هونغ كونغ في 'غرفة المعركة'

فيلم المخرج والكاتب كريج ماكوري يلقي الضوء على مجريات واحدةٌ من أولى معارك حرب المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية عسكريا وإنسانيا، حيث توزعت أحداثه بين مقر القيادة البريطانية في هونغ كونغ ونادي تعاطي الأفيون والدعارة وساحات المعارك في كانتون وجزيرة هاينان والهند الصينية الفرنسية.

كانت معركة هونغ كونغ التي وقعت ما بين 8 ـ 28 ديسمبر/كانون الاول عام 1941، واحدةٌ من أولى معارك حرب المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية، حيث هاجمت القوات اليابانية منطقة هونغ كونغ البريطانية، وذلك في ذات صباح وقوع الهجوم على بيرل هاربر ومطار كاي تاك حيث القاعدة الجوية البريطانية، وهذا الفيلم غرفة المعركة "BattleBox" للمخرج والكاتب كريج ماكوري Craig McCourry يلقي الضوء على مجريات هذه المعركة عسكريا وإنسانيا، حيث توزعت أحداثه بين مقر القيادة البريطانية في هونغ كونغ، ونادي تعاطي الأفيون والدعارة، وساحات المعارك في كانتون وجزيرة هاينان والهند الصينية الفرنسية.

انطلاقا من ذلك يشتغل الفيلم على ثلاث قصص متشابكة على خلفية مدينة تنهار. أولاً، قصة شقيقتين "يو مي فونغ ويو سيو فونغ" من أب بريطاني وام صينية، تخلى عنهما والدهما وتوفيت أمهما بسبب إرهاق العمل، هربتا من قريتهما ليعيشا في هونغ كونغ عالقتان في وسط مجهول، "يو سيو فونغ" تعمل في نادي تعاطي الأفيون والدعارة، و"يو مي فونغ" على جهاز الاتصالات داخل المقر العسكري البريطاني المعروف باسم Battle Box، وقد تم تورطهما في عملية تجسس فاشلةتقتل على إثرها يو مي فونغ بعد أن كشفها الثري الصيني تشاو في إحدى جلسات تعاطيه الأفيون مع أختها "يو سيو فونغ". وتسعى "يو سيو فونغ" للانتقام وتسممه بعد إغرائه بإعطائه كمية كبيرة من الأفيون.

القصة الثانية تمثلت في وقوع مجموعة من جنود الكتيبة الخامسة من فوج راجبوت الهندي والكتيبة الثانية من فوج بنجاب على خط "جين درينكر" في كمين ياباني، حيث نفذ الجنود اليابانيون إعدامات فيما وقعوا أسرى بين أيديهم، الأمر الذي تطلب قتالا ضارياواشتباكات دموية لخروج من بقوا أحياء، وكانت أغلب حوارات هؤلاء الجنود حول التدين البوذي وآمال العودة للوطن سلمين.

القصة الثالثة وهي الأطول والأكثر حضورا في الفيلم تقع في مقر القيادة حيث يتم وضع خطط معركة صد الهجوم الياباني، يخيم ضباب حرب مثير للأعصاب على اللواء كريسوفر مالتبي الضابط العام المشرف على القوات البريطانية في الصين وكبار ضباطه "تشارلز فيشر" مسؤول الاستخبارات، و"جورج ارمسترونج" قائد العمليات، وهم يكافحون من أجل اتخاذ قرار إما القتال حتى الموت أو تقديم استسلام مهين وتسليم المستعمرة البريطانية.

تشتبك القصص الثلاثة لتكشف الكثير من الأبعاد العسكرية والإنسانية التي أحاطت بالمعركة، حيث نرى للجدل المحتدم بين القادة العسكرية في ظل عدم توفر معلومات عن تحركات القوات اليابانية، فأحدهم يرى الدخول المباشر في صد القوات اليابانية مهما كلف الأمر من خسائر بشرية بين المدنيين والجنود، فيما يعترض القائد العام على ذلك آملا في وصول الإمداد العسكري من جنود وآليات وسفن حربية غافلا عن أنه لا يوجد منفذ برّي للوصول إليه إلا من خلال المروربالأراضي اليابانية.

