وزارة الدفاع إلى أن يتم تشكيل الحكومة الجديدة.

وقاطع الزبيدي عددا من المجالس الوزارية منذ مدة في خطوة قال مراقبون أنها تعكس عدم رغبته في لقاء الشاهد ورفض التعاون مع حكومته التي لايزال ينتمي إليها.

واستقبل الشاهد اليوم الثلاثاء سفير تركيا بتونس علي أونانير بقصر الحكومة بالقصبة وسط غياب لافت لوزير الخارجية.

وقبل إعلان الإقالة قررت الحكومة إرسال بشطبجي لتمثيل تونس في اجتماع وزراء خارجية دول "المنظمة الدولية للفرنكفونية" الذي ينعقد يومي 30 و31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري بدلا من الجهيناوي، بالرغم أن الاجتماع يكون عادة بين وزراء الخارجية.

وكان غياب الجهيناوي عن اللقاء الذي جمع أمس الاثنين، رئيس الجمهورية الجديد قيس سعيد بوزير الخارجية الألماني هايكو ماس في قصر قرطاج، قد أثار الكثير من التساؤلات بين التونسيين خصوصا أن الاجتماع حضره سفير تونس في إيران والدبلوماسي التونسي السابق عبد الرؤوف بالطبيب.

وانتقد نشطاء تونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي حضور بالطبيب في لقاء رسمي للرئيس التونسي دون صفة رسمية وخلافا للأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها.

ولم يقم سعيّد بعد بتعيين أعضاء الديوان الرئاسي الجديد بعد تقريبا أسبوع من تسلمه مهامه. ويتعين العادة على رئيس الجمهورية الجديد أن يقوم بتعيين فريق ديوانه ومستشاريه كأول خطوة منذ دخول قرطاج.

ومنذ أسبوع، تم تداول أخبار تفيد بأن قيس سعيد ينوي تعيين بالطبيب وهو صهره (زوج شقيقته) مستشارا له أو مديرا لديوان الرئاسة.

وبالطبيب هو عضو مؤسس وكاتب عام النقابة الأساسية لوزارة الشؤون الخارجية سابقا وقد عمل بالسلك الدبلوماسي منذ عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي حتى أنه كان متزوج في السابق بشقيقة زوجته ليلى الطرابلسي.

وبعد تداول منشورات سابقة له على فيسبوك يساند فيها بعض القيادات الإخوانية والإسلاميين في تونس، اضطر بالطبيب إلى محو أغلبها من صفحته منذ أيام لوقف سيل الانتقادات التي تعرض لها من قبل التونسيين، في خطوة بدأت كأنها تمهيد لتعيين رسمي مرتقب في قرطاج.

ورجحت مصادر تونسية مطلعة أن تكون إقالة وزيري الدفاع والخارجية لها علاقة بزيارة وفد شبابي إلى إسرائيل لم يتم الإعلان عنها، حيث كشف الإعلامي التونسي برهان بسيس مؤخرا تفاصيل زيارة تقودها نائبة بالبرلمان البلجيكي ذات أصول تونسية لوفد  تونسي من الشباب.

وحول تفاصيل الزيارة كتب بسيس على فيسبوك أن "الوفد الشبابي التونسي متكون من عشرين بين شاب وشابة... وصلوا مطار بن غوريون.. اليوم (الأحد) على الساعة السابعة مساء بتوقيت القدس.. لحضور ملتقى الحوار الشبابي المتوسطي الممول من طرف الاتحاد الأوربي".
وأضاف "اتصالات بين بعض المحامين الدوليين المسخرين من الاتحاد الأوربي وبعض عائلات هؤلاء الشباب التونسيين الغير مطمئنين لأي إمكانات لتداعيات سلبية لزيارة أبناءهم لإسرائيل".

وردا على تلك الأخبار التي تم تداولها بكثافة على فيسبوك وتويتر مع صور توثق فعلا الزيارة، نفت وزارة الخارجية التونسية الخبر.

وأكدت في بيان أنه "بعد التحري مع بعثة الإتحاد الأوروبي بتونس ومؤسسات الإتحاد الأوروبي في بروكسال والتقصي مع الجهات الفلسطينية في رام الله وفي عدد من العواصم الأخرى، هذا الخبر لا أساس له من الصحة"، مشيرة إلى أن "الصور التي تم نشرها تتعلق بزيارة وفد أوروبي من بينه سيّدة بلجيكية من أصل تونسي، عضوة في حزب سياسي بلجيكي.

ودعت الوزارة إلى عدم توظيف القضية الفلسطينية في مسائل سياسية وداخلية والابتعاد عن المزايدات في خصوص دعم القضية الفلسطينية".

