هل تغير قيادة حميدتي للمسار الديمقراطي نظرة السودانيين للعسكر

نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي يثير الحماسة في نفوذ الجماهير بحديثه البسيط بالعامية العربية التي لها جاذبية كبيرة في السودان.
حميدتي يثير الحماسة في نفوذ الجماهير بحديثه البسيط بالعامية
صعود حميدتي السياسي قد يواجه بمعارضة من بعض الضباط
قيادة قوات الدعم السريع تجعل حميدتي رمزا للماضي
خبرة نائب رئيس المجلس العسكري تجعله وجها ناجحا للسياسة الخارجية

الخرطوم - بعد مرور ستة أسابيع على الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير الذي حكم السودان بقبضة من حديد لمدة ثلاث عقود، بدأ الفريق أول محمد حمدان دقلو القائد العسكري البارز يتحول إلى قوة سياسية ذات نفوذ متزايد.

ويشغل دقلو المعروف باسم "حميدتي" منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي يدير شؤون السودان منذ سقوط البشير في أبريل/نيسان الماضي.

وعلى النقيض من الفريق عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري فقد جذب حميدتي الأضواء وكثيرا ما يلقي خطبا علنا في وقت يمر فيه السودان بمرحلة انتقالية متغيرة.

وبرز حميدتي على الساحة السياسية في السودان منذ أن لعب دورا بارزا في المفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي وقادة الاحتجاجات.

ويقول مراقبون للشأن السودان إن انخراط قائد عسكري بما يتمتع به دقلو من نفوذ في السياسة قد يجعله ينافس على لعب دور محوري في عملية الانتقال السياسي في البلاد، لما يتمتع به من خبرة وحنكة، كما يمكن أن يغيظ ذلك ضباط الجيش الذين يحترسون من طموحاته.

ويرحب بعض السودانيين بنفوذ حميدتي السياسي المتنامي.

وقال الوكيل السياحي مؤمن حامد "نفوذ حميدتي يتزايد. وهو وطني وساعد في قيادة الثورة. وهو الذي يتولى شؤون الدولة. أعتقد أن بوسعه قيادة البلاد".

وعندما تفجرت الاضطرابات بسبب المصاعب الاقتصادية في ديسمبر/كانون الأول قال حميدتي إن مطالب المحتجين مشروعة وانتقد الفساد. وإدراكا منه لصعوبة تمسك البشير بالسلطة في مواجهة انتفاضة شعبية عمل على عدم مشاركة قواته في الحملة على المتظاهرين والتي أسفرت عن مقتل عشرات المحتجين.

ويثير حميدتي الحماسة في نفوذ الجماهير بحديثه البسيط بالعامية العربية التي لها جاذبية كبيرة في السودان.

وقال حميدتي لضباط الجيش في سجن الخرطوم المحتجز فيه البشير إنه ليس من الممكن إرضاء الجميع لكنه سيحاول السعي بهمة لحل مشاكل الجميع "لأن كل راع مسؤول عن رعيته".

كما قرر حميدتي دفع مرتبات العاملين في المطار لثلاثة أشهر وأمر قوات الدعم السريع بالتضييق على عمليات تهريب الدقيق (الطحين) وغيره من السلع وعرض مساعدة الغارمين في السجون.

وسعى أيضا إلى إظهار أن بوسعه تولي السياسة الخارجية. ففي رحلة إلى السعودية هذا الشهر التقى ولي العهد السعودي وقال إنه سيدعم المملكة في مواجهة أي تهديدات وهجمات من جانب إيران وذلك وفق بيان أصدره المجلس العسكري.

العديد من السودانيين يرون أن الجيش ساعد في نجاح ثورتهم
العديد من السودانيين يرون أن الجيش ساعد في نجاح ثورتهم

وفي الآونة الأخيرة تحدث حميدتي لما يقرب من 30 دقيقة بعد الإفطار في رمضان أمام جمهور كان من بينه مسؤول كبير في السفارة الأميركية والسفير السعودي ووسائل الإعلام المحلية والعالمية. وقال إنه يؤيد "الديمقراطية الحقيقية".

وقال في خطاب تخلله تصفيق الحاضرين وضحكاتهم إن الديمقراطية الحقة تقوم على التشاور وإنه يريد انتخابات حرة ونزيهة.

وفي صعوده من بدايات متواضعة كتاجر للماشية في الصحراء إلى واحد من أكثر مساعدي البشير استحواذا على ثقته في بلد تتغير فيه التحالفات على الدوام، أبدى حميدتي تصميمه ومهارته في المناورة في الكواليس بفضل خبرته.

وحميدتي فارع الطول ذو شخصية مهيبة ويقع مكتبه في القصر الرئاسي، اكتسب دعما حاسما من السعودية والإمارات بعد أن أرسل قوات من الدعم السريع لدعم قوات التحالف العربي في حربها ضد الميليشيات الحوثية في اليمن.

وتعهدت الدولتان بتقديم مساعدات قدرها ثلاثة مليارات دولار للسودان الشهر الماضي.

ورغم تأكيداته العديدة على حرص الجيش بتسليم السلطة لحكومة مدنية وسعيه لإيجاد حل توافقي عبر المفاوضات مع قادة الاحتجاجات بشأن الفترة الانتقالية، إلا أن البعض يعتبر نائب رئيس  المجلس العسكري رمزا للماضي نظرا لقيادته لقوات الدعم السريع التي يعتبرها السودانيون ساهمت في قمع احتجاجاتهم وقتل المتظاهرين بأوامر من البشير.

