هواوي تخطو نحو الاستقلال الرقمي بفتح مصدر 'كانغجي'

العملاقة الصينية تعلن عن اتاحة مصدر لغتها للبرمجة ضمن استراتيجية أوسع للابتعاد عن التقنيات الغربية مع التركيز على بناء منظومة برمجية محلية وقادرة على المنافسة.

بكين - أعلنت شركة هواوي تكنولوجيز عن نيتها فتح مصدر لغة البرمجة الخاصة بها، "كانغجي" (Cangjie)، بدءًا من 30 يوليو/تموز 2025.

وقد أُطلقت "كانغجي" في عام 2024، وتتيح للمطورين تعديل وتحسين الكود، دعمًا لمساعي هواوي لتحقيق الاستقلال التكنولوجي في ظل القيود الأميركية المفروضة على صادرات التكنولوجيا.

صُممت "كانغجي" خصيصًا لنظام التشغيل "HarmonyOS Next"، النظام المستقل عن أندرويد الذي تطوره هواوي، لكنها تدعم أيضًا تطوير التطبيقات على أنظمة أندرويد وiOS، ما قد يجعلها في منافسة مباشرة مع لغات راسخة مثل "جافا" و"سويفت".

وقد استُخدمت هذه اللغة في بناء تطبيقات لمنصات مثل "ميتوان" و"جي دي.كوم"، مع استعداد "ميتوان" لإطلاق تطبيق جديد لسائقي التوصيل باستخدام "كانغجي" خلال الربع الثالث من العام الجاري.

إلى جانب ذلك، قدمت هواوي نظام "HarmonyOS 6" ونماذج ذكاء اصطناعي جديدة، إضافة إلى خادم الذكاء الاصطناعي CloudMatrix 384، في إطار تعزيز نظامها البرمجي المتكامل.

تشكل "كانغجي" جزءًا من استراتيجية هواوي الواسعة لتحقيق الاستقلال التكنولوجي، وهي استراتيجية تطورت بشكل كبير منذ بدء العقوبات الأميركية عام 2018.
فقد نجحت الشركة في استبدال أكثر من 13000 قطعة أجنبية الصنع بمكونات محلية الصنع لتقليص اعتمادها على التكنولوجيا الغربية.
وقد أثمرت هذه السياسة عن نتائج ملموسة، إذ ارتفعت إيرادات هواوي بنسبة تقارب 10% لتصل إلى 704.2 مليار يوان في 2023، فيما تضاعف صافي الأرباح إلى 87 مليار يوان رغم استمرار العقوبات.
أما نظام "HarmonyOS" الذي تعتمد عليه "كانغجي"، فقد بلغ حصته السوقية 17% في الصين مطلع عام 2024، متجاوزًا نظام iOS من آبل، ما يثبت جدوى استراتيجية هواوي في تطوير منظومة برمجية مستقلة.
وتعزز الشركة نهجها عبر الاستثمار في 107 شركة ناشئة تكنولوجية، إلى جانب إنفاقها الكثيف على البحث والتطوير، ما مكنها من الحفاظ على النمو لثلاث سنوات متتالية بعد خسائر 2021.

ثمرة للدروس المستفادة من محاولات هواوي السابقة

تبدو "كانغجي" وكأنها ثمرة للدروس المستفادة من محاولات هواوي السابقة، خصوصًا مع مترجم "Ark Compiler" الذي أطلقته سابقًا كرد على العقوبات الأميركية، لكنه تعرض لانتقادات شديدة من المطورين الصينيين في 2019، بعد فشله في تشغيل عينات العرض التوضيحية الخاصة به.
وعلى عكس "Ark" الذي طُرح بسرعة دون نضج كافٍ، خضعت "كانغجي" لتطوير دام نحو خمس سنوات قبل إطلاقها، ما يدل على نهج أكثر تأنيًا لتجنب الإخفاقات الفنية السابقة.
وكانت "Ark Compiler" قد وعدت بتحسين أداء النظام بنسبة 24% وسرعة الاستجابة بنسبة 44%، لكن المطورين وجدوا أنها غير قادرة على التعامل مع عينات الاختبار القياسية.
أما التبني السريع للغة "كانغجي" من قبل منصات كبرى مثل Meituan وJD.com، فيشير إلى تزايد الثقة بقدرات هواوي البرمجية.

يمثّل قرار هواوي بفتح مصدر "كانغجي" خطوة في الاتجاه الذي أثبت نجاحه عبر مشاريع كبرى مفتوحة المصدر مثل "لينكس" و"Kubernetes"، والتي باتت اليوم معايير صناعية.
ومن خلال هذه الخطوة، تسعى هواوي إلى حل معضلة تبني المنصات الجديدة، إذ تحفّز المطورين على المشاركة في تطوير اللغة، وفي الوقت نفسه توسّع منظومة "HarmonyOS".
يسمح هذا التوجّه أيضًا للشركات الناشئة الصينية باستخدام التكنولوجيا من دون تكاليف باهظة، مع المساهمة في بناء منظومة برمجية وطنية مستقلة.
وقد نجحت هذه الاستراتيجية سابقًا مع "HarmonyOS"، الذي يعمل اليوم على أكثر من مليار جهاز، وجذب أكثر من 8 ملايين مطور مسجّل، و30000 تطبيق، وفقًا لريتشارد يو، رئيس مجموعة أعمال المستهلكين في هواوي.
وعلى غرار النماذج التجارية مفتوحة المصدر مثل "Red Hat"، تبدو هواوي بصدد موازنة الانفتاح مع مصالحها التجارية، حيث تتيح اللغة مجانًا، لكنها تواصل احتكار منصة "HarmonyOS" الاستراتيجية.