وجود تبون كغيابه يؤجج تململا سياسيا واجتماعيا

الرئيس الجزائري يظهر لأول مرة منذ أكتوبر نحيفا ومرهقا مخاطبا الجزائريين عبر تويتر، في ظهور أعاد للأذهان حالة الانسداد التي عانتها البلاد خلال فترة مرض الرئيس الأسبق بوتفليقة.
الجزائر في طريق مسدود بعد عام على انتخاب الرئيس تبون
أول ظهور لتبون يثير تساؤلات عن وضعه الصحي
دعوات لتفعيل المادة 102 المتعلقة بشغور منصب الرئاسة
حالة من الجمود السياسي ترافق غياب تبون ومرضه
رئيس الوزراء يدعو الجزائريين للتضامن والوحدة في مواجهة التحديات
الجزائر على حافة أزمة مؤسساتية وفي قلب أسوأ أزمة اقتصادية

الجزائر/باريس - ظهر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بعد ظهر الأحد عبر منصة تويتر والتلفزيون العام المحلي للمرة الأولى منذ 15 أكتوبر/تشرين الأول وخضوعه لحجر صحي في البلاد ثم نقله إلى مستشفى في ألمانيا لتلقي العلاج من فيروس كورونا المستجد، فيما يأتي هذا الظهور الإعلامي غير المباشر بعد نحو عام على انتخابه ووسط حالة من القلق والتوتر  في الوقت الذي تقف فيه الجزائر على حافة أزمة مؤسساتية وأخرى اقتصادية حادة في مشهد جسّد فيه تبون ذاته الذي وعد بالإصلاح والتغيير، حالة الانسداد السياسي والأفق القاتم.

وخاطب الرئيس الجزائري الذي بدا نحيلا، الجزائريين قائلا "الحمد لله على العافية بعد الابتلاء، شفى الله المصابين ورحم المتوفين وواسى ذويهم. موعدنا قريب على أرض الوطن، لنواصل بناء الجزائر الجديدة. ستبقى الجزائر دوما واقفة بشعبها العظيم وجيشها الباسل سليل جيش التحرير الوطني ومؤسسات الدولة".

ويعيد الغياب الطويل لتبون ومصافحته الجزائريين عبر تويتر وظهوره وقد بدت تأثيرات المرض واضحة على جسمه وملامحه، إلى أذهان الجزائريين الحالة ذاتها التي عايشوها في فترة مرض الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة في 2013 بعد إصابته بجلطة دماغية أبعدته عن الظهور العلني وعن النشاط الرئاسي المعتاد باستثناء صور باهتة وجامدة أو مقاطع فيديو كانت تبثها وسائل الإعلام الحكومية.

ومع أن ظهور تبون هذه المرة يبدو مختلفا عن تلك الظروف التي ظهر فيها بوتفليقة أثناء مرضه وتلقيه العلاج في مستشفى عسكري في فرنسا، إلا أن الدلالات الصحية والسياسية تكاد تكون هي نفسها.

ومنذ وصوله إلى السلطة في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019 عبّر تبون (75 عاما)، عن إرادته في الإصلاح لوضع أسس "جزائر جديدة"، لكنه يجسد اليوم بلدا في طريق مسدود ومؤسسات متوقفة.

وبسبب المرض، قضى الذكرى الأولى لفوزه بالانتخابات السبت في مكان ما في ألمانيا، لا أحد يعرف أين بالضبط، حيث عولج من فيروس كورونا المستجد لمدة شهر.

وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت الرئاسة عودته "خلال الأيام المقبلة"و أن حالته الصحية "في تحسن"، لكنه لم يظهر علنا منذ 15 أكتوبر/تشرين الأول وهو غياب يغذي الشائعات والأخبار حول وضعه الصحي.

وأعاد هذا الوضع الجزائر إلى ما كان عليه في نهاية عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة عندما ظل في الحكم دون قدرته على الحركة وعلى الكلام بعد إصابته بجلطة دماغية عام 2013، حتى أطيح به من السلطة في أبريل/نيسان 2019 على إثر انتفاضة شعبية أصبحت معروفة بالحراك الجزائري.

وأدى التململ السياسي الذي لن تضع حدا له بالضرورة عودة تبون، إلى مطالبة بعض الأصوات بتطبيق المادة 102 من الدستور المتعلقة بشغور منصب رئيس الجمهورية، من أجل تجنب أزمة مؤسساتية.

ومن صلاحيات المجلس الدستوري إقرار حالة عدم قدرة رئيس الدولة على ممارسة مهامه "بسبب مرض خطير ومزمن" وعلى البرلمان التصديق على ذلك .