ويتخوف البعض من بروز دور حميدتي في مرحلة حساسة في انتقال السودان إلى الديمقراطية.

فالتوترات تتصاعد بين المجلس العسكري الانتقالي وتحالف لجماعات المعارضة والمحتجين يسعى للتعجيل بتسليم السلطة للمدنيين.

والثلاثاء، أكد حميدتي أن المجلس "لن يقفل باب التفاوض" مع قوى إعلان الحرية والتغيير، مشددا في ذات الوقت على "ضرورة مشاركة الجميع".

وأضاف أن "أولوية المجلس الانتقالي هي تحقيق السلام الشامل في البلاد. لدينا اتفاق مبادئ مع الحركات المسلحة، وسننجز السلام الشامل قريبا في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان".

كما حذر من منظمات قال إنها "بدأت في تجهيز معسكرات لجوء ونزوح للشعب السوداني، وهذا يعني أن هناك عمل يحاك ضد الشعب". وأضاف "هي ذات المنظمات التي خططت لخراب أقليم دارفور غربي البلاد والآن تريد تخريب الخرطوم، لكن نحن لها بالمرصاد ونقول لهم خاب فالكم، ولن نجامل في هيبة الدولة".
وعبر حميدتي "عن رضاه التام تجاه انضباط قوات الدعم السريع وتعاملها مع المواطنين في الفترة الماضية، وتجانسها الكبير مع القوات المسلحة والقوات الأخرى".
وأضاف "نحن لا نريد السلطة لكن نحن الضامن لأمن الشعب".
ودعا "الشعب السوداني إلى تفويت الفرصة على المتربصين"، وشدد على "عدم الإنسياق وراء رغبات هؤلاء (دون تحديد) حتى لا يحيق بالبلاد ما لا يحمد عقباه".
ومضى بالقول "هناك من يسعون لزرع الفتنة بين الجيش والدعم السريع بنشر الشائعات، لكن نقول لهم إن كل القوات على قلب رجل واحد".

واكتسب مقاتلو وحدات الدعم السريع خبرة في الحرب التي شهدها إقليم دارفور على متمردين ثاروا على الحكومة.

وقال الطالب الجامعي محمود الزين "المجلس العسكري لا يريد تسليم السلطة للمدنيين لأن الضباط سيكونون عرضة للمحاكمة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان".

تاريخ السودان المليء بالانقلابات العسكرية سبب التوجس من حكم العسكر
تاريخ السودان المليء بالانقلابات العسكرية سبب توجس المحتجين من حكم العسكر 

لكن حميدتي أكد أنه "لولا دور القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في حماية التغيير، لظل عمر البشير في القصر الجمهوري في الحكم حتى الآن".

وهو ما أيده فيه زعيم حزب الأمة السوداني المعارض الصادق المهدي حين حذر قادة الاحتجاجات من استفزاز أعضاء المجلس العسكري الانتقالي الحاكم، قائلا إنه "لا يجب حرمان الجيش من شرعيته، أو حرمانه من دوره الإيجابي في الثورة".

وأضاف السياسي المخضرم في تصريحات صحفية مع بداية شهر مايو الحالي "يجب ألا نتحداهم (المجلس العسكري) بطريقة تجبرهم على إثبات نفسهم بطريقة مختلفة".

وعلى صعيد آخر يقول محللون سياسيون إن صعود حميدتي قد يواجه أيضا بمعارضة من بعض الضباط الذين يعتقدون إنه لا يستحق ترقياته السريعة في المؤسسة العسكرية.

وولد حميدتي في 1975 وهو أصغر أعضاء المجلس العسكري الانتقالي وعلى النقيض من بقية القيادات العسكرية في المجلس لم يتخرج من الكلية الحربية.

وقال المحلل السياسي فيصل صالح "لا يوجد ضابط في الجيش لا صغير ولا كبير يقبل بما يفعله حميدتي"، ولا يتوقع صالح "حربا أهلية مثل ليبيا وسوريا. لكن في الأمد البعيد قد يتحول الأمر إلى مواجهة".

ولا توجد أي بوادر عداء بين قوات الدعم السريع والجيش. ويبدو أن العلاقات بين البرهان رئيس المجلس العسكري وحميدتي قوية.

وقال خالد التجاني وهو من كبار الصحفيين والمحللين السياسيين "هو يحاول التعاون قدر الإمكان مع الجيش".

ويصور حميدتي نفسه الآن كواحد من الشعب يمكنه أن يضمد جراح البلاد التي عانت من حركات تمرد مسلح ومن عقوبات أميركية وفقر وأزمات اقتصادية.

ومع مواجهة المعارضة لتحدي تشكيل جبهة موحدة مع الانقسامات التي بدت تظهر في صفوف قوى إعلان الحرية والتغيير بسبب قلة خبرته السياسية، يبرز حميدتي كخيار ممكن لقيادة المسار السياسي في السودان.

ويقول محللون إن أمام أحزاب المعارضة التي أنهكها وقضى عليه نظام البشير خلال عقود، الكثير من العمل لتصبح قوى سياسية فاعلة يمكنها أن تكون البديل عن حكم العسكر لبناء مسار سياسي جديد في السودان