هل يجب أن نثق في تويتر، وإن لم نثق ماذا يمكننا أن نفعل؟


نحن نعيش حياتنا الرقمية من خلال الإيمان الأعمى بسلامة الأنظمة، ونفترض أنها ستحمي كل معلوماتنا الشخصية، على الرغم من أننا غير مؤهلين للتحقق من ذلك.
لو كان تويتر بنكا وحدث مثل هذا الاختراق لتم طرد كبار المدراء التنفيذيين

كان الأمر صدمة حقيقية مزعجة ليس لإدارة تويتر وحدها، بل للملايين الذين يثقون بالأمان تحت منصتها الزرقاء، فبعد اختراق مجموعة من المتسللين حساب مشاهير الأسبوع الماضي تعطلت أنظمة تويتر، ولم يكف تصريح ماثيو غرين أستاذ التشفير في جلب الطمأنينة لنا جميعا نحن محبو تويتر أكثر من فيسبوك، بقوله “كنا نعتقد أنهم لن يكونوا مجانين بما يكفي لإسقاط الأرض التي يقفون عليها والآن لسنا متأكدين جدا”.

حقا هناك من لديه القدرة لإسقاط كل شيء عنا في شبكته الشريرة المبتزة، وبعدها هل يجب أن نثق في تويتر؟ وحتى إذا لم نثق أصلا، فماذا يمكننا أن نفعل حيال ذلك؟

في حقيقة الأمر نحن نعيش حياتنا الرقمية من خلال الإيمان الأعمى بسلامة الأنظمة، ونفترض أنها ستحمي كل معلوماتنا الشخصية، على الرغم من أننا غير مؤهلين للتحقق من ذلك.

مع ذلك، للإجابة على سؤال الثقة وعدم الثقة بتويتر سأستعيد تصريحا سابقا لريتشارد ثيمي الكاتب المتخصص في أثر التقنيات الجديدة على المجتمع، عندما وصف مصطلح “أمن الإنترنت” بالأمر المثير للغثيان، مؤكدا أن خبراء الأمن يشعرون بالقهر لأنهم لا يستطيعون تحقيق الأمن.

وشكّك ثيمي في قدرة الشركات المتخصصة في مجال أمن الإنترنت ومكافحة الفايروسات على حماية الشركات والوكالات والمستخدمين العاديين.

سبق وأن اتفق غالبية المشاركين في مؤتمر “أمن الإنترنت” الذي أقيم قبل سنوات في لاس فيغاس الأميركية، على أنه “لا يوجد شيء اسمه أمن الإنترنت، فلا يوجد نظام آمن 100 في المئة، ولا توجد شفرة لا يمكن اختراقها”.

وخلال نفس المؤتمر أكد ثيمي وهو متحدث رئيسي دائم في الوكالات الحكومية ومؤتمرات التكنولوجيا حول العالم، على أنه لم يتمكن أي برنامج لمكافحة الفايروسات من مكافحة كل الهجمات، وكل يوم تعلن شركة أو مؤسسة حكومية جديدة عن تعرضها للاختراق الأمني عبر الإنترنت.

وقال “صناعتنا برمتها قائمة على التواري والغموض، وما لدينا هو شيء محطم أساسا، فكتابة الشفرات هو خيار الإنسان الساذج، لذلك كيف يمكننا استخدام كلمة ‘أمن’ عندما لا نعني ذلك؟”.

وهذا لا يعني أن كل شيء بات غير آمن بالمطلق، “فالعاملون في مجال أمن الإنترنت يكذبون على أنفسهم بشأن الكم والكيفية التي يوفرون بها الحماية، إنهم سيّئوُن في ما يتعلق بالتقليل من المخاطر ولكنهم جيدون للغاية في ما يخص إثارة المخاوف عن طريق التظاهر بأن كل شيء آمن”.

واتهم ثيمي المشارك الدائم في مؤتمرات القرصنة في مختلف دول العالم، الشركات بترويج دعاية حول تلك “الخرافة” ويروجون لها أمام العامة عن طريق رفض مناقشة مدى “اختراقهم” بشكل علني.

قد يكون الكاتب ريتشارد ثيمي متطرفا في رأيه، وإن تحدث بثقة العارف عما يتكلم، لكن تصريحات مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد عملية اختراق حساب في تويتر أثارت المخاوف أكثر من الاطمئنان وهو يعزو دافع عملية الهجوم إلى “احتيال العملة المشفرة”.

