هل تطيح ثورة الربيع العراقي بوحدة البلاد؟

لا يوجد ما يبرر العنف المفرط الذي تستخدمه الحكومة العراقية ضد المتظاهرين.

بدأت المظاهرات العراقية التي يصر المتظاهرون على تسميتها بـ"الثورة" في الاول من اكتوبر من العام الحالي (2019) بمطالب بسيطة من الحكومة مثل تحسين الاوضاع المعيشية والتعينات والاصلاح وتوفير الماء والكهرباء. ولكن بعد مرور الوقت وتجاهل الحكومة لتلك المطالب وتصديها لها بالقوة ما ادى الى سقوط ضحايا بين صفوف المتظاهرين الشباب (اكثر من 400 قتيل) ارتفع سقف المطالب لتصل الى: 1ـ اسقاط حكومة "القناصين" بحسب بيان الاول للمتظاهرين و2 ـ تغيير مفوضية الانتخابات 3ـ تغيير قانون الانتخابات 4 ـ حل البرلمان والاعلان عن انتخابات مبكرة في صورة تكاد تكون متطابقة لثورات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة العربية عام 2010 والتي سقطت على اثرها الانظمة العربية واحدة تلو الاخرى.

وقد يتكرر المشهد بنفس الكيفية السابقة وينهار النظام السياسي الحالي تحت وطأة الضغط الشعبي المتزايد وتغيير نوع المجابهة مع قوات الامن التي مارست اقصى انواع الوحشية ضد المتظاهرين السلميين في بغداد والبصرة والمدن الجنوبية حيث وصل عدد القتلى في مدينة الناصرية في يوم الخميس الدامي 28 نوفمبر الى 32 قتيلا و225 جريحا، الامر الذي ادى الى استقالة محافظ ذي قار احتجاجا على المجزرة الدموية وعلى اثرها دخلت العشائر المسلحة على الخط وطالبوا بالثأر من تلك القوات التي "جلبت من خارج المحافظة" بحسب المحافظ المستقيل. وفي ليلة قبل مجزرة الناصرية هاجمت القوات الحكومية المتظاهرين في مدينة النجف المقدسة عند الشيعة ومقر اقامة المرجعية العليا علي السيستاني وقتلت منهم 6 وجرحت العشرات على اثر اضرام المتظاهرين النار في مبنى القنصلية الايرانية فيها ونتيجة ذلك هرعت الميليشيات المسلحة الموالية لايران الى المدينة وانتشرت فيها، بذريعة حماية المرجعية العليا من تجاوزات المتظاهرين، رغم ان مرجعيته اكدت بلسان وكيلها رشيد الحسيني انها "لا تحتاج الى حماية بقدر ما تحتاج الى تنفيذ مطالب الشعب داعيا الى عدم التنصل من تنفيذ هذه المطالب". وما يتخوف منه ان تمتد يد "الطرف الثالث" بالغدر على مقام المرجعية العليا في النجف تمهيدا لإشعال حرب اهلية لا تبقي ولا تذر!

والجدير ذكره ان عملية احراق القنصلية الايرانية على يد المتظاهرين قد تكررت لثالث مرة بعد قنصليتي البصرة وكربلاء منذ اندلاع المظاهرات، واستهداف المؤسسات الدبلوماسية الايرانية دون مؤسسات الدول الاخرى يدل على ان العراقيين الشيعة بشكل خاص قد ضاقوا ذرعا بتدخلات ايران في الشؤون الداخلية للعراق وهيمنتهم على الحكومة والبرلمان والقرار السياسي، ولم يعد بالامكان السكوت اكثر من ذلك.

ويبدو ان زعماء الميليشيات والاحزاب السياسية قد ادركوا دوافع الثوار الحقيقية، لذلك قرروا التصدي لهم بقوة والمحافظة على النظام السياسي القائم باي ثمن، ربما يقدمون على بعض التضحيات العابرة غير الاساسية مثل اقالة رئيس الوزراء أو اجراء انتخابات مبكرة استجابة لمطالب المتظاهرين ولكن من دون المساس بالنظام السياسي القائم. وقد عبر زعيم ميليشيا عصائب الحق قيس الخزعلي عن هذا المعنى عندما قال "لا يمكن القبول بشعارات اسقاط النظام ومن يروج لها لا يمكن اعتباره متظاهر يطالب بحقه".

واذا ما استمرت السلطات الحكومية بالتصدي للاحتجاجات بمنطق القوة وتجاهل مطالبها، فانها ستضع البلاد نحو حافة الهاوية وقد تتجه نحو التفكك والتشظي، وقد حذر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بـ"بداية النهاية للعراق" أو "تحويله الى سوريا ثانية" اذا لم تستقل حكومة عادل عبدالمهدي فورا.. من أجل وقف إراقة الدماء.