واشنطن تبدد الخدعة القطرية في التفاوض مع طالبان

قطر سعت الى مفاوضات بشأن حرب افغانستان من اجل المفاوضات بهدف إبقاء الامتنان الأميركي قائما في سلوك ينسجم مع تاريخ من التناقضات والغموض يكتنف العلاقات بين واشنطن والدوحة.

لندن – لا يبدو ان قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف التفاوض مع حركة طالبان يمثل خبرا سارا لقطر التي استضافت معظم جولات المفاوضات بين الجانبين، في حين يقول مراقبون ان استمرار المحادثات بهذه الوتيرة كان يشكل هدفا بحد ذاته للدوحة وربما "خدعة" في تصوير طبيعة النزاع المستمر منذ 18 عاما.
وألغى ترامب في اللحظات الأخيرة لقاء سريا كان مقررا في واشنطن السبت مع زعماء من حركة طالبان لتتويج ما كان يُفترض انه اتفاق سلام مع الحركة المتشددة.
الآن، ترامب يريد انجاز اتفاق سياسي جديد مع طالبان يسمح بانسحاب القوات الأميركية من افغانستان لكن دون مخاوف من الخروج المتسرع الذي سيكون بمثابة الهزيمة لواشنطن وحليفتها كابول.
واكد وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان لاحقا ان واشنطن ستعيد التفاوض مع طالبان على اسس جديدة وتسعى الى الحصول على التزامات فعلية من الحركة المتشددة قبل اي خفض للقوات البالغ عديدها نحو 14 الف عسكري.
ويقول معلقون ان قطر تسعى الى الحصول على امتنان الأميركيين وتدرك جيدا ان الاتفاق لا يمكن انجازه في ظل تصلب موقف طالبان التي لم تعلق هجماتها الدامية حتى خلال انعقاد المحادثات في الدوحة كما ترفض الاجتماع بأي مسؤول في حكومة الرئيس الافغاني اشرف غني.
يتساءل إيغال كارمون رئيس ومؤسس معهد الشرق الاوسط للاعلام والبحوث "ما الذي أعمى بصيرة مثل هذه المجموعة الذكية المتمرسة المحيطة بالرئيس ترامب؟ لماذا يفضلون تجاهل الاعلانات الرسمية لطالبان مثل ان سبب الحرب في افغانستان هو وجود القوات الأميركية وان الحرب ستنتهي فقط اذا غادر الأميركيون؟
ويضيف كارمون في مقال نشره السبت "الاجابة الصدمة هي قطر".

قطر عدو في ثوب حليف

ولا بد ان الادارة الاميركية تفترض ان قطر التي أنشأت مقر القيادة المركزية الأميركية وتستضيفها الى جانب قاعدة العديد العسكرية، تمثل حليفا تتقاسم معه مصالحها في المنطقة، وبالتالي ينبغي النظر الى توصيات وافكار قطر على انها مفيدة ومتماشية مع سياسة واشنطن.
ولكن يبدو ان العكس هو الصحيح بحسب ما يقول كارمون الذي وصف قطر بأنها "عدو في ثوب حليف، ومصالحها متعارضة مع مصالح الولايات المتحدة".
وتعيش قطر عزلة في محيطها العربي منذ قطعت السعودية والامارات والبحرين ومصر علاقاتها مع الدوحة وفرضت عليها حظرا جويا وتجاريا قبل اكثر من سنتين بسبب تورطها في دعم وتمويل جماعات متشددة في المنطقة.
وفي حين تحاول قطر لعب دور الوسيط في حرب افغانستان ولدى طالبان ما يشبه السفارة في الدوحة، تؤوي هذا الامارة الخليجية الغنية بالغاز قيادات من جماعة الاخوان المسلمين وشخصيات محسوبة على فكر القاعدة ايضا وتتيح لهم منابرها الاعلامية، وابرزها قناة الجزيرة التي اعتادت على انتقاد السياسات الاميركية.
كما يحفل تاريخ العلاقات بين واشنطن والدوحة بكثير من التناقضات واحيانا الغموض في اهداف قطر، حتى بالنسبة للحرب الاميركية في افغانستان التي كانت هجمات 11 سبتمبر/ايلول 2001 السبب الرئيسي في اندلاعها.

