هل تنقل أضلع السلطة في تونس معركة ليّ الأذرع للشارع

دعوة حركة النهضة الإسلامية أعضاءها للنزول للشارع دعما لرئيس الوزراء في خلافه مع رئيس الدولة، قرار ينطوي على مخاطر جرّ البلاد إلى مربع الفوضى وإلغاء منطق الحوار لحل الأزمة السياسية.
الصراع السياسي في تونس يدفع الاقتصاد المتعثر إلى هوة عميقة
العناد عنوان للانسداد السياسي وعلل تونس في نخبتها السياسية
المشهد التونسي ينفتح على مرحلة من الاستقطاب الشديد

تونس - أدى خلاف بشأن تعديل وزاري في تونس إلى تسريع وتيرة صراع على السلطة بين الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان مما يهدد بخروج الكتل المتنافسة في احتجاجات في الشارع وإسقاط الحكومة.

ويتفاقم الخلاف منذ انتخابات 2019 التي أسفرت عن برلمان منقسم ورئيس جديد على الساحة السياسية مما أوجد حالة مستمرة من الاضطرابات السياسية في الدولة الوحيدة التي خرجت بديمقراطية سليمة من ثورات "الربيع العربي" قبل نحو عشر سنوات.

ووصل الخلاف إلى ذروته في وقت تكابد فيه تونس للخروج من الأزمة الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا بينما تواجه أكبر احتجاجات منذ سنوات ومستويات من الدين العام أثارت مخاوف أسواق رأس المال التي تشتد الحاجة لها من أجل تمويل ميزانية الدولة.

وإذا سقطت الحكومة فإن تشكيل حكومة جديدة قد يستغرق أسابيع مما يؤدي إلى مزيد من التأخير في الإصلاحات المالية اللازمة لكسب التمويل.

وقال زهير المغزاوي رئيس حزب الشعب الذي يدعم الرئيس قيس سعيد في خلافه مع رئيس الوزراء هشام المشيشي "اليوم الثورة تواجه أحلك أزماتها وأكثرها تعقيدا.. أعتقد أن الحل هو حوار بعيد عن التسويات السياسية السابقة.. حوار يقود إلى الاتفاق حول تعديل النظام السياسي والنظام الانتخابي وتعديلات في الدستور".

وتعهد الرئيس بعدم الموافقة على تعيين أربعة وزراء رشحهم المشيشي في تعديل وزاري قائلا إن لكل منهم شكل محتمل من تضارب المصالح.

ويحظى المشيشي الذي تولى منصبه الصيف الماضي بدعم من رئيس البرلمان راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي وهو الحزب السياسي الرئيسي الوحيد الذي صمد خلال العقد الأول من الديمقراطية في تونس.

وتخلصت ثورة 2011 من الحكم الاستبدادي، لكن الكثير من التونسيين أصيبوا بخيبة أمل بسبب تردي حالة الاقتصاد. في الوقت نفسه أدى نظام تقاسم السلطة الذي تضمنه دستور 2014 إلى خلاف مستمر بين الرؤساء ورؤساء الوزراء والقادة البرلمانيين.

ويتعين على كل من البرلمان والرئيس الموافقة على رئيس وزراء يتمتع بمعظم الصلاحيات التنفيذية في حين يشرف الرئيس على الشؤون الخارجية والدفاع.

ولم يتم تشكيل محكمة دستورية كان من المفترض أن تفصل في النزاعات بين الأفرع المتنافسة للدولة لأن كل من في السلطة لم يتفقوا على قضاة يثقون في قدرتهم على التزام الحياد.

ويريد الرئيس سعيد نظاما رئاسيا مع دور ثانوي للأحزاب السياسية في حين يريد الغنوشي وحلفاؤه نظاما برلمانيا أكثر وضوحا.

وقال الصادق جبنون القيادي في حزب قلب تونس الذي يرأسه قطب الإعلام المسجون نبيل القروي "الرئيس يريد رئيس وزراء دمية بين يديه.. هو يريد أن يكون اللاعب الرئيسي"

ويبدو هذا التشخيص مجانبا للصواب فالأزمة أكبر من مجرد ما يريده الرئيس في ظل غياب التجانس السياسي والتوافقات على حل ينهي الأزمة التي تبدو في مرحلتها الراهنة أزمة صلاحيات بينما يهوي الاقتصاد إلى هوة عميقة وتزداد المقدرة الشرائية للمواطن التونسي تدهورا وسط مخاوف من أن تصل الدولة إلى حالة شلل تام وعجز عن سداد رواتب موظفي القطاع العام، بينما يواجه القطاع الخاص مصاعب مع غرق أضلع السلطة في صراع مصالح وصلاحيات.

وصبت الاحتجاجات التي اندلعت في الآونة الأخيرة على عدم المساواة وانتهاكات الشرطة جام غضبها بالأساس على المشيشي والغنوشي.

ومع ذلك دعا حزب النهضة بزعامة الغنوشي أعضاءه إلى التظاهر يوم السبت "لحماية الديمقراطية" ومعارضة رفض سعيد للتعديل الوزاري الذي اقترحه المشيشي، وهي دعوة اعتبرت سابقة من حزب سياسي زعيمه رئيس للبرلمان ويفترض أن يبحث عن تهدئة لا تصعيد في الشارع من أجل الضغط على رأس السلطة (قيس سعيد). كما دعت أطراف أخرى ذات آراء متعارضة إلى مظاهرات.

ويعيد شبح الاحتجاجات المتنافسة إلى الأذهان الاستقطاب الشديد الذي شهدته تونس عامي 2013 و2014 قبل أن يتخلى حزب النهضة ومجموعة من الأحزاب العلمانية عن العنف من خلال الاتفاق على تقاسم السلطة.

وفاز سعيد وهو وافد جديد على الساحة السياسية في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية عام 2019 بحصوله على أغلبية ساحقة يقول محللون إنه اعتبرها تفويضا شخصيا قويا ورفضا للأحزاب التي تهيمن على البرلمان.

في الوقت نفسه، أسفرت الانتخابات البرلمانية عن برلمان لا يتمتع فيه أي حزب بأكثر من ربع الأصوات مما يجعل من المستحيل تقريبا حصول أي حكومة على دعم أغلبية ثابتة.

وقال سعيد عن الخلافات "لست مستعدا للتنازل عن مبادئي" مضيفا أن الرئاسة ليست عبارة عن مكتب بريد لتلقي القرارات التي يرسلها رؤساء الوزراء دون تمحيص".

وعلى ضوء حالة الاستقطاب والشد والجذب بين أضلع السلطة، ينفتح المشهد السياسي التونسي على سيناريو اقله سوء موجة عنف حزبية في الشارع.

واحتكام الكتل المتنافسة للشارع قد يكون أسوأ قرار حيث يلغي الحوار السياسي ويدفع لتأجيج الأزمة.