وسائل النقل في الصين خلال مائة عام

الكتاب الذي حرره دونغ تسنغ جانغ وترجمته هند سلطان وراجعه د.أحمد السعيد يستعرض دخول الصين إلى عالم النقل الجوي.
انطلاق صناعة الطائرات المدنية والاعتماد عليها لنقل الركاب، ولا سيما الأنشطة الملاحية التجارية وحركة التصدير.
وسائل النقل الصينية أسهمت كثيًرا في النهضة الصناعية والتجارية للصين الحديثة
دونغ جانغ يوضح أن وسائل النقل في الصين شهدت تطوًرا كبيًرا بدًءا من استخدام عربات الخيول والزوارق الصغيرة
قوة السحب في العربات ذات المقعد الواحد قليلة جدًّا؛ ومن ثَمَّ يمكن تقليص حالات حوادث تصادمها مع العربات الأخرى

تعد وسائل النقل، ولا سيما الطرق البرية والبحرية، جزًءا لا يتجزأ من نهضة الأمة الصينية على مر العصور؛ وقد شهدت وسائل النقل في الصين تطوًرا كبيًرا بدًءا من استخدام عربات الخيول والزوارق الصغيرة، وصولا إلى استخدام القطار فائق السرعة خلال فترة بناء الدولة الحديثة ودخول الصين عصر الصناعات الكبرى. 
ويستعرض كتاب "وسائل النقل" الذي نشر ضمن سلسلة الصين في مائة عام عن مؤسسة بيت الحكمة عدًدا من المحاور الأساسية منها أحوال الطرق في أواخر عهد أسرة تشينغ، وسمات وسائل النقل بما فيها العربات التي يحملها الرجال، أو تلك التي تجرها الخيول، والعربات الرسمية والمحفات الشعبية التي تقل العامة من الناس، بالإضافة إلى وصف للجسور المتنوعة والسفن وأنواع الزوارق المختلفة، وحركة النقل في عصر الحكومة الوطنية لجمهورية الصين وملامح ظهور وسائل النقل الحديثة، ومنها عربات اليد والحنطور الغربي والدراجة الهوائية والسيارة التي تعمل بالمحرك، بالإضافة إلى تطور السكك الحديدية والقطارات الحديثة، والتطورات الكبيرة في صناعة السفن ووسائل النقل البحري والبواخر المتطورة.
كما يستعرض الكتاب الذي حرره دونغ تسنغ جانغ وترجمته هند سلطان وراجعه د.أحمد السعيد دخول الصين إلى عالم النقل الجوي وانطلاق صناعة الطائرات المدنية والاعتماد عليها لنقل الركاب، ولا سيما الانشطة الملاحية التجارية وحركة التصدير، والتي أسهمت كثيًرا في النهضة الصناعية والتجارية للصين الحديثة. 

كما يتناول الكتاب صيانة السكك الحديدية وتصنيع عربات القطارات، ومراحل تقدم صناعة السيارات وتشييد الطرق العامة، بالإضافة إلى التطور السريع للنقل الحضري، وتشييد الجسور بين الشمال والجنوب، وصولا إلى تشييد مترو الأنفاق، والسكك الحديدية التي تعمل بالطاقة الكهربائية.
