هل المسيحية الديمقراطية.. مثل أحزابنا؟

الأحزاب المسيحية الديمقراطية ليست أحزاباً دينية بمفاهيم العالم الإسلامي ولم تنشأ لتمثيل جماعات مذهبية بل فتحت أبوابها للجميع فالاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا لم يقصر عضويته عند تأسيسه على الكاثوليك.

بقلم: خليل علي حيدر

قارن الكاتب السعودي بدر الإبراهيم بين «جماعاتنا الدينية والأحزاب المسيحية»، كما عنون مقاله، وقال إن الاختلاف بينهما واضح صريح! فالمقارنة بين تلك الأحزاب المسيحية والأحزاب والجماعات الدينية الفاعلة في العالم العربي «تشير إلى حجم التباين». وأضاف شارحاً: «قد تتشابه الأحزاب المسيحية مع حركة النهضة التونسية، لكن جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي لا تفصل بين الدعوي والسياسي، وتصر على تعبئة الجمهور في المحطات المفصلية على أساس هوياتي.. لا يمكنها ادعاء التشابه. كذلك حزب الدعوة وأشباهه من الأحزاب الشيعية العراقية، القائمة على تمثيل جماعة مذهبية، لا تستطيع ادعاء التشابه أيضاً».

وقال الكاتب إن فلسفة الأحزاب المسيحية المزج بين الأخلاق والقيم المسيحية وبعض الأسس في النظرية الليبرالية وبعض الاشتراكية. وتصنف هذه الأحزاب في أوروبا ضمن «يمين الوسط». وبجانب المحافظة في القضايا الاجتماعية، «تؤكد المسيحية الديمقراطية على الملكية الخاصة، وتتبنى حقوق الإنسان وفق الفهم الليبرالي. وتعتبر العائلة نواة المجتمع، وتوليها اهتماماً خاصاً في سياساتها الاجتماعية. كذلك يتفق الفكر الديمقراطي المسيحي مع الاشتراكية، في قضايا العدالة الاجتماعية ودور الدولة في محاربة الفقر».

ويشرح الكاتب جوانب من تاريخ صعود هذه الأحزاب وتفاعلها مع الظروف الدينية والسياسية في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية. فقد برزت بعد هزيمة الفاشية والنازية، وصعدت في مواجهة الأحزاب الشيوعية الأوروبية، وبخاصة في إيطاليا، وتلقت دعماً أميركياً ضخماً في هذه المواجهة.

غير أن هذه الأحزاب لم تكن أحزاباً دينية بمفاهيم العالم العربي والإسلامي، ولم تنشأ لتمثيل جماعات مذهبية، بل فتحت أبوابها لجميع المواطنين. «فالاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا لم يقصر عضويته عند تأسيسه على الكاثوليك فقط، رغم أنهم كانوا الأغلبية في ألمانيا الغربية، إذ ضمّ البروتستانت، والرجال والنساء، واليوم ترأس الحزب امرأة بروتستانتية، هي «أنجيلا ميركل»، وهو يضم مواطنين غير مسيحيين، مثل المسلمين من أصول تركية، ويرشحهم على قوائمه الانتخابية، وأعضاء الحزب يقولون صراحة في إعلانهم عام 2007، إنهم يعلمون «أنه لا يمكن أن يستمدوا برنامجاً سياسياً محدداً من الإيمان المسيحي».

لا ترى هذه الأحزاب بأساً حتى في تجاوز بعض التعاليم المسيحية في قضايا الطلاق والإجهاض (إيطاليا). كما «أن الديمقراطيين المسيحيين في ألمانيا يلعنون في مبادئ حزبهم، احترامهم للذين يفضلون طرقاً أخرى للحياة الزوجية، تخالف المفهوم المسيحي للزواج».

