هويدا صالح تتأمل 'بلاغة التشكيل الشعري المعاصر'

الناقدة والأكاديمية المصرية تشتغل في هذا الكتاب على مفهوم التشكيل الجمالي في الشعر الوقوف على أسرار ومكامن التكوين النصي شكلا ومضمونا.

صدر كتاب "بلاغة التشكيل الشعري المعاصر.. قراءات جمالية" للناقدة والأكاديمية المصرية هويدا صالح عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، وهو كتاب يشتغل على مفهوم التشكيل الجمالي في الشعر الوقوف على أسرار ومكامن التكوين النصي شكلا ومضمونا وما يتعلق بها من قراءات معمقة لطبقات النص، فكما ترى الباحثة أن النص الثري هو الذي يتكون من طبقات بعضها فوق بعض لا تُسلم قيادها من القراءة السريعة الأولى وإنما تحتاج إلى تأمل وتحليل واستنطاق لخطابات النص الثاوية في هذه الطبقات. ولا نغفل دور المتلقي في تشكيل الدلالة في النص باعتبار الدور الذي منحته له نظريات "التلقي" وإمكانية إنتاج المعنى الدلالة. ويتكون الكتاب من مقدمة وستة فصول.

ويأتي الفصل الأول تحت عنوان: "الاشتغال البصري في قصيدة ما بعد الحداثة .. الملاكة من حلب أنموذجا" لكريم عبدالسلام. وقد بدأت به الباحثة كونه وثيق الصلة بمفهوم التشكيل الجمالي والتصور الأقرب للتعبير عن المصطلح، حيث أن الفنون البصرية تمّ توظيفها والإفادة منها شعر ما بعد الحداثة، حيث تمكن شعراء قصيدة ما بعد الحداثة من رفد قصائدهم بالعديد من الفنون البصرية كالرّسم والتّصوير والنّحت وصناعة الفيديو والهندسة المعماريّة والفنّ  التّشكيليّ، فضلا عن فنون أخرى كثيرة تنطوي على جوانب بصريّة أهمّهـــــــــا المسرح والسينما؛ لذا حاولت الباحثة استجلاء اشتغال الفنون البصرية في القصيدة المابعد حداثية من خلال التطبيق على تجربة الشاعر المصري كريم عبدالسلام.

أما الفصل الثاني، فقد جاء تحت عنوان: "جماليات قصيدة النثر المصرية .. قراءة في ديوان "يارا" لمحمد رياض. وترى صالح أن قصيدة النثر تساعد القارئ على أن يكون خلاقا في استخراج الدلالة النفسية والفكرية وفرادة الرؤية التي يمتلكها شاعر عن آخر دون أن يكون واقعا تحت تأثير الموسيقى والصور المجازية المفرطة.

والفصل الثالث وهو بعنوان: "بلاغة التفاعلات النصية في المتخيل الشعري" يتخذ من ديوان "كلارنيت" للشاعر كرم عز الدين أنموذجا، وتنطلق الدراسة من الوعي بأن لكل نص شعري رؤى جمالية وعوالم تخييلية تنهض من وعي الشاعر الخاص باللغة الشعرية وخصوصية النص الشعري من ناحية ومن ناحية أخرى من قدرة الشاعر على تصوير صراع الذات الشاعرة مع العالم والأشياء والرؤى الفكرية التي ينبني عليها هذا العالم؛ وهذا ما تتيحه التفاعلات النصية التي تقيمها النصوص الغائبة في الفضاء النصي، لذا ثمة وشائج وارتباطات بين الرؤى الجمالية والرؤى الثقافية التي تكوّن العوالم النصية لدى الشاعر؛وتمنح متخيله الشعري خصوصيته وبلاغته. ومما يتيح للشاعر أن يكوّن صوره الشعرية في متخيله الشعري.

