ودّ بين بوتين وماكرون لا يحجب خلافات عميقة

ماكرون يرفض بشدة أي مقارنة بين طريقة تعاطي قوات الأمن مع متظاهري حراك السترات الصفراء في فرنسا والمحتجين من أنصار المعارضة في روسيا.
ماكرون وبوتين يعبران عن رغبتهما في طي صفحة التوتر
ماكرون يدعو بوتين للضغط من أجل وقف إطلاق النار في ادلب
بوتين يجدد دعم بلاده للأسد في مواجهة "الإرهاب" في ادلب
روسيا أوروبية وبعمق في عيون ماكرون

بورم لي ميموزا (فرنسا) - عبر الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين خلال لقاء جمعهما في المقر الرئاسي الفرنسي الصيفي عن استعدادات طيبة لإحداث انفراج في العلاقات بين بلديهما، لكن الخلاف لا يزال قائما بينهما حول سوريا وحقوق الإنسان.

ووصل الرئيس الروسي مبتسما إلى قلعة بريغانسون على شاطئ البحر المتوسط حاملا باقة من الورد لبريجيت ماكرون.

وبعد تبادل المجاملات أدلى كل من الرئيسين بتصريح وهما جالسان على كرسيين في حديقة القلعة حيث عقد اللقاء. ورغم إعرابهما عن الرغبة بالتقارب وسعي ماكرون للتقريب بين روسيا والاتحاد الأوروبي، بقيت الخلافات ظاهرة بينهما بشأن الحرب في سوريا وحقوق الإنسان بشكل خاص.

وقد أعرب ماكرون عن "القلق البالغ" حيال الوضع في إدلب، آخر محافظة لا تزال خارجة كليا عن سيطرة قوات الرئيس السوري بشار الأسد والتي تتعرض لقصف عنيف سوري وروسي.

وأكد ماكرون مخاطبا نظيره الروسي في مؤتمر صحافي مشترك على ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار في المنطقة.

وقال "لا بدّ لي من إبداء قلقي البالغ حيال الوضع في ادلب، فسكان ادلب يعيشون تحت القصف والأطفال يُقتلون. من الملح للغاية التقيد بوقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه في سوتشي" في سبتمبر/أيلول الماضي.

ومنطقة إدلب مشمولة باتفاق توصلت إليه روسيا وتركيا في سوتشي في 2018، نصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كيلومترا تفصل بين مناطق سيطرة قوات النظام والفصائل. كما يقضي بسحب الفصائل المعارضة لأسلحتها الثقيلة والمتوسطة وانسحاب المجموعات الجهادية من المنطقة المعنية.

لكنّ هذا الاتفاق لم يُستكمل تنفيذه، وتتهم دمشق تركيا الداعمة للفصائل المقاتلة بالتلكؤ في تطبيقه، وإن كان نجح في إرساء هدوء نسبي في المنطقة لعدة أشهر.

ومنذ أواخر أبريل/نيسان الماضي صعّدت سوريا وروسيا قصفهما لمنطقة ادلب التي يعيش فيها نحو ثلاثة ملايين شخص، ما أدى إلى مقتل أكثر من 860 مدنيا.

إلا أن بوتين قال إن روسيا التي دخلت النزاع في 2015 إلى جانب نظام الأسد، تدعم عمليات الجيش السوري في ادلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) وفصائل إسلامية أخرى، مضيفا "نحن ندعم جهود الجيش السوري .. لوضع حد لهذه التهديدات الإرهابية".

وتابع "لم نقل أبدا إن الإرهابيين في ادلب سيشعرون بالراحة". ولما سئل بوتين عن قمع التظاهرات المطالبة بالديمقراطية في الأسابيع الماضية في روسيا، ذكّر بأعمال العنف التي رافقت حركة "السترات الصفراء" الاحتجاجية في فرنسا في أواخر العام الماضي وحتى الربيع.

وقال "لا نريد وضعا مماثلا" للذي قام في باريس مؤخرا، مؤكدا أن السلطات الروسية ستتحرك لإبقاء تظاهرات المعارضة في موسكو "في إطار القانون".

وقدم بوتين حصيلة بضحايا تظاهرات السترات الصفراء في فرنسا، مشيرا إلى "سقوط 11 قتيلا و2500 جريح"، مع العلم أن السلطات الفرنسية تؤكد أن امرأة ثمانينية فقط قتلت نتيجة قنبلة مسيلة للدموع بينما كانت تقف على شرفة منزلها، في حين قتل عشرة أشخاص في حوادث جرت على حواجز أقامها المتظاهرون على الطرقات.

ورفض ماكرون بشدة أي مقارنة بين طريقة تعاطي قوات الأمن مع المتظاهرين في فرنسا وروسيا. وقال "المقارنة غير صحيحة. لقد شارك أصحاب السترات الصفراء في الانتخابات الأوروبية ونحن في بلد حيث يستطيع الجميع التعبير بحرية والتظاهر بحرية" في إشارة إلى مطالبة المتظاهرين الروس بأن تكون الانتخابات المقبلة شفافة وحرة وعدم رفض ترشيحات المعارضين.

ورغم هذه الخلافات الواضحة فإن اللهجة بقيت ودية إلى حد ما وبدت واضحة رغبة ماكرون بالعمل على تقارب استراتيجي بين روسيا وأوروبا وبالتالي تجنيب تقارب بين روسيا والصين.

وتابع ماكرون "إن روسيا أوروبية وبعمق ... ونحن نؤمن بأوروبا التي تمتد من لشبونة إلى فلاديفوستوك"، معربا عن رغبته بالعمل على "إعادة ربط روسيا بأوروبا بعد خلافات العقود الماضية".

ودعا إلى استعادة "الثقة" في نظام دولي "في طور إعادة التشكل"، معتبرا أنه بالرغم من "سوء التفاهم حول عدة مواضيع خلال العقود الأخيرة"، فإن روسيا "أوروبية وعلينا أن نعيد ابتكار بناء من الأمن والثقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا".

واختلف الرئيسان أيضا حول الوضع في أوكرانيا، إذ دعا ماكرون إلى عقد قمة رباعية تجمع فرنسا وروسيا وألمانيا وأوكرانيا "خلال الأسابيع المقبلة" حول هذا النزاع الذي يسمم العلاقات الروسية الأوروبية، فيما اكتفى بوتين بالإعراب عن "تفاؤل حذر" حول هذا الملف وإبداء استعداده لمناقشته.

وفي حين قال ماكرون "إن خيارات الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي تعتبر تغيرا فعليا للوضع"، قال بوتين أنه سيتحادث مع ماكرون "بما ناقشه مع الرئيس الأوكراني الجديد"، مضيفا "هناك أمور تستحق النقاش وتتيح مجال التفاؤل ولو بحذر".

وفي بادرة رمزية، أعلن ماكرون أنه سيزور موسكو في مايو/ايار 2020 لحضور الاحتفالات بالذكرى الـ75 للانتصار على ألمانيا النازية.

ورد بوتين مبديا "امتنانه" للرئيس الفرنسي لقبوله الدعوة إلى هذه الاحتفالات التي يعلق عليها الروس أهمية كبرى وقاطعها الغربيون منذ أن احتلت روسيا القرم من أوكرانيا وضمتها.