ومن المساهمات القيمة في المقارنة بين الأحزاب المسيحية الديمقراطية وبين الأحزاب الإسلامية مقال للكاتبة القديرة الدكتورة هالة مصطفى في صحيفة «الأهرام» (29-08-2015)، أكدت فيه بدورها أن الأحزاب المسيحية «ليست دينية بالمعنى التقليدي، إذ ليس من ضمن أهدافها إقامة (الدولة المسيحية) على غرار (الخلافة الإسلامية)، ولا تسعى لتغيير طبيعة وهوية الدولة والمجتمع وفقاً لأجندتها، ولا تقوى أصلاً على المساس بالدولة القومية الحديثة المتجذرة في أوروبا ولا بدساتيرها العلمانية، ولا بالحقوق والحريات الفردية، كما تعرفها الثقافة الغربية، والتي اكتسبتها بعد ثورات فكرية كبرى بدءاً بوثيقة (الماجنا كارتا) في إنجلترا إلى مبادئ الثورة الفرنسية وإعلان الاستقلال الأميركي وغيرها من مواثيق حقوقية جعلت لمثل هذه الأحزاب سقفاً لا تتخطاه، مثلما لا تستطيع إجبار الأفراد على انتهاج سلوك معين على غير إرادتهم، أو ممارسة أنواع من التمييز ضد المرأة أو الأقليات.. باختصار استوعبت الأحزاب المسيحية الديمقراطية قيم الحداثة وتواءمت معها». لقد ولدت الأحزاب المسيحية الديمقراطية في سياق تطور تاريخي في أوروبا، تقول الباحثة، «وهو ما جعلها مختلفة بل شديدة الاختلاف عن الأحزاب الإسلامية في عالمنا المعاصر اليوم. تصل هذه الأحزاب المسيحية إلى السلطة وتخرج منها، وتشكل الحكومات أو تشارك في ائتلافاتها، تحصل على الأغلبية في البرلمانات أو تتحالف مع غيرها من الكتل البرلمانية، ولا تغيير جذري يحدث، لا انقلاب على طبيعة الدولة ولا دستورها، ولا حتى تشريعاتها القانونية العامة».

هكذا، تستنتج هالة مصطفى أننا نتحدث عن شيئين مختلفين تماماً! فـ«نحن نتحدث عن أحزاب دينية مجازاً في الغرب، لأنها تعمل في إطار ديمقراطي متقدم ليس هشاً أو حديث النشأة، كما هو الحال في المجتمعات غير الغربية، لهذه الأسباب فإن المقارنة ليست في موضعها».

ولا تنفي الدكتورة هالة مصطفى التشابه بين أحزاب الإسلاميين وأحزاب الديمقراطيين المسيحيين فحسب، بل تعارض القائلين بأن وجود هذه الأحزاب في الحياة السياسية قد يؤدي تلقائياً إلى احتواء جماعات العنف الإرهابية ذات الصبغة الدينية. وترى أن مثل هذا الرأي، «قول مردود عليه من واقع ما تشهده المنطقة، والذي يشير إلى نتيجة معاكسة لهذه الفرضية، إذ تم السماح بقيام مثل هذه الأحزاب، «سنية وشيعية» في أغلب الدول، من لبنان والعراق إلى مصر وتونس وليبيا واليمن والكويت وغيرها، ولم يتغير المشهد، بل ازداد التطرف والقتل والتكفير والتدمير والطائفية، ولم تنقطع الفتاوى التي تبرر مثل هذه الأعمال غير الإنسانية وشديدة البدائية، فماذا فعلت الأحزاب المصنفة بالإسلامية؟ لا شيء يذكر!».

وتضيف الباحثة: لم تطور «الأحزاب الإسلامية» حتى فكرها، وما تزال الهيمنة على ثقافة هذه الأحزاب «لصالح أصولية جامدة تدور حول تأويلات ومدارس فقهية محدودة، يتصدرها فكر ابن تيمية والمودودي وسيد قطب وحسن البنا، وهي المدارس التي تعتمد عليها أغلب الحركات والجماعات السياسية الإسلامية، بما فيها الأكثر عنفاً وتطرفاً، مثل «داعش» و«القاعدة».

وبهذا ننهي حديثنا الممتد ومقارناتنا بين أحزاب الديمقراطية المسيحية في الغرب وجماعات الإسلام السياسي في بلداننا!

خليل علي حيدر

كاتب كويتي