وزير خارجية لأكبر شركة غارقة في الظلام

نك كليغ قبل أن يتقلد منصبه الجديد، عليه أن يدرك أنه اليوم وزير خارجية شركة غارقة في الظلام وعليه أن يقود خطة دفاع فيسبوك قبل أن يحسّن صورتها.
فيسبوك أكبر شركة في العالم غارقة في الظلام

في أوج غطرسة فيسبوك كان مارك زوكربيرغ يتهكّم على تويتر وجماعته! راسما مشهدا لمجموعة مهرّجين وكأن سيارتهم تعطلت فجأة في منجم ذهب! لقد بعث برسالة غرور تكنولوجية من منصة إمبراطورية يعيش فيها مليارا مستخدم.

لم يدم ذلك الغرور عندما بدأت المعاول تهاجم قلعة فيسبوك، لأنها شركة تدير تجارة غير مسؤولة بحياتنا وما نمتلكه من خصوصية، فانبرت الأصوات مطالبة بتهديم المعبد على رؤوس مشيّديه.

ماذا عنا نحن الشعب الرقمي المكون من ملياري مستخدم، لولا اندفاعنا لما كانت فيسبوك بهذه السطوة والثراء.

قبل عام تقريبا حذفت فيرا يوروفا، مفوضة العدالة في الاتحاد الأوروبي، المسؤولة عن حماية البيانات والنزاهة الانتخابية، حسابها على فيسبوك، لأن الموقع أصبح مثل “طريق سريع للكراهية” حسب تعبيرها. بينما يحاول عدد غير قليل من المستخدمين الإقلاع عن فيسبوك بوصفه إدمانا مثيرا للصداع.

لكن القضية تبدو سياسية أكثر من الإدمان والكراهية، ومارك الشاب لم يتعلم بعد من التاريخ السياسي الحافل، كان واضحا ارتباكه أمام أعضاء لجنة الكونغرس الأميركي التي أرادت محاسبته على التسريبات واستغلال حساب المستخدمين، وإن كانت بعض الأسئلة الموجهة إليه من سياسيين تنمّ عن سذاجة تكنولوجية.

أن تكون إمبراطورا لملياري مستخدم، يعني أنت تتقلد منصبا سياسيا خطيرا، لم يحظ به ونستون تشرشل.

اليوم تعترف شركة فيسبوك أنها دولة عليها أن تدير اللعبة السياسية كما ينبغي، لكن الشاب مارك زوكربيرغ لا يمتلك مؤهلات الحوكمة الرشيدة، لذلك استعان بنك كليغ نائب رئيس الحكومة البريطانية ما بين عامي 2010 و2015 إبان تحالف حزبي المحافظين والليبراليين الديمقراطيين، ليكون وزير خارجية فيسبوك. ومن المؤمل أن ينتقل إلى وادي السيليكون مطلع العام 2019 ليباشر مهام عمله السياسي في أكبر دولة افتراضية.

بث كليغ نوعا من الأمل في منشور له كمتابع على فيسبوك قبل أن يتسلّم منصبه الجديد، عبر مطالبته بمواجهة الأسئلة الشائكة بشأن كيفية تأثير التكنولوجيا على المجتمع.

التاريخ ليس كابوسا بشكل دائم كما يرى جيمس جويس، عندما يتعلق بوزراء خارجية على درجة من الاعتداد بأفكارهم، الأمثلة لا تغادر المتن السياسي، ونك كليغ مر عليها بلا شك، هو يعرف معنى أن تكون مسؤولا على درجة مرموقة ولسنوات عدة في 10 دواننغ ستريت، يعني أن تهيّئ ذهنك لصناعة الأفكار وقبلها أن تكون مهيّأ لإيجاد الأجوبة، هذا عمل سياسي يديره اليوم وزير خارجية فيسبوك البريطاني الذي جعل من حزب الليبراليين الديمقراطيين للمرة الأولى في التاريخ السياسي البريطاني يقولون إن المعادلة  المكونة من حزبي المحافظين والعمال قد كسّرت، هناك طرف ثالث دخل على أدبيات السياسة البريطانية يجب أن يضاف إلى القاموس.

