هل نشهد علمنة لسلوكنا؟

نظرية التعلق هي أحد مجالات علم النفس التي تتعامل مع العلاقات بين البشر.
علم الأعصاب اليوم مدفوع بنوع الطموح الذي كان موجودًا للتحليل النفسي قبل 30 عامًا
العواطف الكبيرة هي أمراض ميؤوس منها، ولا يمكن أن نعالجها إلا عن طريق جعلها أكثر خطورة

"إن شغفنا هو طائر الفينيق الحقيقي. عندما يتم استهلاك قطعة قديمة، تولد واحدة جديدة على الفور من رمادها." 
الشاعر الألماني غوته
إذا ألقينا نظرة نقدية على استخدامات علم الأعصاب، فإننا نرصد طموحا من هذا العلم إلى جعل استكشاف الدماغ وسيلة لعلاج الأمراض العقلية مثل الاكتئاب أو الفصام، وكذلك المشكلات الاجتماعية والقضايا التعليمية والتحديات الاقتصادية. هل أصبحت هذه العلوم العرفانية والعصبية مقياسا لسلوكنا وحياتنا؟
يقدم علم الاجتماع بعد أن تعب الكائن الاجتماعي من أن يكون على طبيعته ومل من مجتمع البؤس، جزءا من تفكيره في الاضطرابات النفسية ومشاكل الصحة العقلية في سياق مجتمعاتنا المؤهلة كفرد شغوف. مشيرا إلى الجنون الحالي لعلم الأعصاب الإدراكي، يتساءل عما إذا كان الإنسان العصبي في طريقه ليحل محل الإنسان الاجتماعي. على أي تمثيلات لأنفسنا يعتمد الاهتمام بعلوم الدماغ؟ ما هي المخاوف التي يعكسها هذا البحث؟ هل نشهد "علمنة" لسلوكنا؟ هل يمكننا شرح جميع سلوكياتنا الاجتماعية على أساس وظيفة الدماغ؟
علم الأعصاب اليوم مدفوع بنوع الطموح الذي كان موجودًا للتحليل النفسي قبل 30 عامًا. وفي الوقت نفسه، نشهد تغييرًا عميقًا في طرق تفاعلنا في المجتمع. 
تجسد العلوم العرفانية اليوم مناخًا من الرأي، وهناك توقعات عالية جدًا منها، في حل المشكلات النفسية أو السياسات العامة، خاصة فيما يتعلق بالتعليم. ومع ذلك، إذا واجه التحليل النفسي الإنسان بحدود رغبته، فإن العلوم المعرفية تميل إلى تجاوزها وتعود إلى "أسطورة الإمكانات الخفية"، وتتساءل عن الاستقلالية كشرط يجعل المرور من التطلع الفردي إلى التحرر، قاعدة اجتماعية.

 ما هو الدور الحيوي الذي تؤديه الأهواء في استمرار الوجود البشري؟ وأي مستقبل هذه النظرية المبتكرة في الدراسات العلمية التي تجمع بين العرفاني والعصبي وبين البيولوجي والثقافي؟

من جهة ثانية أبرزت نظرية التعلق العاطفي أهمية العلاقات التي تربط الأطفال بالبالغين الذين يهتمون بهم في تطورهم اللاحق. ولكن كيف تلعب جودة العلاقات دورًا في رفاهيتهم؟ وهل يمكن إدخال العلوم العرفانية فيها؟ كيف نشأت نظرية التعلق في القرن العشرين وحالة البحث الحالي التي طبعت فينا، في دوائرنا العصبية؟
نظرية التعلق هي أحد مجالات علم النفس التي تتعامل مع العلاقات بين البشر. يقدم الطب النفسي منهجًا متعدد التخصصات لهذه النظرية، والذي يدمج البيانات البيولوجية والعاطفية والنفسية والاجتماعية والثقافية. وتحقق هذه النظرية الأمن العاطفي ورفاهية الطفل ولن يتم التركيز فقط على العلاقات مع أولياء الأمور فيما يسمى بالعائلات "التقليدية"، ولكن أيضًا على أطفال الآباء المنفصلين والمعيدين، وفقًا لإجراءات حماية الطفل. سنرى كيف تُعلمنا نتائج البحث من نظرية التعلق بالاحتياجات العاطفية للأطفال في سياقات الحياة غير الأسرة، مثل المدرسة أو الحضانة أو الرعاية. 
إن التعلق يعلم أجسامنا، سواء كنا كائنات حية وطبيعية أو بشرًا، أن هناك يتمتع بالأمان والسرور في أن نكون محبوبين ومحبين، ولا ننسى ذلك أبدًا. لقد سبق لفرديناند ألكيي أن قال حول هذا الموضوع في كتابه "الرغبة في الأبدية" ما يلي: "كل حب عاطفي، كل حب للماضي، هو إذن وهم بالحب، وفي الواقع، حب للذات. إنها رغبة في أن يجد المرء نفسه ولا يفقد نفسه؛ لاستيعاب الآخرين وعدم إعطاء الذات له؛ إنه طفولي، تملّك وقاسي، مشابه للحب الذي يشعر به المرء تجاه الطعام الذي يأكله المرء والذي يدمره بدمجه في نفسه. حب العمل يفترض، على العكس من ذلك، نسيان الذات وماذا كان؛ إنه ينطوي على الجهد المبذول لتحسين مستقبل من نحبه." 
وإذا كان غوته قد أقر بأن العواطف الكبيرة هي أمراض ميؤوس منها، ولا يمكن أن نعالجها إلا عن طريق جعلها أكثر خطورة فإن ألبرت كامي يربط الشغف بالحب ويثني على هذه العاطفة النبيلة وذلك من خلال تصريحه المثير: "لقد أحببت بشغف هذه الأرض التي ولدت فيها، ورسمت كل ما أنا عليه، وفي صداقتي لم أفصل أبدًا أيًا من الرجال الذين يعيشون هناك، من أي عرق قد يكونون. على الرغم من أنني عرفت وشاركت في المآسي التي لا تخذلها، فقد ظلت بالنسبة لي أرض السعادة والطاقة والخلق". 
فما هو الدور الحيوي الذي تؤديه الأهواء في استمرار الوجود البشري؟ وأي مستقبل هذه النظرية المبتكرة في الدراسات العلمية التي تجمع بين العرفاني والعصبي وبين البيولوجي والثقافي؟