ونشرت منال مسلمي، المستشارة لدى البرلمان الأوروبي في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهي ذات أصول تونسية وهي فعلا عضوة في، صورا على صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد زيارة الوفد التونسي من الشباب إلى تل أبيب ضمن بعثة البرلمان الأوروبي. لكنها سحبت الصور وحذفت التدوينات المتعلقة بها بعد الجدل الذي أثير في تونس حولها لاحقا.

كما تدخلت السفارة الألمانية في تونس على الخط نافية أن تكون برلين هي التي سلمت التأشيرات للوفد الذي زار إسرائيل، كما تم تداول الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأكد فريق الإعلام بسفارة ألمانيا الاتحادية بتونس في بيان توضيحي الأحد، أن السفارة لم تنسّق أيّة رحلة ولم تمنح أيّة تأشيرة في الغرض.

يذكر أن بسيس كشف في تدويناته أن السفارة الألمانية بتونس هي من قامت بتنسيق عملية إسناد تأشيرات دخول الوفد إلى إسرائيل.

وزير الخارجية
وزير الخرجية التونسي المقال التقى نظيره الألماني في الوزارة وتغيب عن لقاء قرطاج

ويبدو أن رد الرئيس التونسي الجديد قيس سعيّد كان يريد الظهور في صورة الرئيس الحازم في هذا الموضوع خصوصا أنه عبر بشكل مباشر وصريح عن رفضه التطبيع مع إسرائيل خلال حملته الانتخابية، حيث وصف تعامل الدول مع إسرائيل بـ"الخيانة العظمى" خلال المناظرة التلفزيونية التي جمعته مع منافسه في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية نبيل القروي منتصف الشهر الجاري.

ورغم أن البيان أصدرته رئاسة الحكومة يعني يبدو رسميا أنه قرار من يوسف الشاهد إلا أن وزارتي الدفاع والخارجية من صلاحيات رئيس الجمهورية الذي يتولى حسب الدستور التونسي الجديد تمثيل الدولة وضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي بالتشاور مع رئيس الحكومة.

ويرى مراقبون للشأن التونسي أن الإقالة لم تكن ستمر لولا موافقة الرئيس ورئيس الوزراء معا وهو ما يكشف تفاهما وانسجاما بين الشاهد وسعيّد قد يتبعه تحالف بينهما في المستقبل خصوصا أن الحزب الذي يترأسه الشاهد (تحيا تونس) فاز بـ13 مقعدا في البرلمان.

وتحدى برهان بسيس بعد إعلان إقالة الجينهاوي وزارة الخارجية التونسية وطالبها بتوضيح أيضا كيفية دخول شخصيات إسرائيلية زاروا تونس خلال شهر أكتوبر الجاري في خطوة لتطبيق نفس منهاج التطبيع الذي يطالب به الرئيس الجديد.

وكتب بسيس على فسبوك "أود أن أسأل وزارة الخارجية الموجودة قبل الرئيس وبعده، أمام الرأي العام الوطني، وعليها أن تجيب التونسيين وتوضح لهم أيضا: كيف دخل الإسرائيلي روبي ناتانسون الأستاذ المحاضر بكلية إدارة الأعمال بالجامعة العبرية بتل أبيب (...) إلى تونس بجواز سفره يوم 15اكتوبر 2019، وشارك في ندوة التهديدات الغير تقليدية في منطقة المتوسط بقمرت حيث أقام مدة 3 أيام وألقى محاضرته حول الوضع الجيوسياسي للغاز الطبيعي في المنطقة الشرقية للمتوسط".

وأثارت إقالة الجهيناوي والزبيدي تفاعلا كبيرا في تونس، حيث طالب نشطاء بتوضيح سببها من رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية، خصوصا أن حكومة الشاهد أصبحت أيامها معدودة، في ظل مشاورات بين الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية وأعضاء البرلمان الجديد لتشكيل حكومة جديدة.

وتجد حركة النهضة الإسلامية صعوبة في تكوين حكومة تكون بقيادتها باعتبار أنها في المرتبة الأولى من حيث عدد مقاعد البرلمان وذلك بسبب امتناع عدد من الأحزاب الاصطفاف معها واختيار البقاء في المعارضة خوفا من التورط في فشل جديد بقيادتها.

كما يتخوف التونسيون أن تعود الدبلوماسية التونسية إلى فترات صعبة مرت بها خلال حكم الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي في فترة حكم الترويكا بالإضافة إلى تعيين النهضة مقربين منها في وزارة الخارجية في السابق ما جعل تونس تخرج عن حيادها المعتاد في عدد من القضايا التي تربطها بمحيطها وجيرانها من الدول وبالخارج عموما.