أما الفصل الرابع، فهو بعنوان: "بلاغة الجدل بين الأنا والآخر في ديوان 'يده الأخيرة'" لمحمد الحمامصي، وتطرح الدراسة تساؤلات عن ماهية العلاقة بين الذات والعالم، وهل يكتب الشاعر نصه وهو يعي هذه العلاقة؟ هل يمكن أن يمثل النص الشعري وعي الشاعر بتلك الجدلية؟ أم أن النص يمكن أن يبدأ في العزلة أو الفراغ؟ في الحقيقة ثمة نطاق من العلاقات  يدور فيه النص الشعري، فهنا الشاعر وهناك الواقع أو العالم بتعارض مفرداته وتعقد علاقاته. وقد تأتي الذات عند شاعر ما ذاتا جمعية فاعلة وحاضرة، تتوحد بالعالم وتتفاعل معه وعبر هذه الذات الجمعية المتجذرة داخل النص يستعرض حياته وتاريخه الشخصي كحالة كلية داخل نص جامع كان له السبق في تقديمه.

وترى الباحثة أنه حينما تكشف عن طبيعة العلاقة بين الذات المفردة والذات الجمعية إنما تكون قد أسهمت في الكشف عن طبيعة التجربة الشعرية لدى الشاعر، ليس بوصفها تجربة ذاتية محض، بل بوصفها تجربة تمثل اندماج كلي بالعالم، لا تجربة وصف لهذا العالم. كما أنها تتجلى كذلك كتجربة فعل في العالم لا تجربة انفعال به؛ مما يؤدي إلى تغيير هذا العالم، ويكشف عن وجود فعلي للذات داخل هذا العالم.

ثم يأتي الفصل الخامس تحت عنوان: "بلاغة الموت وشعرية الألم في 'كتاب المشاهدة'" لحنان كمال، حيث اتخذت الشاعرة من قصيدة النثر شكلا فنيا لقصائدها، مُسْتحضرة ثنائيتي الموت والحياة، كثيمتين تتجادلان دراميا في الفضاء الشعري في تزاوج يراوح نفسه بين ثنائيات الصمت والكلام والضحك وبكاء والحب والحزن، تتنقل بينها اللغة الشعرية في الديوان. ويحضر الموت في الديوان كمحور شعري تجلى في كثير من الأفضية الشعرية، فهو يسكن الفعل الشعري بما هو فعل كوني تتجاوز فيه الشعوبُ، بعيدُها وقريبُها. فعبر الموت تعيد الشاعرة ترتيب العالم ومُساءلته. كما يأتي الديوان مكثفا بمعجم دلالي عن الموت والألم، من أولى قصائده إلى آخرها، فالذات الشاعرة التي اقتربت من الموت تتبادل معه المواقع، فهو الذي قد يخاف من النور، يخاف من قوة الحياة. تقوم الشاعرة بأنسنة الموت بعد أن صارا هي وهو صديقين، فتشعر بمواجده ومواجعه.

وأخيرا يأتي الفصل السادس والأخير ليكون بمثابة الكودا التي تغلق أسئلة التشكيل الجمالي حيث يعالج: "التلقي الحديث للبلاغة العربية .. التشبيه أنموذجا"، ويهدف إلى استجلاء جماليات التلقي، والوقوف المتأمل حيال المناهج الحديثة واتجاهاتها المعرفية، وبيان مدى المقاربة المنهجية إزاء البلاغة العربية، مما يُحدث توازنا بين المناهج النقدية وفق علاقتها بمفاهيم القراءة والتلقي، وأثر ذلك على مسارات الدرس البلاغي الحديث بحثاً وتعليماً، وذلك أن القيمة التاريخية للعمل الأدبي ستبقى مادة أولية، طالما هي كامنة في النص حتى تصير إلى وعي القارئ، فالمتلقي إذن هو الأحق بكتابة تاريخ للأعمال الأدبية ما دام القارئ يعيد إنتاج الدلالة. وسوف تعتمد الدراسة منهج التلقي، وينقسم الفصل إلى مقدمة عن التشبيه وكيف يمكن اعتباره رؤية جمالية للعالم لدى الشاعر العربي، وعدة محاور: يأتي المحور الأول ليستجلي مسارات التلقي وارتحال التشبيه كأحد حمولات المعنى، أما المحور الثاني يستجلي التلقي القديم للبلاغة العربية، وكيف تلقي القدماء للبلاغة، كما أن المحور الثالث سوف يبحث في التلقي الحديث للصورة الفنية، ثم يأتي المحور الأخير ليستجلي بلاغة قصيدة النثر.