وبعد أن اكتشف مشاهير العالم وزعماء سياسيون مثل إيلون ماسك وبيل غيتس وجو بايدن وباراك أوباما، اختراق حساباتهم الموثقة بالإشارة الزرقاء لعدة ساعات، كانت هناك أشياء قليلة واضحة بشأن عملية الاختراق باستثناء أن ما حدث كان يمكن أن يكون أسوأ بكثير.

وافترض بروس شناير الزميل في كلية هارفارد المتخصص بتقنيات الأمن التكنولوجي، أن يتخيل الأميركيون حدوث عملية الاختراق في الليلة السابقة للانتخابات الرئاسية الأميركية! وقال “يا إلهي، لا يتطلب الأمر الكثير من الخيال للذهاب إلى هذا الافتراض”.

وتساءل شناير مؤلف كتاب “الكمبيوتر والتشفير” لماذا لا يتعين على شركات التكنولوجيا اتباع قواعد مماثلة للبنوك عندما يتعلق الأمر بعدم السماح للموظفين بالوصول إلى حسابات العملاء”. ويرى لو كان تويتر بنكا وحدث مثل هذا الاختراق لتم طرد كبار المدراء التنفيذيين.

بالنسبة لي وللملايين من مستخدمي تويتر لا يمكن لنا التكهن أكثر من اللازم بالتفاصيل التقنية والمآرب خلف هذا الاختراق، لكن الواقع أننا نعاني من ضعف اجتماعي في الاعتماد المفرط على تويتر الذي يحصل على كمية هائلة من طاقة المستخدمين دون أن يفكروا بتنظيم أنفسهم.

لذلك ينصحنا شناير بعدم السماح لهذه الاحتكارات الرقمية السيطرة على حياتنا بشكل تام، والحال لا يقتصر على تويتر وحده، إنه إحدى المنصات فقط.

فإذا كان الهجوم جريمة مالية مباشرة ليس لها دوافع أو آثار جيوسياسية، فسيكون هذا هو أفضل السيناريوهات المحتملة وسط تسونامي التضليل. ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت تلك النتيجة هي النهائية، بينما لم تعلن إدارة تويتر عن استعدادها للاحتمالات الأكثر تعقيدا والتي تبدو مخيفة للحكومات بنفس القدر من الرهبة للمستخدمين الأبرياء. لا يبددها إعلان تويتر أنها لا تملك “أي دليل على وصول المهاجمين إلى كلمات المرور”.

تزيد هيذر ويليامز، الأستاذة في كلية كينغز كوليدج في لندن، من تلك المخاوف بقولها ماذا لو اخترق حساب ترامب على تويتر وكتب شيئا يمكن للعالم أن يصدقه؟

وتصف ويليامز المشاركة في كتابة دراسة عن “السيناريو الكابوس عن أثر تويتر في الدبلوماسية وتصعيد الأزمات”، الحال أشبه بكابوس مرعب لو اخترق حساب الرئيس الأميركي وأعلن المخترق عن إطلاق صاروخ نووي! وتقول “هذا هو سيناريو الكابوس الحقيقي، حيث لا يمكنك معرفة ما إذا كان هناك شيء حقيقي أم لا”.

لقد استمعت مرتين بشكل مباشر إلى حديث إريك شميدت الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، في أبوظبي ولندن، وفي المرتين لم يستطع أكثر من بعث دعوات اطمئنان عائمة للمستخدمين من أجل سمعة شركته أولا. واصفا عمليات التجسس على المواقع الإلكترونية بـ”حقيقة من حقائق الحياة العصرية”. وقال “هناك تجسس متواصل منذ سنوات، وهناك مراقبة، وهكذا دواليك، وأنا لن أحكم على ذلك، إنها طبيعة مجتمعنا”.

في النهاية ما الذي ينبغي لنا أن نستخلصه من هذا الاختراق لحسابات معروفة على تويتر؟ الواقع لا ينتهي الأمر بقلب الحقائق وحدها، حسب جيليان تيت مراسلة فايننشيال تايمز في نيويورك، وإنما سنكتشف بعد زوال الصدمة الطبية لوباء كورونا، أن خسائرنا التي عدت ثانوية حيال فقدان الأشخاص بالمرض، ستكون أخطر مما حسبناه والاختراقات السيبرانية واحدة منها.