وإنسانيا نتعرف على حكايات فتيات نادي تعاطي الأفيون وممارسة الدعارة والأسباب التي دفعتهن لممارسة هذه المهنة، وأسرار الزبائن ومنهم التاجر الثري تشاو الذي قتلت زوجته في شنغهاى على يد أحد أعضاء العصابات، وأيضا المتعاون مع اليابانيين، وتتساءل من يحارب من في الصين، اليابانيون أم الشيوعيون، عصابات الأفيون أو المافيات التي يشكلها بعض الأثرياء والضباط الكبار.

تكشف حكايات الفتيات عن الإطار العام للإرضية التي تدور المعركة على رحاها، فالتجار الصينيون وكبار العسكريين والأثرياء على علاقة تعاون وثيقة مع القوات اليابانية، وهو الأمر الذي يلقي بظلالها على سهولة دخول القوات اليابانية لهونج كونغ والسيطرة عليها، فقد كانوا يمتلكون كل المعلومات التي تمكنهم من ذلك. ومن جانب آخر حملت حوارات الفتيات خوفا من الفوضى والسيطرة التي يمكن أن تفرضها القوات اليابانية على المدينة بعد غزوها، وقد تجلى ذلك في كثرة الحديث عن المستقبل.

الفيلم على الرغم من أنه كاشف لزوايا المعركة وما كان يدور في غرفة القيادة العامة البريطانية السرية والتي تم بناؤها على عمق 60 قدما تحت الأرض وكذا الأجواء الضاغطة التي كان يعيشها الضباط والجنود والسكان المحليين على السواء، واستعانته بمشاهد من أفلام تسجيلية للغزو الياباني لهونغ كونغ وأيضا انتهائه بمشاهد تسجيلية لدخول الجيش الياباني، إلا أنه لم يكن كاشفا بالعمق الكافي لمآلات الصراع الداخلي والخارجي للمعركة، وكذا لمجريات القتال على الجبهات المتعددة التي شاركت فيها كتائب من الهند والبنجاب واسكتلندا وغيرها، ربما اعتمادا على المشاهد التسجيلية.

ينتهي الفيلم بقيام حاكم هونغ كونغ مارك يونج واللواء كريسوفر مالتبي بتسليمها إلى اليابانيين في فندق بيننسولا والذي يعرف اليوم باسم "عيد الميلاد الأسود".

يذكر أن هذه المعركة كانت موضع اهتمام المؤرخين العسكريين الغربيين، والمقيمين في هونغ كونغ وزوارها من أسر الجنود الذين قتلوا أو تم اعتقالهم في المعركة.ومن بين الكتب المهمة التي استند إليها الفيلم كتاب "ليس أدنى فرصة"للمؤرخ توني بانهام "Tony Banham" الذي أقام فترة طويلة في هونغ كونغ، ودرس المعركة لأكثر من عقد من الزمان وقد كتبوساعد في إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية التلفزيونية، كما ساعد الكثير من أبناء المحاربين القدامى في أبحاثهم عن سنوات حرب آبائهم.

وقد جاء عنوان الكتاب انطلاقا من مقولة "لم تكن هناك أدنى فرصة" لرئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل والتي قالها في إبريل/نيسان 1941 مؤكدا أنه لا توجد آفاق لهونغ كونغ في مواجهة الهجوم الياباني. وعندما وقع الهجوم في الأول من ديسمبر/كانون الاول، ثبتت دقة توقعاته للأسف خلال 18 يومًا فقط من القتال الوحشي والمربك. في هذا الكتاب، يروي توني بانهام قصة المعركة ساعة بساعة،وبينما يسمي الجنود والمقاومين ويصف مصائرهم، فإنه يقدم وجهة نظر إنسانية فريدة للقتال ويعطي إحساسًا مقنعًا بالفوضى وتكلفة المعركة التي قُتل فيها أكثر من 10% من المدافعين عن هونغ كونغ في المعركة؛ ومات 20٪ آخرين في الأسر.