ربما من أجل هذا تم اختياره ليزيل الغبار من على شاشة الإمبراطورية الرقمية المترامية الأطراف.

سيترك مارك زوكربيرغ المدير التنفيذي للمؤسسة، ومايك شروفر كبير مسؤولي التكنولوجيا في فيسبوك، المهمة لنك كليغ، في صياغة استراتيجية فيسبوك في المرحلة القادمة. فهل سينجح في إدارتها؟

يرى أليكس ويب بمقال في بلومبيرغ، أن كليغ يتطلع لأن يصبح ضمير فيسبوك، وأكثر من مجرد متحدث باسم الشركة العملاقة. ويعبّر عن اعتقاده بأنه سيكون قيمة كبيرة في مساعدة زوكربيرغ وزملائه في التعامل مع البرلمانيين في أوروبا والتصدي لتهديداتهم بفرض ضرائب كبيرة وقوانين أكثر صرامة بشأن تبادل المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن جورج باركر وتيم برادشو المحرران في صحيفة فايننشيال تايمز، ينظران إلى نائب رئيس الوزراء البريطاني السابق على أنه اختيار غريب لهذا الدور، نظرا لخبرته المحدودة في السياسة الأميركية. أما باعتباره أول موظف خارجي في فريق القيادة العليا في فيسبوك، فإنه يمكن أن يساعد في الحد من الانتقادات التي مفادها أن زوكربيرغ منعزل جدا وأنه أجرى تغييرات ضئيلة على دائرته الداخلية.

يضع نك كليغ قدمه الأولى في وادي السيليكون في وقت بالغ السوء، فقد انتهى ذلك الوقت الذي يكظم فيه كبار مدراء الشركات غيظهم من التفوق المثير لشركة فيسبوك، فالشاب مارك لا يمتلك خبرة وحنكة تيم كوك وتاريخ شركة أبل، مع ذلك يقف في قمة جمهورية الملياري مستخدم!

سبق وأن تساءل جون نوتون، مؤلف كتاب “من غوتنبرغ إلى زوكربيرغ: ما تحتاج معرفته حقًا عن الإنترنت” كيف أوصلنا فيسبوك إلى هذه الفوضى التي لا يمكن الخروج منها؟ فيسبوك اليوم أكبر شركة في العالم غارقة في الظلام. ويسرد نوتون في مقال له بصحيفة الغارديان التداعيات المترتبة على الطبيعة الغريبة للتكنولوجيا الرقمية، وأيديولوجيا وادي السيليكون، والسذاجة السياسية المدهشة لمارك زوكربيرغ، ورؤية النفق الأخلاقي لمهندسي البرمجيات، والأهم من ذلك نموذج الأعمال الذي جاء ليكون معروفا باسم “رأسمالية المراقبة”.

ويمكن الحصول على بعض الإجابة وليس كلها على تساؤلات نوتون، بالعودة إلى حديث سابق لأندرو بوسورث، أحد كبـار المسؤولين التنفيذيين في شركة فيسبوك الذي اعترف بالحقيقة القبيحة التي تؤمن بها إدارة فيسبوك عبر صلب الناس بشكل عميق كلما تسنى للشركة ربطهم معا، لدرجة أن أي شيء يتيح ربط المزيد من الناس أمر جيد وله ما يبرره بالنسبة لإدارة فيسبوك، بغض النظر عن الحقيقة التي لا تشعرهم بالقلق من النتائج المشكوك فيها.

عندما استعان نوتون بتعريف مرتبط بالأعصاب للمسرحي البريطاني الراحل كينيث تينان، ليصل إلى أن فيسبوك أشبه بسر لا تدري أنك تحتفظ به. كان يبعث برسالة مبكرة إلى نك كليغ قبل أن يتقلد منصبه الجديد، عليه أن يدرك أنه اليوم وزير خارجية شركة غارقة في الظلام وعليه أن يقود خطة دفاع فيسبوك قبل أن يحسّن صورتها.