واشنطن تمنح بغداد الضوء الأخضر لسداد تكلفة الكهرباء الإيرانية

الإعفاء الأميركي الجديد يشترط على العراق إيداع المدفوعات في بنوك غير عراقية ستكون مقيدة، على أمل أن ينتقل جزء من الضغط الإيراني إلى دول أخرى.

واشنطن - قال مسؤول أميركي إن الولايات المتحدة تحركت للسماح للعراق بسداد تكلفة الكهرباء الإيرانية عبر بنوك غير عراقية، وذلك في خطوة تأمل واشنطن أن تمنع إيران من فرض انقطاعات للتيار الكهربائي في العراق مع اشتداد درجات الحرارة خلال الصيف.

وكانت الحكومة العراقية قد طلبت من واشنطن حل مشكلة المستحقات المالية لإيران عن صادراتها من الغاز والكهرباء إلى العراق.

وزادت في الآونة الأخيرة شكاوى العراقيين من كثرة انقطاعات التيار الكهربائي والتي تصل إلى 16 ساعة يوميا في ظل ارتفاع كبير في درجات الحرارة بلغت مستويات قياسية في بعض المحافظات على الصعيد العالمي.

وأضاف المسؤول الأميركي الذي طلب عدم نشر هويته إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن وقع الثلاثاء على إعفاء جديد يتعلق بالأمن القومي ويمتد 120 يوما يسمح للعراق، الذي يعتمد بشدة على الكهرباء الإيرانية، بإيداع المدفوعات في بنوك غير عراقية بدول أخرى بدلا من إيداعها في حسابات مقيدة بالعراق.

غير أن الأموال المودعة في الحسابات غير العراقية ستكون مقيدة، شأنها شأن تلك المودعة في البنوك العراقية، ويلزم حصول إيران على إذن من الولايات المتحدة للوصول لتلك الأموال التي لا يمكن استخدامها إلا لتلبية الاحتياجات الإنسانية.

وسبق أن ضغطت طهران على بغداد للحصول على إذن من الولايات المتحدة لصرف تلك الأموال وذلك من خلال وقف صادرات الغاز الطبيعي الإيرانية إلى العراق مما قلص قدرته على توليد الكهرباء واضطره لقطع التيار الكهربائي.

ووسّعت الخارجية الأميركية نطاق الإعفاء الأحدث بناء على طلب الحكومة العراقية ليسمح بإيداع الأموال لدى بنوك خارج العراق، وذلك على أمل فيما يبدو أن ينتقل جزء من الضغط الإيراني إلى دول أخرى.

وقال المسؤول الأميركي "علينا مساعدة العراقيين في مواجهة هذا الضغط المستمر من الإيرانيين للوصول إلى الأموال".

وأضاف "العراقيون طلبوا والآن وافقنا على توسيع نطاق الإعفاء" مشيرا إلى أن هذا ربما يساعد في ضمان تحسين مستوى الامتثال مع الشرط الأميركي أن تُوجه تلك الأموال إلى الأغراض الإنسانية.

وأردف "كما أنه يساعد العراقيين، بدرجة ما على الأقل، على أن تكون لديهم ذريعة (أمام إيران) إذ لا سيطرة لهم على الأموال التي دفعوها (في حسابات غير عراقية)".

لكن ليس معروفا إن كانت إيران ستخفف الضغط على العراق نتيجة لذلك. وربما ترى طهران أن الوسيلة المتاحة لها للضغط على العراق أكبر مما لديها على الدول الأخرى وتقرر الاستمرار في ذلك.

ولم ترد بعثة إيران لدى الأمم المتحدة حتى الآن على طلب للتعليق.

ويستورد العراق الكهرباء والغاز من إيران وهما يشكلان إجمالا ما بين نحو 33 و40 بالمئة من إمداداته من الطاقة، ولا سيما في أشهر الصيف الحارقة عندما تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية ويبلغ استهلاك الطاقة ذروته.

