واشنطن تنهي المهام القتالية في العراق وتكتفي بالمشورة العسكرية

وسائل إعلام أميركية تعتبر أن الانسحاب الأميركي سيكون في الواقع إعادة تحديد لمهام القوات الموجودة في العراق بحلول نهاية العام.
الانسحاب الأميركي من العراق يعطي الكاظمي دفعة سياسية قبل الانتخابات
طائرات مسيرة تستهدف مستودع ذخائر لفصيل مسلح موال لإيران
واشنطن تسعى لتخفيف الضغوط الداخلية على حليفها الكاظمي

واشنطن - سينتقل دور القوات الأميركية المتبقية في العراق من المهام القتالية التي تنتهي بنهاية العام الحالي، وفق ما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن بحضور رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إلى مهام المشورة والتدريب كما ستواصل واشنطن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.

وكانت كل الأنباء تشير بالفعل قبل زيارة الكاظمي لواشنطن، إلى أن الأخيرة ستعدل بوصلتها في العراق باتجاه تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ومساعدة القوات العراقية لوجستيا واستخباراتيا في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي لايزال يحتفظ بوجود متناثر في العراق خاصة في صحراء الأنبار وذلك لتخفيف لضغوط التي يتعرض لها حليفها (الكاظمي) من قبل الميليشيات الشيعية المسلحة الموالية لإيران.

ويأتي إعلان بايدن بينما كانت تلك الميليشيات قد وصفت الحوار الاستراتيجي الأميركي العراقي ومباحثات الكاظمي في واشنطن بأنها مجرد ذر رماد على العيون، مشككة في الانسحاب الأميركي.

وقال الرئيس الأميركي "لن نكون مع نهاية العام في مهمة قتالية" في العراق، لكن "تعاوننا ضد الإرهاب سيتواصل حتى في هذه المرحلة الجديدة التي نبحثها".

وتأتي زيارة الكاظمي إلى واشنطن في وقت تتعرّض فيه  القوات الأميركية في العراق لهجمات متكررة تشنّها ميليشيات موالية لطهران. وتقوم الولايات المتحدة بضربات ردا على تلك الهجمات، كان آخرها اليوم الاثنين حيث أعلن فصيل من تلك الميليشيات أن أحد مستودعات الذخيرة الخاصة به تعرض لهجوم بطائرة مسيرة قرب مدينة النجف بجنوب البلاد، مضيفا أن هجومين منفصلين على الأقل أصابا المستودع وقت الفجر تقريبا دون أن يدلي بتفاصيل أخرى.

وفي 29 يونيو/حزيران حينما قصفت مواقع فصائل عراقية مدعومة من إيران عند الحدود السورية-العراقية.

ولا يزال حوالي 2500 عسكري أميركي متواجدين في العراق وتُرسل الولايات المتحدة أيضا بشكل متكرر إلى البلاد قوات خاصة لا تُعلن عن عديدها.

ويريد الكاظمي رئيس حكومة دولة تمزّقها أعمال العنف وتعاني من الفقر ويتفشى فيها الفساد، أن تتعهّد واشنطن، رسميا على الأقل، بإعادة تقييم وجودها في العراق.

ولم تتوان الفصائل الموالية لإيران عن تكثيف ضغوطها مؤخرا على الكاظمي الذي ضعف موقفه في مواجهة أزمات تتزايد تعقيدا في البلاد على المستوى المعيشي والاقتصادي على وجه الخصوص، لا سيما أزمة الكهرباء التي يعتمد العراق على طهران للتزود بما يكفيه منها، خصوصا في فصل الصيف الحار.

وهذا أول لقاء بين بايدن والكاظمي الذي يواجه ضغوطا داخلية بسبب الوجود الأميركي في العراق، لكن حصوله إعلان رسمي لجدول زمني لانسحاب الأميركيين من البلاد، المطلب الأساسي للعراقيين الموالين لإيران، يعطيه دفعا سياسيا قبل ثلاثة أشهر من انتخابات نيابية مبكرة.

ويأمل رئيس الوزراء العراقي أن يستعيد بعضا من النفوذ في مواجهة الفصائل النافذة والمعادية جدا لوجود الأميركيين في البلاد.

وتمحور اللقاء بشكل أساسي حول وجود القوات الأميركية في العراق وعلى نطاق أوسع، قدرة بغداد على التصدي لخلايا تنظيم الدولة الإسلامية المتبقية.

