وثائقيان يفجران 'أزمة' دبلوماسية بين الجزائر وفرنسا

الجزائر تستدعي سفيرها لدى فرنسا على خلفية بث قناتين فرنسيتين فيلمين وثائقيين اعتبرتهما مسا وتهجما على مؤسساتها وجيشها وشعبها.
جدل متواتر يظهر طبيعة علاقات متوترة بين باريس والجزائر
الجزائر تتهم منصات إعلامية فرنسية بالتحامل عليها
التوتر الجزائري الفرنسي أقرب لزوبعة في فنجان

الجزائر - دفع نشر فيلمين وثائقيين حول الحراك المناهض للنظام في الجزائر على قناتين فرنسيتين، السلطات الجزائرية إلى استدعاء سفيرها في باريس، ما ينذر بأزمة دبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة.

وأعلنت وزارة الخارجية الجزائرية الأربعاء أنها استدعت على الفور سفيرها لدى باريس صالح البديوي للتشاور وذلك على خلفية بث فيلمين وثائقين "الجزائر حبي" (2020) و"وعود الفجر" (2019) بصفة متتالية وفي وقت ذروة المشاهدة على قناتي "فرنسا 5" والقناة البرلمانية 'ال سي اي'.

وجاء في بيان الخارجية الجزائرية أن "الطابع المطرد والمتكرر للبرامج التي تبثها القنوات العمومية الفرنسية والتي كان آخرها ما بثته قناة فرانس + والقناة البرلمانية بتاريخ 26 ماي (أيار/مايو) 2020، التي تبدو في الظاهر تلقائية، تحت مسمى وبحجة حرية التعبير، ليست في الحقيقة إلا تهجما على الشعب الجزائري ومؤسساته بما في ذلك الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني"، معتبرة أن هذا يمثل "استعمارا جديدا" تم تدبيره في باريس.

وأنتج الصحافي والمخرج الفرنسي من أصول جزائرية مصطفى كسوس فيلم "الجزائر حبي" وأثار منذ بثه رودو فعل كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي وانتقده عدد من الناشطين الداعمين للحراك واعتبروه "خيانة".

ويعالج الفيلم مواضيع جنسية ويعرض شهادات لخمسة شبان من الجزائر شاركوا في الحراك الشعبي الذي واجه النظام السياسي في البلاد وتوقف منذ انتشار جائحة كوفيد-19.

كما انتقده عبدالرزاق مقري رئيس الحزب الإسلامي الأول في البلاد وغرّد معلقا على تويتر قائلا "عبيد فرنسا في الجزائر".

ورفضت كل من مجموعة فرانس تليفيزيون الحكومية والتي تضم قناة "فرنسا 5" والمخرج التعليق أو تقديم توضيحات في خصوص الموضوع.

وقالت الجزائر "يكشف هذا التحامل وهذه العدائية عن النية المبيتة والمستدامة لبعض الأوساط التي لا يروق لها أن تسود السكينة العلاقات بين الجزائر وفرنسا بعد ثمان وخمسين سنة من الاستقلال في كنف الاحترام المتبادل وتوازن المصالح التي لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال موضوعا لأي تنازلات أو ابتزاز من أي طبيعة كان".

ومطلع أبريل/نيسان، دعت وزارة الخارجية الجزائرية السفير الفرنسي في الجزائر كزافيه دريانكور اثر تصريحات في موضوع يتعلق بالمساعدات الطبية الصينية للجزائر كان أدلى بها على قناة فرانس 24 الدولية.

وقالت الخارجية الفرنسية الخميس إن "جميع المؤسسات الإعلامية تتمتع باستقلالية تحريرية يحميها القانون في فرنسا" وأن "فرنسا تحترم السيادة الجزائرية".

ويقول أستاذ التاريخ بجامعة العلوم السياسية في باريس جون بيار فيليو إن النظام الجزائري يريد أن "يرسخ في الاعتقاد أن الإعلام السمعي البصري الحكومي في فرنسا يخضع لتوجيهات السلطة السياسية، كما هي الحال في الجزائر".

وتابع "الأزمة الدبلوماسية المصطنعة هي ضمن حملة ممنهجة لغلق الحقل الإعلامي وإسكات الأصوات الناقدة".

ويظهر هذا الجدل المتواتر طبيعة العلاقات المتوترة بين باريس والجزائر وسوء التفاهم المتكرر بين البلدين منذ الاستقلال في العام 1962.

ويقول المحلل السياسي محمد هناد "لا أظن أن تقريرا صغيرا بإمكانه إثارة حرب بين البلدين. هذا سيتواصل كما العادة. هي زوبعة في فنجان".

واثر انطلاق الحراك الشعبي في فبراير/شباط لم تستسغ الجزائر تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والذي دعا إلى "انتقال في فترة معقولة" واعتبرتها الجزائر "تدخلا في شؤونها". وكانت العلاقات بين البلدين ومنذ ذلك التاريخ وخلال عام باردة.

ومع مطلع العام الحالي، أكد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الذي تم انتخابه مؤخرا على أن العلاقات الثنائية بين البلدين تقوم على "الاحترام المتبادل".

وتندرج هذه الحلقة الجديدة من الخلاف في مناخ قمع مسلط على المؤسسات الإعلامية والإعلاميين والصحافيين الذين ما زال بعضهم في السجون.

وقامت السلطات في الأسابيع الأخيرة بغلق العديد من المواقع الإخبارية ووجهت لها اتهامات بتلقي تمويلات من "مؤسسات من الخارج".

كما لم يتم تجديد بطاقات الاعتماد بالنسبة للصحافيين الأجانب العاملين داخل الجزائر بما فيهم مدير مكتب وكالة فرانس برس ما دفعه لمغادرة البلاد.