يرى جانغ أن وسائل النقل الحديثة التي تعتمد على القوة البشرية في تحريكها، التي ظهرت في العصر الحديث تتمثل في عربات اليد، والدراجات الهوائية، والدراجات ذات العجلات الثلاث، وتُعرف عربات اليد في الشمال باسم عربة الركشا؛ بينما يُطلق عليها في الجنوب عربة يد، والعربات اليابانية، وقد كانت أحد أنواع المواصلات الأكثر انتشارًا والأرخص سعرًا قبل تأسيس الصين الجديدة، وقد اخترعت عربة اليد أولًا في اليابان؛ حيث يطلق عليها في اليابان اسم "جينري كيشا"، كما أن هناك ثلاث روايات حول مخترع عربات اليد؛ فالرواية الأولي تزعم أن قسيسًا أميركيًّا يعيش في اليابان هو مَن اخترع عربة اليد؛ بينما الرواية الأخرى ترى أن مخترعها قسيس يُدعى بيري تابع للقنصلية البريطانية بيوكوهاما اليابانية، أما الرواية الثالثة فتعتقد أن أحد اليابانيين بمدينة سوزوكي ويُدعى توكو جيرو هو الذي اخترعها في عام 1870، وقد دخلت عربة اليد قديمًا إلى الصين في عام 1874 من قبل رجل أعمال ياباني قدم إلى الصين من أجل التجارة في الصين، وقد خصصت للإمبراطورة الأرملة تسيشي، وقد استخدمتها الإمبراطورة تسيشي والإمبراطور جوانجكسو عند دخولهما القصر، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها عربة اليد في الصين، وقد كانت بدائية نسبيًّا، فضلًا عن وجود عجلتين بها مصنوعتين من الأخشاب، بالإضافة إلى ضخامتها النسبية، كما أن بها رقيقة حديدية تغطيها الطبقة العلوية للعربة، وبالتالي أُطلق عليها أيضًا اسم "العربة ذات الرقاقة الحديدية"، ويظهر شكل المقصورة على هيئة مربع مصنوع من الخشب، وهي أوسع قليلًا من مقصورة العربات العامة، ونظرًا إلى كون تلك العربة عربة إمبراطورية؛ لذا فقد طلي جسم العربة باللون الأصفر.
ويلفت إلى أن عربات اليد الشعبية بدأ ظهورها في أواخر عهد أسرة تشينغ. وفي عام 1874 قام أحد الأشخاص وهو فرنسي الجنسية يُدعي ميرا بشراء أكثر من 300 عربة يد من اليابان، وفي منطقة الامتيازات الفرنسية بشانغهاي أُسست أول شركة لعربات اليد؛ حيث بدأت في دخول عالم نقل الركاب بالمدينة، وقد انقسمت عربات اليد الأولية الواردة من اليابان إلى نوعين؛ أحدهما ذو مقعد والآخر ذو مقعدين، فأما أجزاء العربة ذات المقعدين فكانت ثقيلة الحركة وضخمة، فضلًا عن الافتقار للسلاسة والراحة عند جرها، كما أنها عرضة للحوادث والانقلاب؛ مما يعوق من حركة المرور.

أسعار الدراجات الهوائية ارتفعت في أواخر عهد أسرة تشينغ؛ منذ عام 1900 حتى عام 1907 سواء في شانغهاي أم في تيانجين لتتراوح حول 80 يوانًا، كما اعتمدت بعض مكاتب تأجير الدراجات نظام التقسيط لشراء الدراجات الهوائية

ويشير جانغ إلى أنه في ذلك الوقت كان الركاب يشعرون بعدم الراحة عند ركوبهم تلك العربات، ونظرًا إلى أن الطرق في الصين كانت آنذاك غير ممهدة؛ لذا فقد كانت العجلات الخشبية ذات الرقائق الحديدية تصدر ضجيجًا يزعج المواطنين، فضلًا عن كثرة ترنحها؛ لذلك أصدرت وزارة الأشغال قرارًا تحظر فيه تلك النوعية من عربات اليد؛ بل طالبت تجار عربات اليد بالعمل على تحويل العربات ذات المقعدين لتحل محلها العربات ذات المقعد الواحد؛ حيث إن قوة السحب في العربات ذات المقعد الواحد قليلة جدًّا؛ ومن ثَمَّ يمكن تقليص حالات حوادث تصادمها مع العربات الأخرى، كما أدخلت بعض الإصلاحات والتحسينات تدريجيًّا على محاور العربة وعجلاتها؛ ومن ثَمَّ تحويل عجلاتها إلى محمل رلمان البلي، ثم ظهرت بعد ذلك عربات اليد التي تستخدم فيها العجلات ذات الأسلاك الفولاذية، والعربات ذات العجلات الحديدية، وعربات اليد المطاطية ذات العجلات الخشبية، وعربات اليد ذات الإطارات المطاطية القابلة للنفخ المزودة عجلاتها بأسلاك فولاذية وغيرها. 