امير قطر السابق تدخل شخصيا لاطلاق سراح خالد شيخ محمد في 1996
امير قطر السابق تدخل شخصيا لاطلاق سراح خالد شيخ محمد في 1996

يقول ريتشارد كلارك، الذي كان يعمل منسقا وطنيا لشؤون الأمن ومكافحة الارهاب في ادارتي الرئيسين بل كلينتون وجورج بوش ان الشيخ حمد بن خليفة امير قطر السابق ووالد الامير الحالي الشيخ تميم، تدخل شخصيا لدى لفك احتجاز خالد شيخ محمد المتهم الرئيس في احداث سبتمبر التي سقط فيها نحو ثلاثة الاف قتيل.
ولاحقا قامت الدوحة بإبعاد شيخ محمد خفية خارج قطر لتلافي اعتقاله من قبل الاميركيين، وبالتالي "مساعدته على تدبير الهجمات" وفق ما يرى كلارك الذي اعتبر انه "لو قامت قطر بتسليم شيخ محمد للولايات المتحدة في 1996، لكان العالم الآن مختلفا الى حد بعيد".
لكن طريقة تعامل الدوحة مع ترامب، المتهلف لتحسين الاقتصاد وخلق فرص عمل، تعتمد بشكل اساسي على دبلوماسية العقود السخية التي وصلت قيمتها الى 85 مليار دولار هذ العام. ويرى كارمون ان القطريين يشترون صداقة ترامب مثلما يشترون اي شيء اخر في الغرب، من مراكز الدراسات والبحوث الى مسابقات كأس العالم.

لو قامت قطر بتسليم شيخ محمد في 1996، لكان العالم الآن مختلفا الى حد بعيد

أما قاعدة العديد الاميركية التي بنتها قطر في منتصف التسعينات ويعتقد كثير من الاميركيين انها تساعد الولايات المتحدة، هي في الواقع تمثل حصنا لأسرة آل ثاني الحاكمة التي تخشى إنهاء حكمها "خلال يوم واحد" اذا لم تأمن جيرانها الأقوياء على غرار السعودية وايران، بحسب كارمون.
وهكذا يتجاهل الجيش الاميركي هذه الحقيقة، كما لو أن الولايات المتحدة مدينة لقطر وليس العكس. في المقابل تعتبر قطر "تجنيد" الأميركيين حماية لها.
وأبعد من هذا، يمكن لقطر ان تهدد الامكانات العسكرية لقاعدة العديد اذا تعلق الامر بإيران، كما ابلغ الشيخ تميم الرئيس حسن روحاني قائلا "ان على الدول المطلة على الخليج فقط ان تحافظ على امن المنطقة".
ونفس السياق ينطبق على مفاوضات واشنطن وطالبان التي انهت حوالي عشر جولات في الدوحة دون الوصول الى نتيجة.
وسيكون على الولايات المتحدة وطالبان عقد سلسلة من المحادثات الاضافية بناء على اسس جديدة، بحسب ما ذكر وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الاحد.

خمس سنوات عاشها شيخ محمد طليقا قبل تنفيذ هجمات سبتمبر
خمس سنوات عاشها شيخ محمد طليقا قبل تنفيذ هجمات سبتمبر

وردا على سؤال لشبكة "ايه بي سي" الأحد عن مصير المفاوضات بعد اعلان ترامب، قال بومبيو أن المبعوث الاميركي زلماي خليل زاد مهندس المفاوضات "سيعود الى دياره حاليا".
واضاف "آمل أن تغير طالبان سلوكها وتلتزم من جديد الأمور التي تحدثنا عنها"، داعيا بالحاح الى تنظيم اجتماع مباشر بين الحكومة الافغانية وطالبان الامر الذي ترفضه الحركة حتى الآن. وتابع "نحتاج الى التزام جدي" من طالبان لاستئناف المباحثات.

قطر تشتري صداقة ترامب مثلما تشتري اي شيء اخر في الغرب

وخلال مؤتمر صحافي تناول موضوعات عدة في باريس السبت، سعى وزير الدفاع الأميركي مارك اسبر لتبديد المخاوف من سعي واشنطن لخروج سريع من أفغانستان.
وأبلغ الصحافيين "وجهة نظري، وجهة النظر الأميركية هي أن أفضل وسيلة للمضي قدما هي اتفاق سياسي وهو ما نعمل عليه بجد".
وتابع "هذا لا يعني أننا سنأخذ باي اتفاق، لكننا نريد أن نتأكد أن لدينا اتفاقا جيدا، اتفاقا جيدا في شكل كاف يضمن أمن بلداننا للمضي قدما، ومستقبلا أكثر بريقا للشعب الأفغاني".
ولم يتضح بعد كيف ستستأنف المفاوضات بين واشنطن وطالبان وكان انعقادها.