هل تصلح وساطة ماكرون ما أفسدته قطر في السودان

وزير الخارجية الفرنسي يزور الخرطوم ويعلن عن دعم بلاده للسودان بمساعدات بقيمة 60 مليون يورو.

الخرطوم - وصل وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان الإثنين إلى السودان في أول زيارة من نوعها لوزير خارجية فرنسيّ إلى هذا البلد منذ أكثر من عشر سنوات.

وأفادت وكالة الأنباء الرسمية السودانية (سونا) أن لودريان قال إن بلاده ستقدم مساعدات مالية للسودان بقيمة 60 مليون يورو ستدفع 15 مليون يورو منها فوراً بواسطة الأجهزة الفرنسية.

وأضاف لودريان في المؤتمر الصحفي الذي عقده مساء الاثنين عقب لقائه رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إن فرنسا ستساعد السودان لتطبيع علاقاته مع المؤسسات المالية الدولية وحل مشكلة الديون، مؤكداً أن بلاده ستعمل كذلك على تطوير علاقاتها الثقافية مع السودان.

وقالت مصادر سودانية مطلعة إن زيارة لودريان تأتي ضمن الاستعدادات لترتيب زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إلى باريس يوم الخميس 19 سبتمبر الحالي، للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي سيلتقي في نفس اليوم أيضا أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

ويرجح مراقبون أن تزامن لقاء أمير قطر بالرئيس الفرنسي مع استقبال الأخير لحمدوك يشير إلى رغبة قطرية في توسط فرنسي  لعودة المياه إلى مجاريها بين الدوحة والخرطوم بعد فترة من وصول العلاقات الثنائية بين البلدين إلى أسوأ حالاتها بعد عزل الرئيس عمر البشير؛ وهو ما ظهر جليًا في استدعاء السودان سفيره لدى قطر، في يونيو الماضي.

وتحاول الدوحة التقرب من الحكومة السودانية بشتى الطرق بعد أن فشلت محاولاتها السابقة في تقويض التوافق السياسي بين قوى الحرية والتغيير التي قادت الاحتجاجات في السودان والمجلس العسكري الانتقالي.

وشنت قطر المعروفة بدعمها للإخوان في السابق حملة إعلامية وصفها محللون بأنها تحريضية ضد المجلس العسكري قبل تشكيل حكومة المجلس السيادي الحالي في محاولة لإعادة بقايا نظام حليفها عمر البشير إلى السلطة.

وبذلت قطر وتركيا جهدا كبيرا لإبقاء الرئيس المعزول عمر البشير في السلطة بالرغم من مظاهرات الشعب السوداني المطالبة بتنحيه.

لكن بعد سقوط البشير، اتجهت الدوحة نحو مغازلة الحراك السوداني لأجل تأكيد موقفها في حركات "الربيع العربي" أي دعم احتجاجات الشارع.

ويقول المراقبون إن الدوحة، التي خسرت رهانها على بقايا نظام البشير من الإخوان للعودة إلى الحكم، استشعرت صدا منيعا من الحكومة السودانية الحالية لتوظيف السودان رأس حربة في أجنداتها الإقليمية دون مراعاة حجمه وتاريخه ومصالحه القومية، فضلا عن عمقه الجغرافي الذي يرتبط بشكل وثيق بدول مثل مصر التي سيزورها حمدوك أيضا هذا الأسبوع والسعودية التي قدمت دعما كبيرا للسودان ووعدت مع الإمارات السودان بالوقوف إلى جانبه حتى يتخطى المرحلة الانتقالية بنجاح.

وأمام الرفض السوداني للتدخل القطري في شؤونه يبدو أن الدوحة تتجه لاستبدال الوعود والضغوط بالاستنجاد بالدبلوماسية الفرنسية التي تبحث بدورها عن جسر مفتوح نحو القارة الإفريقية عبر بوابة السودان.

وتلتقي مصالح قطر التي تحاول نسج شبكة تابعة لها تنشط في إفريقيا وفي ليبيا خصوصا حيث تدعم الميلشيات المسيطرة على العاصمة طرابلس ضد الجيش الوطني الليبي، مع المصالح الفرنسية في القارة السمراء.

ومعلوم أن قطر ثاني أهم زبائن فرنسا في الشرق الأوسط ما يجعلها تحث باريس على استخدام دبلوماسيتها للمحافظة على مصالحها في ظل تدفق الاستثمارات القطرية وتوطيد العلاقات الاقتصادية مع الدوحة.

ويأمل السودان في أن تساعده البلدان الأوربية في رفعه من لائحة العقوبات الأميركية ومساعدة اقتصاده المنكوب.

وقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك خلال لقائه لودريان إن بلاده حريصة على تعزيز علاقات التعاون مع فرنسا، ممتدحاً مساعي فرنسا من أجل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

من جانبه ثمن وزير الخارجية الفرنسي بحضور نظيرته السودانية أسماء محمد عبد الله، سلمية الثورة السودانية وما أفضت إليه من تغيير، مؤكداً استعداد بلاده للعمل على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، معبراً عن تطلعه أن يلعب السودان دوراً فعالاً في محيطه الإقليمي خلال الفترة القادمة.

وقالت وزيرة الخارجية السودانية إن الجانب الفرنسي أبدى استعداده للإسهام في جهود دفع العملية السلمية بما يتوافق ورؤية الحكومة السودانية.

وأكدت أن مباحثات رئيس مجلس السيادة ووزير الخارجية الفرنسي تطرقت للقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك وتبادل الآراء والتنسيق بينهما بما يخدم الرؤيا المشتركة للسودان وفرنسا.

وحسب وكالة الأنباء السودانية "سونا" فإن حمدوك سيتوجه إلى نيويورك بعد زيارة مصر وفرنسا وذلك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.