وفي هذه الحالة ، فإن رئيس مجلس الأمة بالنيابة صالح قودجيل البالغ من العمر 89 عاما، وهو من قدامى المحاربين في حرب الاستقلال، يصبح رئيسا مؤقتا لمدة أقصاها 90 يوما، يتم خلالها انتخاب رئيس جديد.

من الناحية الرسمية لا يزال تبون يمسك بزمام الدولة، لكنه لم يمارس أيا من صلاحياته منذ قرابة شهرين، فهو لم يوقع مرسوم إصدار الدستور الجديد المشروع الرئيسي لبرنامجه الانتخابي ولم يوقع على قانون المالية لسنة 2021

ودون أن يذكر الرئيس تبون الذي غادر البلاد في 28 أكتوبر/تشرين الأول، دعا رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد السبت، الجزائريين إلى "تضامن حقيقي لمجابهة التحديات المحيطة بالبلاد"، محذرا من أن الجزائر "مستهدفة". أما الجيش، العمود الفقري للنظام الجزائري، فظل إلى الآن صامتا.

ومن الناحية الرسمية لا يزال تبون يمسك بزمام الدولة، لكنه لم يمارس أيا من صلاحياته منذ قرابة شهرين، فهو لم يوقع مرسوم إصدار الدستور الجديد المشروع الرئيسي لبرنامجه الانتخابي ولم يوقع على قانون المالية لسنة 2021.

وقد تم انتخابه خلال اقتراع قاطعه أغلب الجزائريين وبالتالي أصبح يعاني من انعدام الشرعية، فمدّ يده أولا إلى "الحراك المبارك" كما أسماه. ثم وعد ببناء اقتصاد "قوي ومتنوع" يكون قادرا على الحد من اعتماد الجزائر المفرط على إيرادات الطاقة.

وقال الصحفي عابد شارف "على الرغم من العراقيل الأولى، كان يمكن لتبون أن يخلق شرعية من خلال إطلاق مشاريع كبرى للتجديد السياسي والاقتصادي والمؤسسي فلم يستطع، أو لم يعرف كيف يفعل ذلك، فمبادرته لم تخلق أي حماس"، مضيفا "رئاسة تبون فقدت كل مصداقيتها بل أصبحت عائقا للبلاد".

وبعد مرور عام على رئاسة عبد المجيد تبون، لا يزال ناشطو الحراك والمعارضون السياسيون والصحفيون والمدونون المقربين من الحركة الاحتجاجية، هدفا للمحاكمات.

وتيرة القمع زادت في عهد تبون على خلاف ما وعد به من هامش أوسع للحريات
وتيرة القمع زادت في عهد تبون على خلاف ما وعد به من هامش أوسع للحريات

وعلى المستوى الاقتصادي، تشهد الجزائر تآكل احتياطاتها من النقد الأجنبي وشحّ في السيولة في ظل سوق نفطية تعاني من تداعيات وضع وبائي أفضى إلى أزمة صحية عالمية.

ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن تشهد الجزائر انكماشا اقتصاديا بنسبة 5.2 بالمئة في 2020 فضلا عن عجز في الميزانية من بين أعلى المعدلات في المنطقة.

ويرى اقتصاديون أن البلاد استنفدت كل الاحتمالات المتاحة لتمويل العجز بما في ذلك طبع العملة وسيكون اللجوء إلى التمويل الخارجي "حتميا" في الأشهر المقبلة على الرغم من التأكيدات المخالفة للمسؤولين الجزائريين.

وتعتبر هذه المسألة (الاقتراض الخارجي) بالغة الحساسية في الجزائر التي لم يسبق لها أن لجأت للمانحين الدوليين وليست لها ديون خارجية.

لكن تحت وطأة الأزمة الحالية وعدم استقرار أسعار النفط الشريان المالي الحيوي للاقتصاد الجزائري وفي ظل تعثر المشاريع الكبرى وأيضا على ضوء حالة التململ الاجتماعي الذي ينذر بموجة احتجاجات أشدّ من تلك التي شهدتها البلاد في العام الماضي، لن يكون للسلطة في الجزائر خيار آخر غير الاستدانة الخارجية.

وفي ما يبدو وصفا للوضع الحالي، تساءل الكاتب الفرنسي الجزائري كمال داود "ماذا تفعل بوقتك في الجزائر؟"، مجيبا "بلد بلا أماكن للترفيه بلا مرح.. عجوز وممل"، مضيفا "تحرر لينغلق على نفسه. مات صغيرا ليكبر بلا نهاية. كل شيء آخر هو خُطب وكلام فارغ".