وزارة التربية المصرية وفيسبوك الدكتورة محبات.. وجها لوجه!

التقدم والريادة في التعليم لا يقتصران على كمبيوتر تابلت يلتقطه التلميذ.

في مصر قامة تربوية شاهقة ورائدة من رائدات التعليم في الوطن العربي، هي الأستاذة الدكتورة محبات أبو عميرة والتي تعمل أستاذة بكلية البنات بجامعة عين شمس بمصر. وبدون الخوض في تفاصيل السيرة العلمية المتميزة للدكتورة محبات والتي يمكن اكتشافها من خلال محركات البحث الإلكترونية الأكاديمية والعامة، فإن ما يعنينا في هذه السطور المقبلة الطرح التربوي المتميز التي تجتهد يوميا في تقديمه من خلال صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. هذا الطرح التربوي شبه اليومي يتمثل في محورين لا ثالث لهما؛ الأول هو تعميق الوعي القومي لدى الناشئة من أبنائنا وتلاميذنا وضرورة تكريس ثقافة الأمن الفكري لديهم والتسلح بكافة أسلحة الوطنية في مقاومة أية غزوات ثقافية وافدة، والمحور الثاني هو تطوير النظام التعليمي في مصر. ولا شك أن المحور الأخير يشكل ملمحا رئيسا في فكر الدكتورة محبات.

فهي منذ أن طفق الوزير الإلكتروني طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني جملة واحدة في وضع تصورات غير منطقية لتطوير النظام التعليمي من وجهة نظره وحده والمحيطين به من مسئولين وربما لم أر في الشاطئ الآخر من يناقش هذه التصورات سوى الدكتورة محبات والتي لعبت دور الصحفي الأرشيفي في اكتشاف ملامح تطوير التعليم منذ أكثر من عشر سنوات مصر وربما تزيد. فالوزير يرى أن التعليم حينما نطوره يكون قاصرا على استخدام التلميذ المكلوم في ثقافته لجهاز إلكتروني سيستخدمه عما قريب في تحميل أفلام العنف والرعب وأغاني المهرجانات الشعبية إلا من رحم ربي، وهو يرى أيضا أن التطوير هو تجربة فنلندية يمكن استخدامها مع متعلمين يستطيعون التفرقة بين الأممية والقومية والوطنية لا تلاميذ لم يعرفوا عن شهر رمضان سوى الفوانيس والحلويات وبعض الطقوس المجتمعية بغير صلتها بالعصر الفاطمي الأكثر عجبا ودهشة.

لكن الطرح التربوي غير الرسمي الذي تقدمه الدكتورة محبات وهو جدير باهتمام الدولة والوزارة والوزير إن لم يكن مشغولا بمقابلاته التلفازية وتصريحاته اليومية التي أصبحت تتصدر المشهد أكثر من تصدر الفتاوى في زمن جماعة حسن البنا وقتما وصلوا إلى سدة الحكم عقب انتفاضة يناير، فمشروعها الذي يتمثل في منشورات قصيرة وسريعة وأحيانا تبدو طويلة وتفصيلية تتعلق بالمعلم والكتاب المدرسي والأسس التي ينبغي أن يبنى في ضوئها، وكيفية إجراء التقويم الشامل للطلاب، ومدى جدوى الإفادة من التجارب الأجنبية التي بالضرورة لا تتناسب وواقعنا التعليمي.

ولا شك في أن الدكتورة محبات أبو عميرة الأكاديمية الرائدة في مجال التربية والتعليم تسعى في نشر اجتهاداتها التربوية أيضا من خلال المقابلات الصحافية معها بالصحف القومية الأكثر انتشارا. لكن ماذا عن وزارة التربية والتعليم مضافة إليها جملة التعليم الفني من هذا الطرح التربوي العميق الذي تقدمه دكتورة محبات ولم يسع إليها أي مسئول بالوزارة لأنهم مشغولون حد الانشغال بكيفية إرهاق المعلمين إما بنقلهم بعيدا عن محل إقامتهم، أو بندبهم لأعمال الامتحانات ربما لحدود مصر الجنوبية على مشارف السودان، لكن لن يتحقق التطوير الذي أشار إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال الفيلم الوثائقي "شعب ورئيس" والذي أخرجته المتميزة ساندرا نشأت إلا من خلال الإفادة بمثل هذه الطروحات التربوية المتميزة والتي لا ترى في التعليم سوى جهاز إلكتروني يتعطل أو مقرر دراسي فقير معرفيا.

ولا شك أن هناك ثمة رابط بين محوري اهتمام الدكتورة محبات أبو عميرة، الوطنية والتعليم، لأن دور التعليم الحقيقي في أية بقعة على وجه الأرض هو تعميق وتكريس وزرع الوطنية بنفوس الأطفال، وأن المنهج الذي يتمثل في الأهداف ونواتج التعلم والكتاب المدرسي واستراتيجيات التدريس والمعلم والتلميذ معا والأنشطة المتنوعة وصولا إلى التقويم لا فائدة منه إذا لم يحقق الوعي بالوطن قدرا ومكانة ومكانا.

