واقعية نقدية بلمسات رومانسية تحكي مغامرات 'طائر النمنمة'

الكاتب التركي رشاد نوري غونتكين يطرح في روايته كاره حول الصراعات والمشاكل والتناقضات الاجتماعية في مطلع عشرينات القرن الماضي عبر قصة فتاة تركية متعلمة تحمل فكرا عصريا يتناقض مع مواقف وسلوكيات مجتمع متخلف.

بغداد - يطرح الكاتب التركي رشاد نوري غونتكين، في روايته "طائر النمنمة"، الصادرة عن دار ورد للنشر والتوزيع في عمّان، بترجمة صفوان الشلبي، أفكاره حول الصراعات والمشاكل والتناقضات الاجتماعية بأسلوب غير مباشر، ينتمي إلى الواقعية النقدية، المطعمة بلمسات رومانسية، من خلال سرده لمغامرات مثيرة، عاطفية بريئة واجتماعية لفتاة متعلمة تحمل فكرا عصريا يتناقض مع مواقف وسلوكيات مجتمع متخلف في عشرينات الأناضول، وما تواجهه من إحباطات ومعانات مادية ونفسية في ظل هذا المجتمع.

تتألف الرواية، التي تدور أحداثها بين ديار بكر وبغداد والموصل وكربلاء وبيروت واسطنبول وتكير داغ وإزمير وعدد من القرى والبلدات الأناضولية النائية، من خمسة أجزاء اعتمد الكاتب أسلوبين سرديين مختلفتين في كتابتها، فهي تروي الأحداث على شكل يوميات في أجزاء الرواية الأربعة الأولى، ثم ينتقل الكاتب في الجزء الخامس إلى السرد من خلال راوٍ عليم.

نُشرت الرواية عام 1922، وتجري أحداثها في فترة التحول من الخلافة العثمانية إلى الجمهورية التركية، وهي فترة حساسة سياسيا انعكست على الحياة الاجتماعية، وكانت قضية انفتاح المرأة العثمانية في الملابس وتغيير أسلوب أزيائها، وكفاحها لخوض التعليم والعمل. وقد ركز الكاتب على أن إسطنبول كانت مدينة آمنة بذاتها، في حين أن ما حولها يغلي مُنبئا بحرب، وكان كذلك.

معظم أحداث الرواية تُروى من وجهة نظر واحدة هي وجهة نظر بطلتها "فريدة"، الفتاة اليتيمة الأبوين، التي كان أبوها ضابطا في الجيش، وتحلم بأن تكون معلمة. تذهب الى المدرسة الفرنسية الداخلية في إسطنبول أثناء الشتاء، وهي في سن المراهقة، وفي عطلة نهاية الأسبوع، والعطلة الطويلة في الصيف تقيم في منزل خالتها "بسيمة" بالبلدة. كانوا يلقبونها بطائر النمنمة أيام المدرسة لأنها تتسلق الأشجار لترى أمها وأباها، الذي قال لها عندما توفيت أمها "إذا نسيت وجه أمك أنظري إلى السماء سترينه في النجوم" رغم أن حيويتها وشقاوتها صفاتان مكروهتان لفتاة مسلمة في ذلك الوقت.

ترتبط "فريدة" بعلاقة حب مع ابن خالتها "كامران"، الطبيب في احدى المستشفيات. ورغم المشاجرات المستمرة بينهما تتوج العلاقة بخطوبتهما، لكنها تتركه قبل ليلة من زفافهما حينما تكتشف خيانته لها، وتهرب من المنزل للعمل معلمةً في أنطاليا. تٌجبر على التنقل من بلدة الى بلدة مرات عديدة خلال السنوات الثلاث الأولى من عملها بسبب عدم كفاءة المسؤولين، وخبث زملائها، وأطماع الرجال بجمالها وروحها المرحة. في تلك الأثناء تتبنى فريدة طفلة اسمها "مونيسا"، ويصلها نبأ زواج حبيبها "كامران" من الفتاة التي خانها معها. وتتطور علاقة صداقة بينها وبين "خيرالله بيك"، وهو رجل كبير السن، وطبيب وجندي سابق في الجيش، يعاملها مثل ابنته. وفي نهاية تلك السنوات الثلاث تموت "مونيسا"، وتُرغم "فريدة" على ترك عملها، وتتزوج الطبيب لتوقف الاشاعات التي تدور حول سمعتها وتصرفاتها غير اللائقة من وجهة نظر المجتمع.

بعد مرور بضعة أعوام تعود "فريدة" إلى بلدتها لتزور خالتها وابنتها، فتجد "كامران" قد أصبح أرملا، ومعه طفل صغير. لم يستطع أن ينسى فريدة، ويتألم بشدة لخيانته لها، ويعترف أنه تزوج تلك المرأة فقط عندما سمع أن "فريدة" على علاقة حب برجل آخر. وقبل ليلة من رحيلها تخبر "فريدة" ابنة خالتها أن زواجها من "خيرالله بيك" لم يتم، وأنه مات مؤخرا، وقد حثها قبل وفاته على إحياء روابطها بعائلتها مرة أخرى. ثم تسلمها مغلفا لكامران، فيجد فيه مذكرات "فريدة"، ويكتشف أنها لا تزال تحبه، فيخطط للزواج بها في اليوم التالي دون علمها. وتنتهي الرواية بعودة كامران إلى "فريدة"، واعترافه بخيانته لها، وندمه على ما فعل، وأنه ما برح يحبها.

تُعد رواية "طائر النمنمة" من أوسع الأعمال الأدبية الكلاسيكية التركية انتشارا، ولا تزال تحتل رأس قائمة الروايات الأكثر قراءة وشعبية. وقد تُرجمت إلى العديد من اللغات الغربية والشرقية، وجرى تحويلها إلى السينما والتلفزيون بإخراج مختلف عدة مرات كان آخرها عام 2014. ويعتبر مؤلفها رشاد نوري كنتكين (1889-1956) رائد الواقعية النقدية في الرواية التركية المعاصرة، ولد في إسطنبول، وتخرّج في كلية الآداب، وعمل مدرسا للأدب والفلسفة، ومفتشا في وزارة التـربية، وأصبح نائبا في البرلمـان عن مـدينة جنق قلعة، وممثلا لتركيا في اليونسكو، وتوفي في لندن. دخل عالم الأدب من باب النقد المسرحي، ثم اشتهر بقصصه القصيرة، وأصدر أربع مجموعات قصصية. من أهم رواياته "عصفور الصعو"، "من الشفتين إلى القلب"، و"الليلة الخضراء".