هل هناك عنصرية في الولايات المتحدة؟

خليط من مشاكل أمنية واجتماعية جعلت الانفجار في الولايات المتحدة مسألة وقت.
الشرطة تتحرك بخوف وتتصرف بعنف وعصبية شديدة
عنصريون افراد موجودون في مؤسسات الدولة الأميركية
مربط الفرس ومفتاح ما يجري هو قصة الشرطة والأميركيين الأفارقة
من المعيب في دولة تنفق آلاف المليارات حول العالم أن تترك مجتمعات كاملة تعيش تحت وطأة الفقر

هل هناك عنصرية في الولايات المتحدة؟ السؤال بحد ذاته بحاجة إلى تحديد. فإذا كان المقصود وجود عنصرية مؤسساتية مقننة قانونياً مثل عنصرية الكيان الصهيوني تجاه أصحاب الأرض من العرب الفلسطينيين أو عنصرية نظام جنوب إفريقيا السابق الأبيض تجاه المواطنين الأصليين الأفارقة، فالإجابة قطعاً كلا. فلا يوجد في النظام المؤسساتي الأميركي على مستوى التعامل القانوني او فرص العمل او في قطاعات التعليم أو على مستوى الحقوق المدنية التي يتمتع بها الأفراد ما يسمح بوجود أي تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق.

وإذا كان المقصود وجود ثقافة عنصرية عند أفراد الأغلبية البيضاء ذوي الأصول الأوروبية في المجتمع الأميركي تجاه أبناء الأقليات، مثل الممارسات العنصرية التي تشهدها بعض الدول الأوروبية تجاه أبناء الأقليات مما يؤدي لانعزالهم في كانتونات سكنية او مجتمعات "غيتو" منفصلة، فالإجابة أيضاً كلا. فالعنصرية والتمييز ممارسات منتقدة جداً داخل المجتمع الأميركي ولا يجرؤ مسؤول في دائرة أو في جامعة أو حتى مؤسسة خاصة على مهاجمة أتباع عرق أو دين أو التمييز ضدهم في التوظيف والتعليم والإسكان أو التصريح بكرهه لهم!

ما الذي يحدث إذاً، وما الذي أدى لاندلاع المظاهرات الأخيرة المناهضة للعنصرية؟

للأمر بعدان.

البعد الأول: هناك عنصريون أفراد بين أبناء الأغلبية البيضاء في الولايات المتحدة، وهؤلاء الأفراد موجودون في مؤسسات الدولة وفي دوائر القطاعين العام والخاص، ومع أنهم يشكلون أقلية عددية حتى بين أقرانهم من الذين ينحدرون من نفس الأصول العرقية، إلا أنك تلمس أحياناً وبطريقة غير مباشرة أن تصرفاتهم قد تنم عن مشاعر عنصرية تجاه الآخر، وفي حالة إثبات ذلك بالوقائع والدلائل الظرفية فإنهم يتعرضون للملاحقة القضائية، وقد يفصلون من أعمالهم، وقد تضطر المؤسسات التي تحتويهم الى دفع تعويضات مجزية للأطراف المتضررة.

البعد الثاني: قصة الشرطة وقوات الأمن مع بعض أحياء المواطنين الأميركيين من أصول إفريقية (السود)!

هنا يكمن مربط الفرس ومفتاح ما يجري حالياً في الولايات المتحدة!

فبينما يعيش معظم أبناء الأقليات على اختلاف أعراقهم وألوانهم في أحياء مشتركة مع باقي السكان الا أن هناك وجود لأحياء يكون اغلب سكانها من المواطنين الأفارقة الأميركيين في ولايات عديدة مثل نيويورك وشيكاغو ومينيسوتا وغيرها، وهذه الأحياء ذات الأغلبية السوداء تعاني للأسف من الفقر والإهمال النسبي من حيث توفر خدمات البنية التحتية لأن البلديات التي تشرف على الأحياء في الولايات المتحدة تعتمد بشكل أساسي على الضرائب التي تحصّلها من تلك المناطق لتطويرها. لذلك، فالمناطق الفقيرة لا تدفع من الضرائب ما يوازي ما تدفعه المناطق الأكثر ثراءً والتي تستخدمها تلك البلديات في تعزيز البنية التحتية والإنفاق على المشاريع التطويرية وتقوية دوائر الشرطة المحلية، إلخ. ففي حين تجد ان البلديات الغنية قد توفر شرطياً لكل مائة مواطن تجد ان البلديات الفقيرة تكاد لا تستطيع توفير شرطي لكل عشرة آلاف مواطن.

هذا الأمر تحديداً يخلق مشكلة أمنية تتمثل في تفشي الجرائم وانعدام الأمن وانتشار العصابات، إلخ.

لهذا تجد أن الشرطة في تلك المناطق تتحرك بخوف وتتصرف بعنف وعصبية شديدة، أضف الى ذلك إمكانية وجود بعض الأفراد الذين يحملون مشاعر عنصرية ويخفونها داخلها!

وهذا باعتقادي ما حصل في قضية الضحية جورج فلويد، فإن الشرطة في ذلك الحي الفقير الذي تنتشر فيه الجريمة والعصابات معتادة على التصرف بحدة وتشنج مع كل مشتبه به لأنها تعتقد أن تراخيها سيؤدي الى المساس بأمنها وتعريض حياتها للخطر في الشارع، كذلك فإن نقص امكانياتها العددية والتجهيزية نتيجة لنقص الموارد يؤدي الى لجوئها لفرض هيبتها باستخدام العنف الزائد.

أضف الى ذلك احتمال وجود أفراد من البيض يحملون مشاعر عنصرية وكراهية للسود.

لماذا انطلقت المظاهرات اذاً؟

المظاهرات انطلقت للمطالبة بتحقيق العدالة من حيث عدم التهاون مع أفراد الشرطة الذين إستخدموا عنفاً زائدًا وغير مبرر مع الضحية، وكذلك لدفع الحكومة الفدرالية للاهتمام بتطوير تلك الأحياء الفقيرة وعدم ترك مسؤوليتها للبلديات الصغيرة وما تحصله من عوائد ضريبية متواضعة، أي ضرورة الاهتمام بتطوير اوضاع الفقراء وعدم التهاون مع التجاوز على حقوقهم مهما كانت الأسباب والمبررات، وهذا أمر ملح وضروري، فمن المعيب في دولة تنفق آلاف المليارات على مشاريع توسعية حول العالم وعلى برامج التسليح وغير ذلك أن تترك قطاعات مجتمعية كاملة تعيش تحت وطأة الفقر والحرمان تحت مبرر حرية السوق وتوفير الخدمات الأساسية حسب قدرة الأهالي على الدفع!