إن أسوأ ما أفلحت فيه وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني معا هو تهميش الوعي الوطني لدى المواطنين فضلا عن الدور الهزلي الذي لعبته بعض وسائل الإعلام في الاستهزاء بالوطنية وتعميق الوعي والإدراك لدى المصريين فكانت النتيجة هي تلك الحالة التي نرى الوطن من خلالها، وليدرك القارئ على الفور أن كاتب السطور يقدم موضوعا إنشائيا يصلح لامتحان الشهادة الابتدائية عن الوطن رغم أن الابتدائية في عهد المبتكر الإلكتروني الوزير طارق شوقي لم تعد شهادة بل مجرد سنوات دراسية أكثر مللا، لكن هذه السطور ليست كذلك، إنما هي مجرد تأكيد على ضرورة الوعي بالوطن. ففي الوقت الذي نحتفل فيه بالمسلسلات العبثية وبالإعلانات البليدة التي تقترب من الغباء لأنها تخاطب العيون والبطون والشهوات أكثر مما تخاطب عقولا ناضجة نجدنا أكثر اكتراثا بالمطالب الحياتية المعيشية.

لكن والحق أقول إن ساعة واحدة لمتابعة الأخبار والصور والفيديوهات التي تنتشر على تويتر ويتم بثها مباشرة دقيقة بدقيقة تكفي لندرك عظمة هذا الوطن العظيم والدور الذي يقوم به الرئيس لكننا اعتدنا المعارضة منذ انتفاضة يناير 2011. فأحداث سوريا وليبيا واليمن وبعض مناطق العراق وبالضرورة فلسطين الجريحة تجبرنا جميعا على إدراك نعمة الأمن والأمان بخلاف الحوادث الفردية التي يرتكبها بعض المواطنين بحق الآخرين مثل المشاجرات والمساجلات وربما أحداث السرقة، لكن هناك حقيقة يقرها العقل وهي أن مصر نجحت بالفعل في الحفاظ على مقدراتها ومكتسباتها، وشتان بين صورتين؛ المصريون وهم يفترشون الطعام ما لذ منه وما طاب في ساحة المشهد الحسيني بالقاهرة القديمة، وأولئك النازحين واللاجئين والهاربين من نيران الحرب والدمار في سوريا واليمن، وتتوسط الصورتين صورة عظيمة لجنودنا البواسل على حدود مصر العظيمة ينتظرون وقت الإفطار وهم في رباط إلى يوم الدين.

وعموما وبعيدا عن المزايدات الخاصة بالوطنية وبأهمية الوطن وبنعمة الأمن والأمان التي نحياها، وبعيدا عن الإشادة بدور الرئيس عبدالفتاح السيسي الوطني فإن هناك ثمة ضرورة لتناول ملف التعليم قبل الجامعي، وهو بالفعل ملف شائك وربما أرى ويرى غيري كثيرون أن قضية التعليم (القومي) كبيرة على طاقة الوزير طارق شوقي ورفاقه الملتفين حوله والذين لم يرهقوا أنفسهم بدراسة الواقع التعليمي ومشاهده التي تدعو إلى الرثاء، لذلك تبدو تصريحات الوزير التي صارت بعد ذلك قرارات بمنأى عن واقع متأزم ومأزوم أيضا.

حتى أنني وكثير من رجال التربية المتخصصين الذين تكرههم وزارة التربية والتعليم لأننا ننادي بالتطوير وفق شرائط وضوابط وهم يطلبون تطوير الحالة دون دراسة أو تخطيط، نفطن أن التعليم قبل أن يكون متعة ورفاهية واستجلاب تكنولوجيا العصر ينبغي أن يصبح وسيلة قوية لتعزيز الوعي بالوطن الذي لا يتمثل في العلم والنشيد والإذاعة المدرسية فحسب، بل بمدرسة تمثل صورة مصغرة لوطن يسعى لأن يستشرف المستقبل ويكون قادرا على مسايرة الحراك الداخلي والروافد الخارجية.

أنا أعتقد وعلى يقين في اعتقادي الذي لا يشارفه الشك في أن السبب الوحيد والحصري في أية أزمات تعصف بهذا الوطن العظيم الذي تغنى به العبقري جمال حمدان في شخصية مصر، وأنشد بها العالمي نجيب محفوظ في رواياته الخالدة هو التعليم فقط دون أسباب أخرى، والتقدم والريادة في التعليم لا يقتصران على كمبيوتر تابلت يلتقطه التلميذ، ولا مجرد إحداثيات تتمثل في الأنشطة الغنائية والفنية وابتكارات في وضع أسئلة الاختبارات، بل الريادة تتحقق فقط ومن وجهة نظري في التدريب على التفكير والاستخدام الأقصى لطاقات العقل غير المحدودة.

ورغم أن مصر اليوم تمتلئ بالمدارس التي تشبه الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة بريطانية ويابانية وفرنسية وكندية وألمانية، وأخرى إسلامية ومسيحية وجعلنا التعليم نوعيا والمحصلة أن التلاميذ ربما لا يعلمون شيئا عن لندن أو باريس أو طوكيو. أما عن الشخصيات الدينية فحدث ولا حرج عن سطحية معلومات التلاميذ عنها، لذلك حينما تحدث الرئيس في أثناء الفيلم الوثائقي المتميز "شعب ورئيس" عن التعليم المصري كنت ولا أزال من أشد المعجبين بخطة التطوير التي تحدث عن أطرافها بغير تفصيل. لكن التفصيل لا ولن يكون إلا بأيدي الخبراء في كليات التربية هؤلاء الذين يحاربهم الوزير ولعله الآن استفاق على حقيقة مفادها أن أساتذة التربية هم خير من يمثل التطوير فلسفة وإجراء وتنفيذا.

إن هذه السطور فقط مجرد إشارة لا أكثر لمجهود رائدة من رائدات التربية في مصر والوطن العربي من أجل تطوير التعليم في وطن أراه أنه يستحق لأن مصر بالفعل عظيمة.