وفي السنوات الأولى من الجمهورية الصينية، تحولت عربات اليد إلى عربات تستخدم فيها الإطارات المطاطية والإطارات المطاطية القابلة للنفخ؛ ومن ثَمَّ بدأت العربات ذات العجلات الخشبية في الاختفاء والانقراض، وبمقارنة عربات اليد بالمحفات والعربات التي تجرها الخيول، فإنها تتميز بالخفة والرشاقة، فضلًا عن سرعتها ورخص تكاليفها وغيرها من المميزات الأخرى، بالإضافة إلى أنها عملية جدًّا؛ لذا فقد حظيت سريعًا بالنصيب الأكبر من بين وسائل النقل في مدن شانغهاي، وقد افتتح المستثمرون الأجانب في مناطق الامتيازات الفرنسية ومناطق الامتيازات العامة ما يقرب من عشر شركات لعربات اليد؛ حيث بلغ عدد العربات حوالي 1000 عربة، وقد ارتفع متوسط عدد العربات شهريًّا في منطقة الامتيازات العامة في عام 1884 إلى حوالي 2000 عربة، وفي عام 1909 بلغت حوالي 8471 عربة، ثم بدأت تدريجيًّا في أن تحل محل المحفات وعربات اليد والعربات التي تجرها الخيول، وبالتالي أصبحت وسيلة النقل الأساسية لنقل الركاب في شانغهاي.
ويوضح جانغ إلى أن ظهر الحنطور الغربي في الصين في خمسينيات القرن التاسع عشر، ففي عام 1853، ظهر أحد الأجانب ويدعي سميث على شواطئ هوانغبو على العربة الأولى التي تجرها الخيول في الصين، ثم انتشرت بعد ذلك في شوارع شانغهاي انتشار النار في الهشيم، وبمقارنة الحنطور الغربي بالعربات التقليدية البدائية التي تجرها الخيول في الصين، نجد أن الحنطور الغربي سواء بالخيول التي تجره أم بجسمه نفسه يتمتع بالأناقة والفخامة والطراز الفريد، فضلًا عن الراحة التي يتمتع بها الراكب، ومع ذلك، فقد تعرض الصينيون الذين يركبون العربات التي تجرها الخيول لبعض القوانين العنصرية من قبل أصحاب الامتيازات، فمثلًا عند سير العربة في الطريق، يمكن أن تتجاوز العربات المتأخرة العربة المتقدمة، فإن كان المتأخر صيني الجنسية، فليس له أن يتجاوز العربة التي قبله طالما أن تلك العربة لأجنبي، وإلا تعرض للعقوبة.
ومع انتشار الحنطور الغربي، بدأت فكرة تأجير الحناطير (تسمى الحناطير العمومية) في الظهور تدريجيًّا، ومن أولى الشركات التي بدأت تأجير الحناطير الغربية في الصين شركة ساوين دوانجي لأحد رجال الأعمال الإنجليز بمنطقة الامتيازات الإنجليزية؛ حيث أنشأت تلك الشركة مصنعًا للعربات التي تجرها الخيول؛ ومن ثَمَّ افتتحت مكتب التنين الطائر لتأجير العربات التي تجرها الخيول، أما عن أقدم إصطبلات العربات التي أُنشئت في منطقة الامتيازات الفرنسية، فيعد إِصْطَبل نجمة التنين أقدمها، ومنذ ذلك الحين، بدأت عملية تأجير العربات التي تجرها الخيول في الازدياد، حتى وصلت إلى أوجها في بدايات القرن العشرين؛ حيث وصل عدد المكاتب الكبيرة والمتوسطة التي تعمل في مجال تأجير العربات في منطقة الامتيازات العامة ومنطقة الامتيازات الفرنسية إلى مئات المكاتب، علاوة على ذلك.

