هل بدأت ايران الانسحاب من الحلم الامبراطوري

ماذا أضافت تلك التدخلات لقوة الدولة الايرانية ووزنها الدولي في حين ما زالت ايران تحت العقوبات الغربية والتهديد بالتدخل العسكري؟

توحي المؤشرات التي تخرج من ايران في العامين الأخيرين بتغير في المزاج العام للدولة الايرانية، فهناك أزمة اقتصادية يظهرها تدهور قيمة العملة الإيرانية. فوفقا لبيانات البنك المركزي الايراني فقد هبطت قيمة التومان الايراني من 143 للدولار عام 2001 حتى 3230 تومان للدولار عام 2016 أما اليوم فقد هبطت قيمة التومان حتى 4275 للدولار.

يرافق تدهور التومان تضخم غير مسبوق. فوفقا لتقرير مركز الإحصاء الإيراني، بلغ معدل التضخم خلال شهر "بهمن" الإيراني (ينتهي 21 فبراير) 52.7%، بزيادة 1.2% مقارنة بالشهر السابق. كما بلغ معدل التضخم السنوي 47.7%، حيث ارتفع بنسبة 1.4% مقارنة بالعام الماضي.

ويعني ذلك هبوط القوة الشرائية لقطاع واسع من الشعب بذات النسبة السابقة، وتجد ايران نفسها مثقلة بالعقوبات الاقتصادية التي أعاد ترامب فرضها وحسب تقديرات مجموعة البنك الدولي فسيظل متوسط نمو الانتاج المحلي متواضعا لأسباب متعددة في مقدمتها تقييد صادرات النفط واشتداد التوترات الجيوسياسية وارتفاع أسعار الغذاء العالمية التي تستوردها ايران.

وهناك سبب آخر لتغير المزاج العام في الدولة وهو سقوط هيبة المؤسسة الدينية التي تعتبر أحد الدعائم الرئيسية للنظام. فرغم أن المظاهرات المتكررة والتي تكاد تصبح ظاهرة مزمنة لم تنجح في زعزعة النظام السياسي لكنها نجحت في إسقاط الكثير من هيبة رجال الدين وما يعنيه ذلك بالنسبة للمؤسسة الدينية كلها والتي اضطرت لتقديم التنازل فيما يتعلق بملاحقة النساء غير المحجبات في الشوارع.

صحيح أن النظام السياسي تمكن بأدواته الأمنية المتمرسة من احتواء المظاهرات إلى حد كبير لكن المظاهرات كشفت عن وجود حالة واسعة من الإحباط والتذمر لدى الجيل الجديد في ايران. وفي أثناء تصاعد تلك المظاهرات كانت الهتافات التي تدعو لوقف التدخلات الايرانية في الخارج والتي تستنزف موارد الدولة والالتفات للداخل الايراني تحمل مغزى لا يمكن تجاهله.

أما التدخلات الخارجية التي ظل النظام يعول عليها لخلق الشعور بالعزة القومية واللعب على وتر استعادة المجد الامبراطوري الفارسي فقد بدأت تفقد بريقها مع النفقات الكبيرة التي تتطلبها ومحدودية مردودها الواقعي.

لا شك أن كثيرين في ايران يفكرون بانعدام أي ضرورة عقلانية لتلك التدخلات، فايران دولة كبيرة بموارد طبيعية وشعب حضاري قادر على الدفع بها لتكون دولة رفاه اجتماعي بدلا من أكوام السلاح والانشغال بالميليشيات هنا وهناك.

بل ماذا أضافت تلك التدخلات لقوة الدولة الايرانية ووزنها الدولي في حين ما زالت ايران تحت العقوبات الغربية والتهديد بالتدخل العسكري؟

وخلاصة القول إن تغيرا في المزاج العام للدولة الايرانية يرافقه شعور بالتعب والحاجة لمراجعة الاستراتيجيات القديمة ربما يكون قيد التفاعل بصمت وبكثير من التكتم كما هو معتاد في طهران.

فهل بدأت ايران بالانسحاب من الحلم الامبراطوري نحو حلم أكثر واقعية في أن تكون دولة اقليمية رئيسية في هذه المنطقة؟