ويواجه العراق مشكلة في دفع ثمن هذه الواردات، لتشغيل محطات الطاقة في البلاد، نتيجة العقوبات الأميركية.

وتواجه إيران عقوبات أميركية واسعة النطاق أعيد فرضها في 2018 بعد انسحاب الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي توصلت له طهران مع بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة في 2015.

وكان ترامب يعتقد أن سياسة ممارسة "الحد الأقصى من الضغط" على إيران ستجبرها على قبول قيود أكثر صرامة على برنامجها النووي الذي تخشى الولايات المتحدة والقوى الأوروبية وإسرائيل أن يكون مصمما لصنع سلاح نووي.

وسبق أن  حمّل الإطار التنسيقي الذي يمثل القوى الشيعية الموالية لإيران في العراق، وهو صاحب الكتلة النيابية الأكبر، الولايات المتحدة مسؤولية عودة الانقطاعات في التيار الكهربائي في البلاد، برفضها الإفراج عن مستحقات مالية لطهران تدفعها بغداد مقابل الحصول على الغاز.

ودعا اللإطار التنسيقي في بيان صادر عنه "الحكومة العراقية من خلال وزارة الخارجية الاتصال بالجانب الأميركي وحمله على الإطلاق الفوري للمستحقات المالية المترتبة عن استيراد الغاز الإيراني دون تأخير أو مماطلة وعدم استخدام هذا الملف سياسيا لتلافي انعكاساته السلبية على المواطنين العراقيين".

وتشكل هذه الانقطاعات مصدر إحراج كبير لحكومة محمد شياع السوداني والمظلة السياسية الداعمة لها ولاسيما الإطار التنسيقي الذي يخشى من عودة الاحتجاجات إلى الشارع، في وقت لا يزال يحاول فيه لملمة جراح حراك تشرين.

وكان رئيس الوزراء العراقي قد أعلن الأسبوع الماضي عن العراق وقع اتفاقا مع إيران يقايض بموجبه نفطه الخام بالغاز الإيراني لإنهاء مشكلة متكررة تتعلق بتأخر المدفوعات لطهران بسبب ضرورة الحصول على الموافقة الأميركية.

وقال السوداني إن العراق يدين لإيران بنحو 11 مليار يورو، ولكنه يواجه صعوبة في سداد هذه الديون بسبب العقوبات الأميركية التي لا تسمح لإيران سوى بالحصول على أموال لشراء سلع غير خاضعة للعقوبات، مثل الغذاء والدواء.

ولفت السوداني إلى أنه بمقايضة النفط الخام العراقي بالغاز الإيراني سيتجنب العراق الانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي، التي أصبحت هي القاعدة في الصيف، وذلك في الوقت الذي تسعى فيه البلاد لاستكمال مشروعات استخراج الغاز التي من شأنها أن تحقق اكتفاءً ذاتياً لها.

وطبقاً لتقارير صحافية، فإن العراق أنفق نحو 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء منذ عام 2003، فيما لا يزال ملف الطاقة متدهوراً، خصوصاً في فصل الصيف من كل عام، وسط اعتماد شبه كلي على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الطاقة في العراق.

وتضغط الولايات المتحدة على العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، لخفض اعتماده على الغاز الإيراني.

وينفق العراق نحو أربعة مليارات دولار سنويا على واردات الغاز والطاقة من إيران، بينما يحرق في الوقت نفسه كميات هائلة من الغاز الطبيعي كمنتج ثانوي لقطاع المحروقات فيه.

اتخذ العراق خطوات لتغيير هذا المسار، ووقّع الأسبوع الماضي اتفاقاً ضخماً مع شركة النفط الفرنسية العملاقة توتال إنرجيز، بقيمة 27 مليار دولار يتضمن خططاً لاستخراج الغاز من حقول نفطية في منطقة البصرة الجنوبية.

 ودعا العراق في يونيو، الشركات الأجنبية إلى تقديم عطاءات للحصول على عقود للتنقيب عن احتياطيات الغاز الطبيعي وتطويرها في 11 منطقة جديدة.