هل تقفز مفوضية الانتخابات من السلّم؟

الرابح والخاسر والمقاطع، بل وحتى مفوضية الانتخابات، الكل يحذر من حرب أهلية في العراق سواء إذا الغيت الانتخابات أو اعتمدت نتائجها!

جاء في كتاب "المستطرف في كل فن مستظرف"، ان رجلا نظر إلى امرأته وهي صاعدة في السلّم فقال لها، أنت طالق إن صعدت، وطالق إن نزلت، وطالق إن وقفت، فرمت نفسها إلى الأرض، فقال لها؛ فداك أبي وأمي، إن مات الإمام مالك أحتاج إليك أهل المدينة في أحكامهم!

لا شك ان تلك المرأة الذكية، تخلصت من المأزق الذي وضعها فيه زوجها، بعد ان قدحت في ذهنها "حيلة شرعية" انقذتها من طلاق متحقق لا محالة. لكنها بالتأكيد لن تكون سعيدة او مطمئنة للقادم من عمرها مع رجل اراد التخلص منها بطلاق تعسفي، لا مناص منه.،وان مأزقها الاكبر سيكون في كيفية تصريف امورها معه بعد تلك الواقعة، التي لا تدري ان كان الرجل، قد اعدّ لها اخرى مثلها ام لا، لان نية الطلاق المبيتة لن تنهيها قفزتها من السلّم، ولن يكون السلّم آخر الشراك.

انتخابات العراق لهذا العام، شهدت مفارقات ومواقف كثيرة، بدءا من الدعوات المحمومة لمقاطعتها، والتي تسببت في عزوف الملايين، مرورا بالتشكيك بنزاهتها التي فاق الحديث عنها التجارب السابقة، وصولا الى المواقف المتناشزة من نتائجها، والتي وضعت المفوضية في موقف يشبه موقف تلك المرأة، مع الفارق طبعا، لان المطالب، يستحيل تحقيقها كاملة لارضاء الجميع.

لقد طالب البعض باعادة الانتخابات، بحجة كثرة التزوير، لان البرلمان القادم الذي ستفرزه هذه الانتخابات، لن يكون معبرا عن ارادة الشعب، وادعى ان عدم تلبية هذا المطلب قد يتسبب في حرب اهلية! وطالب البعض الاخر، بإعادة العد والفرز يدويا لمناطق معينة، وادّعوا ان عدم تلبية الطلب يعني اندلاع حرب اهلية! بينما رأى اخرون ان الابقاء على النتائج في بعض المحافظات، قد يفجر حربا اهلية في تلك المحافظات! والطريف في الامر، ان المفوضية نفسها، تلبسها هذا المناخ التصعيدي، وقالت ان تغيير النتائج يعني اندلاع حرب اهلية! وبذلك وجد العراقيون انفسهم امام خيارات قاسية، وتحديدا بعد ان نشط مجلس النواب، او عدد غير قليل من اعضائه ضد المفوضية، وراحوا يضعون شكل المعالجة الفنية للمشاكل التي حصلت، ويدعون الى اعتمادها، وفي حال عدم رضوخ المفوضية، فان اجراءات قاسية ستتخذ بحقها! او هكذا صار العراقيون يتلقون هذا السيل اليومي من التصريحات والفعاليات التي غطت على برامج رمضان الترفيهية، منذ اعلان النتائج في الشهر الماضي.

المشكلة ان البعض اخلتطت لديهم الاجراءات الفنية بالاجراءات التشريعية، فصاروا لا يفرقون بين الاثنين في تصديهم لمفوضية الانتخابات، التي ترى ان الاعتراضات والشكاوى لها سياق قانوني، وتسلم وفقا لزمن محدد ويتم اتخاذ الاجراءات اللازمة بشأنها في وقت معين، وبعد ذلك، يترك الامر للمحكمة الاتحادية التي لها الحق في معاينة كل تلك الوقائع واتخاذ الاجراء المناسب وفقا للدستور. الشيء اللافت ان هذا الحراك ترافق مع محاولات بعض الكتل الفائزة، تشكيل تحالفات لتشكيل الكتلة الاكبر، وان عملية اعادة العد والفرز، التي اذا ما فرضت على المفوضية، فان ذلك يتطلب اشهرا، قبل ان تعلن النتائج، التي لن تقبل بها جميع الاطراف، وخصوصا التي ستخسر بعض مقاعدها، ما يعني اننا سنعيد الكرة وندخل في دوامة جديدة وحلقة مفرغة.

من الصعب القول انه لا توجد عمليات تزوير او خروقات، تمثل بعضها بحرمان ناخبين من الادلاء باصواتهم، وهذا تزوير من نوع اخر، قد لا تكون المفوضية مسؤولة عنه بشكل مباشر، لكن من الصعب ايضا، تصديق كامل ادعاءات الجميع، لان رفع السقوف جزء من لعبة السياسة، او للضغط على الاطراف الاخرى.

يبقى الاصعب ان تلبي المفوضية جميع المطالب. ومن هنا عليها ان تستعين بخبرة وذكاء تلك المرأة، للتخلص من المأزق الذي وجدت نفسها فيه، لكن مأزق العراقيين، سيبقى هو الاكبر مع واقع سياسي سيكون افرازا لهذا المخاض العجيب.