وتبنّى التنظيم المتطرف هجوما داميا وقع قبل أسبوع في سوق شعبي في العاصمة العراقية وأسفر عن مقتل 36 شخصا على الأقل و62 جريحا غالبيتهم من النساء والأطفال بحسب مصادر طبية وأمنية.

وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن الاثنين "نتحدث عن الانتقال إلى مرحلة جديدة في الحملة التي نكمل فيها إلى حد كبير المهمة القتالية ضد تنظيم الدولة الإسلامية والتحول إلى مهمة استشارية وتدريبية بحلول نهاية العام"، موقعا إجراء "تعديلات إضافية" بحلول نهاية العام 2021.

وأضاف "اقترح العراق، ونحن نوافق تماما، أنهم يحتاجون إلى تدريب مستمر ودعم بالخدمات اللوجستية والاستخبارات وبناء القدرات الاستشارية، وكلها ستستمر".

وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قد قال الأحد إن القوات الأميركية المنتشرة في العراق "قادرة على القيام بعمليات قتالية ومن الصعب جدا" التمييز بين الجنود وقوات الدعم والمستشارين، مضيفا للصحافيين في مستهل جولة في آسيا "ما يهم هو ما يطلب منا القيام به".

وكان العراق قد أعلن رسميا هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية في العام 2017 على أيدي القوات العراقية المدعومة من تحالف دولي بقيادة واشنطن، لكن تبقى مخاوف عودته حاضرة بحسب مصدر دبلوماسي أميركي، لأن "العديد من الأسباب التي سمحت بصعود التنظيم في العام 2014 لا تزال قائمة".

وانسحبت معظم القوات الأميركية المُرسلة عام 2014 في إطار التحالف الدولي لمساندة بغداد على هزيمة داعش خلال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

ورسميا ليس هناك قوات مقاتلة، فالعسكريون الأميركيون الذين لا يزالون في العراق يؤدون دور "مستشارين أو مدرّبين".

ويشكل العراق جزء مهما من الإطار الاستراتيجي للولايات المتحدة التي تقود عمليات التحالف الدولي لمكافحة الجهاديين في سوريا المجاورة.

ومن غير الوارد بالنسبة لواشنطن أن تتخلى عن البلد ذي التأثير الإيراني، في خضمّ ارتفاع مستوى التوتر بين إيران والولايات المتحدة، حتى لو كانتا لا تزالان تعتزمان إنقاذ الاتفاق الدولي حول النووي الإيراني المبرم عام 2015.

ويرى حمدي مالك من مركز 'واشنطن انستيتيوت' للأبحاث، أن في إطار هذا التجاذب "من غير المرجّح أن ينخفض عدد العسكريين الأميركيين في العراق بشكل كبير".

ويتوقع الباحث في 'بيرسون انستيتيوت' في جامعة شيكاغو رمزي مارديني أن تكون "الإعلانات شكلية تخدم المصالح السياسية لرئيس الوزراء العراقي".

ويثير هذا الأمر خشية خبراء المنطقة من تواصل الهجمات التي تشنّها الفصائل الموالية لإيران وحتى تكثيفها.

ومنذ الزيارة الأخيرة للكاظمي إلى واشنطن في أغسطس/اب 2020، حصلت تطورات أبرزها تواصل الهجمات التي تتهم بها الفصائل على المصالح الأميركية في البلاد وليس بالصواريخ فحسب، بل أدخلت تقنية الطائرات المسيرة، الأكثر دقة وإثارة للقلق بالنسبة للتحالف الدولي.

وقد بلغ عددها نحو خمسين هجوما منذ مطلع العام، كان آخرها هجوم بطائرة بدون طيار استهدف قاعدة تضم قوات للتحالف الدولي في كردستان العراق، بدون أن يتسبب الهجوم بسقوط ضحايا.

وطالبت الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية التي تضمّ ميليشيات موالية لإيران بعضها منضو في الحشد الشعبي، السبت بـ"انسحاب القوات المحتلة" مهددة بمواصلة الهجمات ضد الوجود العسكري الأجنبي في البلاد.

ومن واشنطن، أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الذي وصل قبل بضعة أيام للتحضير لزيارة الكاظمي أن المحادثات ستفضي بالفعل إلى تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية.

لكن وسائل إعلام أميركية أشارت إلى أن الانسحاب سيكون في الواقع إعادة تحديد لمهام القوات الموجودة في العراق، بحلول نهاية العام.