ويضيف أن منظر ركوب الحنطور الغربي والتجول به في الشوارع الصينية أصبح أكثر الأساليب التي ينتهجها الأغنياء من أجل التباهي؛ بل أصبحت من وسائل رواج البغاء؛ حيث تذهب البغايا من شارع إلى شارع، وبالتالي أصبحت كل هذه المناظر مناظر مضحكة على نهضة شانغهاي، وهي واحدة مما يسمى بالمشاهد العشرة في شمال شانغهاي، ونظرًا إلى ارتفاع تكلفة الحنطور الغربي في البداية، فإن عامة الناس لم يتمكنوا من ركوبه؛ لذلك ظهر في شانغهاي آنذاك العربات التي تجرها الخيول التي تُأَجَّر، وهذه العربات تشبه الحنطور في أوروبا وأميركا، وهذا النوع من العربات يعرف باسم العربات التي يجرها فرس الموستان؛ حيث يتميز بانخفاض تعريفته؛ ومن ثَمَّ حظي بترحاب كبير من عامة الشعب، كما أصبح في الواقع أحد أهم وسائل المواصلات العامة الصغيرة قبل ظهور الترام في العالم.
ويتابع جانغ أنه في سبعينيات القرن التاسع عشر الميلادي، بدأت الدراجة الهوائية تنتشر في الصين؛ حيث كانت تسمى آنذاك بالعربة ذات الدواسات، وقد أهدى أحد الأجانب دراجة هوائية إلى الإمبراطور جوانجكسو، وبهذا يكون الإمبراطور جوانجكسو هو أول صيني يركب الدراجة الهوائية، وكان شكل الدراجة الهوائية التي انتشرت في شانغهاي على هذا النحو، العجلة الأمامية كبيرة الحجم؛ بينما العجلة الخلفية صغيرة، بالإضافة إلى أنها كانت مزودة بكرسي بين العجلتين الأمامية والخلفية، كما يوجد في أعلى العجلة الأمامية عارضة خشبية تعمل كمقبض، وعلى جانبي العجلة توجد دواسة مصنوعة من الحديد؛ حيث لم يكن قد استخدم حتى هذا الوقت ما يسمى بالجنزير، وإنما كانت العجلات الخلفية تُدفع من خلال العجلات الأمامية، وفي عهد الإمبراطور بو يي تطورت الدراجة الهوائية نسبيًّا، وعلى الرغم من عزل هذا الإمبراطور في المدينة المحرمة، فإنه كان مولعًا بركوب الدراجات الهوائية، ونظرًا إلى الأعتاب الكثيرة الموجودة بالمدينة المحرمة، التي جعلت من الصعب ركوب الدراجة الهوائية؛ لذا فقد أُرسل من يزيلون الكثير من هذه الأعتاب. 
ويلاحظ أنه على الرغم من ارتفاع عدد الأجانب في الصين بصورة كبيرة أثناء الحرب الصينية اليابانية، فضلًا عن التحسن الكبير الذي حظيت به الدراجات الهوائية؛ فإن الدراجات الهوائية قد أصبحت من الأشياء التي من المستحيل ألا تراها في العاصمة والمدن ذات الموانئ التجارية وغيرها من الأماكن، وفي عام 1899، ظهرت الدراجة الهوائية في بعض المقاطعات الداخلية بالصين كجيانغشي وسيتشوان وغيرهما من المقاطعات، ونظرًا إلى كثرة عدد الدراجات الهوائية في سوتشو؛ فقد ازدحمت الطرق ازدحامًا شديدًا؛ ومن ثَمَّ فقد حظرت السلطات المحلية سير الدراجات الهوائية على الطريق، وتعد شانغهاي أكبر المدن الصينية التي كانت تكتظ بمئات الدراجات الهوائية آنذاك، علاوة على ذلك، فقد ارتفعت أسعار الدراجات الهوائية في أواخر عهد أسرة تشينغ؛ منذ عام 1900 حتى عام 1907 سواء في شانغهاي أم في تيانجين لتتراوح حول 80 يوانًا، كما اعتمدت بعض مكاتب تأجير الدراجات نظام التقسيط لشراء الدراجات الهوائية.